Untitled Document

عدد المشاهدات : 2226

الحلقة (130) من" تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (215) من سورة البقرة، قول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَل

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثلاثون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (215) من سورة البقرة
********
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
 

********
هذه الآية نزلت قبل نزول آية الزكاة في سورة التوبة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60(
فقبل نزول هذه الآية، لم يكن المسلمون يعرفون على من ينفقون أموالهم، وجاء أحد الصحابة وهو "عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ" وكان شيخًا كبيرًا وله مال كثير، فسأل الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:  يا رسول الله مَاذَا نُنْفِقُ مِنْ أَمْوَالِنَا ؟ وَأَيْنَ نَضَعُهَا ؟  فنزلت هذه الآية الكريمة ردًا عليه، وعلى غيره من الصحابة 
وليس معنى ذلك أن آية الزكاة ناسخة لهذه الآية، لأن هذه الآية تذكر من الاحق بالانفاق عليهم، فتبدأ بالوالدين ثم الأقارب وهكذا كما سنري
********
يقول تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ) أي يسألك الصحابة مَاذَا يُنْفِقُونَ، والانفاق يعنى الاخراج، فكانت العرب تقول "نفقت السوق" يعنى خرجت كل البضاعة، ونقول "نفقت الدابة" يعنى ماتت وخرجت منها الروح.
(قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) الخير هو المال، وقوله تعالى (خَيْرٍ) يتضمن كون هذا المال حلالًا 
(فَلِلْوَالِدَيْنِ) وقدم الله تعالى النفقة على الْوَالِدَيْنِ لمكانتهما، وهي واجبة عِنْدَ الْحَاجَةِ بِالْإِجْمَاعِ  
(وَالْأَقْرَبِينَ) وكلما كَانَ أَقْرَبَ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ، فالأبناء اذا كانوا في حاجة فهم الأولى، ثم أبناء الأبناء، ثم الإخوة وهكذا
(وَالْيَتَامَى) وهو الذي فقد أبوه قبل البلوغ، فاذا بلغ زالت عنه صفة اليتم
(وَالْمَسَاكِينِ) وهو الذي أسكنه الفقر، والمسكين هنا يدخل فيه الفقير؛ لأنه إذا ذكر المسكين وحده دخل فيه الفقير؛ وإذا ذكر الفقير وحده دخل فيه المسكين؛ وإذا اجتمعا صار لكل منهما معنى منفصل، فيكون الفقير هو الأكثر فقرًا من المسكين 
(وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو المسافر الذي ليس معه مال، فحتى لو كان غنيًا في بلده فهو في حاجة الى الصدقة لأنه لا مال له في حاله هذا
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) اي وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فهو محفوظ عِنْدَ اللَّهِ، عَالِمٌ بِهِ، شَاكِرٌ لَهُ  
وهذا التذييل يقصد له الحض على فعل الخير، فلو أن شخصًا في عمله يعرف أن رئيسه في العمل يراقبه وأنه سيكافأه على مجهوده فانه سيبذل قصاري جهده في عمله، فكذلك المؤمن عندما يستشعر أن الله تعالى يري عمله ويجازيه عليه، فهذا يشجعه على الاستمرار في عمل الخير
(وَالْأَقْرَبِينَ)
(وَالْيَتَامَى)
(وَالْمَسَاكِينِ)
********
هذه الآية كما قلنا نزلت في "عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ" وكان شيخًا كبيرًا هرمًا وله مال كثير، فسأل الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  يا رسول الله مَاذَا نُنْفِقُ مِنْ أَمْوَالِنَا ؟ وَأَيْنَ نَضَعُهَا ؟  فنزلت هذه الآية الكريمة 
و"عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ" كان أَعْرَجَ, وله قصة أن النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ، منعه أبناءه من الخروج لأنه أعرج، والله تعالى قال (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ) فلما كانت معركة أُحُدٍ حاول أبناءه أن يمنعوه، فقال لهم: هَيْهَاتَ ، مَنَعْتُمُونِي الْجَنَّةَ بِبَدْرٍ وَتَمْنَعُونِيهَا بِأُحُدٍ, فلما خرج رده الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعرجه، فقال: يا رسول الله انى أرجو أن أطأ بِعَرَجَتِي هَذِهِ الْجَنَّةَ ؟ فأذن له الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما بدأ القتال قال: اللهم لا تردني الى أهلى، ثم قاتل حتى قتل، فلما انتهي القتال مر به الرسول  - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: لكأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة
قال لهم: هَيْهَاتَ ، مَنَعْتُمُونِي الْجَنَّةَ بِبَدْرٍ وَتَمْنَعُونِيهَا بِأُحُدٍ
********
قيل أيضًا أن هذه الآية نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ لِي دِينَارًا فَقَالَ "أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ" قَالَ: إِنَّ لِي دِينَارَيْنِ، قَالَ "أَنْفِقْهُمَا عَلَى أَهْلِكَ" قَالَ: إِنَّ لِي ثَلَاثَةً، قَالَ "أَنْفِقْهَا عَلَى خَادِمِكَ" قَالَ إِنَّ لِي أَرْبَعَةً، قَالَ "أَنْفِقْهَا عَلَى وَالِدَيْكَ" قَالَ: إِنَّ لِي خَمْسَةً، قَالَ "أَنْفِقْهَا عَلَى قَرَابَتِك" قَالَ: إِنَّ لِي
سِتَّةً، قَالَ "أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى"
 
 

هذه الآية تتناول قضية هامة وهي الأولوية في عمل الخير، لأن هذه الآية تشير –كما ذكرنا- الى الاحق
بالانفاق عليهم، فتبدأ بالوالدين ثم الأقارب وهكذا
فكأن الآية تقول لا يجوز أن تنفق على أقاربك وتترك أبوك أو أمك فقراء، ولا يجوز أن تنفق على الأغراب وتترك أقاربك وهكذا
وهذا الأمر ينسحب على كل حركة حياتك، سواء كان في الخير أو في المباح، لأن الاسلام جاء ليرتب لك حياتك، ولذلك كان الصحابة يكثروا من السؤال عن "أفضل الأعمال" و"احب الأعمال" و"أحق الناس بحسن صحبتى"
لا يجوز أن تذهب لزيارة دار مسنين وتترك زيارة أمك أو أبيك المسنين..
اذا استطعت أن تفعل هذا وذاك فحسن...
لا يصح ان تهتم امرأة بتعليم القرآن وتهمل بيتها...
لا يصح ان تتحرك في الدعوة وتهمل اسرتك..
لا يصح ان تهتم بعملك جدًا حتى تترقي فيه، وتهمل العبادة..
لا يصح ان تعمل المرأة لتحقق ذاتها وتهمل اسرتها.. وهكذا ....
والحديث عن ترتيب الأولويات حديث طويل، وفيه الكثير من الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين، لدرجة هناك باب في الفقه، اسمه "فقه الأولوليات"
هناك قصة عن "فقه الأولوليات" نختم بها، صاحب القصة هو "عبد الله بن المبارك" وكان عالمًا زاهدًا من تابعي التابعين، كان "عبد الله بن المبارك" يستعد للحج، وفي الليلة التى كان سيحج فيها، وجد في الظلام امرأة  تبحث في الزبالة حتى التقطت دجاجة ميتة، فأخذتها وانطلقت، فنادي عليها "عبد الله بن المبارك" وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟ فقالت له: يا عبد الله - اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون، فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله فلأخبرنَّك، فقالت وهي تبكي أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات، وقد اشتدت بنا الحال ونفد مني المال، فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة، وقد أحل الله لنا الميتة، أفمجادلني أنت فيها؟ فقال لها "عبد الله بن المبارك": خذي هذا المال وأعطاها المال كله الذي كان ينوي به الحج، وعاد ابن المبارك إلى بيته، ولم يخرج للحج، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وكلما قابل "عبد الله بن المبارك" واحد منهم شكره وقال له: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلسا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم، ويقول آخر: ما رأينا خيرا منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام.
 فعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره، وفي المنام يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا ؟ أنا محمد رسول الله أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرا... يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. ان الله - سبحانه وتعالى - خلق ملكاً على صورتك.. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج..
وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة.
.
اذن الآية تشير الى الاهتمام بترتيب الأولويات، وهناك دورات تعقد الآن لتنمية مهارة ترتيب الأولويات
فالحمد لله تعالى على نعمة الإسلام
********
وجد في الظلام امرأة  تبحث في الزبالة حتى التقطت دجاجة ميتة
أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات
لم يخرج "عبد الله بن المبارك" للحج، وخرج الحجاج من بلده 
********

*****