Untitled Document

عدد المشاهدات : 2276

الحلقة (137) من" تَدَبُر القُرْآنَ العَظِيمِ" تَدَبُر الآية (223) من سورة البقرة: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (223) من سورة البقرة
********
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)
(نِسَاؤُكُمْ) يعنى زوجاتكم
(حَرْثٌ لَكُمْ)
ما هو الحَرْث ؟ الحِرَاثة هي تقليب الأرض لتهيئتها للزراعة قبل القاء البذور فيها
وقد تطلق كلمة الحرث على الأرض المزروعة، كما في قوله تعالى (أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ) أي في حديقتكم، وفي سورة البقرة (وَيُهْلِكَ الحرث والنسل)
اذن شبه الله تعالى النساء بالأرض القابلة للزراعة، لأن الأرض الزراعية تنتج الرزع، وكذلك المرأة يكون منها الولد... 
فشبه الله تعالى المرأة بالأرض.. والرجل كالزارع.. والنطفة كالبذرة.. والولد كالنبات
الحِرَاثة هي تقليب الأرض لتهيئتها للزراعة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذا التشبيه جميل، وهو تشبيه مفهوم، ولكن ما سبب تشبيه الزوجة بهذا التشبيه ؟
السبب أن هذا التشبيه اشارة من الله تعالى الى أن جماع الزوجة لابد أن يقول في القبل، ولا يجوز أن يكون في الدبر، لأن قبل المرأة هو مكان الحرث، لأنه المكان الذي يأتي منه الولد، بينما الجماع في الدبر لا يمكن أن يأتي منه الولد
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) الاتيان المقصود به الجماع
و(أَنَّى) ظرف مكان، والمعنى أن تأتي زوجتك من أي جهة شِئْتُمْ، وكيف شِئْتُمْ سواء كانت الزوجة مستلقية على ظهرها، أو مستلقية على وجهها، أو على جنبها، أو كانت هي الأعلى من الرجل، أو غير ذلك من الهيئات، المهم أن يكون في مكان الحرث، أي في المكان الذي ينجب الولد وهو القبل، وليس في الدبر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك اجماع على حرمة جماع الزوجة في دبرها
روي أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة حديث "ملعون من أتى امرأة في دبرها"
وقد اثبت الطب الحديث ان اتيان المرأة في دبرها يسبب ارتخاء في عضلات الدبر، وتوسيعاً له، لأن هذا المكان ليس فيه افرازات طبيعية، وهذا يؤدي بعد ذلك  إلى عدم التحكم ف يالبراز، بالأضافة الى الاصابة بالبواسير 
ويمكن أن يسبب العقم للمرأة، لأن الساءل المنوي اذا وصل الى الدم، فان الدم ينتج اجسامًا مضادة لمهاجمة هذا الدخيل، وينتج عن ذلك وجود أجسام مضادة للحيوانات المنوية بصفة دائمه في دماء الأنثى، وعند حدوث جماع طبيعي في المهبل تهاجم هذه الأجسام المضادة الحيوانات المنوية المقذوفة داخل المهبل, وينتج عن ذالك العقم التام مدى الحياة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية نزلت لأن المهاجرين من أهل مكة كانوا يأتون نسائهم بأي وضع، أما أهل المدينة فكانوا لا يأتون نسائهم الا وهن مستلقيات على ظهورهن، وكان ذلك تأثرًا باليهود في المدينة، لأن اليهود كانوا يرون أنه لا يجوز أن يأتي الرجل زوجته الا عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وهي مستلقية على ظهرها، وكانوا يقولون لأهل المدينة نحن نجد عندنا في التوراة أن مَنْ أَتَى امْرَأَةً وَهِيَ مُدْبِرَةً، أي من ظهرها جاء وَلَدُهُ أَحْوَلَ، وكان اذا قال أحدهم أنه يأتي امرأته على غير الهيئة وهي مستلقية على ظهرها، يقولون له: انما أنت مثل البهائم
فلما هاجر المسلمون من مكة الى المدينة، تزوج رجال من مكة نساء من المدينة، فلما ارادوا أن يفعلوا بهم كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالنِّسَاءِ بِمَكَّةَ، أَنْكَرْنَ ذَلِكَ وَقُلْنَ‏:‏ هَذَا شَيْءٌ لَمْ نَكُنْ نُؤْتَى عَلَيْهِ‏!‏ وقَالَتِ امْرَأَةٌ من الأنصار لِزَوْجِهَا‏:‏ حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ‏!‏ فذهبت الى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  ولكنها اسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ، فسألت السيدة "أم سلمة" زوج النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت هذه الآية الكريمة، وقَال َرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ .
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسَالُهُ عَنْهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏‏إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ بِمَكَّةَ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدَبِّرَاتٍ‏.‏ فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجُوا فِي الْأَنْصَارِ، فَذَهَبُوا لِيَفْعَلُوا بِهِنَّ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالنِّسَاءِ بِمَكَّةَ، فَأَنْكَرْنَ ذَلِكَ وَقُلْنَ‏:‏ هَذَا شَيْءٌ لَمْ نَكُنْ نُؤْتَى عَلَيْهِ‏!‏ فَانْتَشَرَ الْحَدِيثُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏)‏ ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ ائْتِ الْحَرْثَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ‏.‏
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قوله تعالى (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) يعنى افعلوا لأنفسكم شيئًا ينفعكم في الأيام القادمة (اعمل لنفسك حاجة تنفعك قدام)
وهذه لها أكثر من معنى:
- هي أمر من الله تعالى بتقديم الطاعات والأعمال الصالحة ليوم القيامة، ومناسبة ذكر ذلك بعد اتيان النساء، حتى لا تنشغل بالنساء عن طاعة الله عز وجل
- وقيل (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) يعنى حسن اختيار الزوجة ذات الدين
- وقيل أن المقصود به ذكر الله عِنْدَ الْجِمَاعِ، عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً ".
- وقيل أن المقصود به تقديم المداعبة بين الزوجين قبل الجماع، ولذلك قال تعالى "حَرْثٌ لَكُمْ" يعنى كما تهيء الأرض للزراعة بالحرث، فكذلك تهيء زوجتك للجماع بالمداعبة، والزوجة تهيء زوجها كذلك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَاتَّقُوا اللَّهَ)
يعنى اتقوا الله فيما حد لكم من الجماع وأمر الحيض
(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ) 
تحذير من الله تعالى، وحث على تقوي الله تعالى، وحيثية تقوي الله، يعنى أنتم تتقوا الله لأنكم ستلاقوه يوم القيامة ويحاسبكم على أعمالكم
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
 يعنى بَشِّرْ من آمن وعمل صالحًا بِالْجَنَّةَ فِي الآخِرَةِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الشيخ "ابن العثيمين" في تفسيره
من فوائد الآية:
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يحاول كثرة النسل؛ لقوله تعالى (حرث لكم) وإذا كانت حرثاً فهل الإنسان عندما يحرث أرضاً يقلل من الزرع، أو يكثر من الزرع؟
فالجواب: الإنسان عندما يحرث أرضاً يكثر من الزرع؛ ويؤيد هذا قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تزوجوا الودود الولود"؛ وأما القول بتحديد النسل فهذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين يريدون من المسلمين ألا يكثروا؛ لأنهم إذا كثروا أرعبوهم، واستغنوا بأنفسهم عنهم: حرثوا الأرض، وشغَّلوا التجارة، وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد، وغير ذلك من المصالح؛ فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذلة، وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء؛ ثم هل الأمر بيد الإنسان في بقاء النسل الذي حدده؟! فقد يموت هؤلاء المحدَّدون؛ فلا يبقى للإنسان نسل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رسالة الى الشباب والفتيات
قوله تعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) اشارة الى ان المقصد الأول من الزواج هو النسل، ولذلك نقول مرة أخري كما قلنا في حلقة سابقة، عندما تختار الزوجة فأنت تختار أم لأولادك، فلا تجعل معايير الاختيار معايير هابطة نازلة، كمن يختار واحدة لشكلها ولجسمها، ولكن اجعل معايير اختيارك هي معايير اختيار أم لأولادك، ولذلك قال الرسول "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ"