Untitled Document

عدد المشاهدات : 2067

الحلقة (142) من" تَدَبُر القُرْآنَ العَظِيمِ" تدبر الآيتين (229) و(230) من سورة البقرة: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلّ

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثانية والأربعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيتين (229) و(230) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية نزلت لأن العرب في الجاهلية، لم يكن لطلاقهم نهاية، فكان الرجل يمكن أن يطلق زوجته ويعيدها الى عصمته قبل أن تنقضي عدتها كما يشاء، حتى لو كرر ذلك مائة مرة، وكان البعض يستغل ذلك في اضرار زوجته واذلالها
وحدث أن رجل من الأنصار غضب على امرأته، فقال لها: لا أقربك، ولا تحلين منى ! فقالت له: كيف ؟ قال أطلقك، حتى اذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك، فاذا دنا أجلك راجعتك، فشكت ذلك الى النبي –صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه الآية (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان... الآية)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ)
يعنى عدد الطلقات التي يكون للرجل فيها الرجعة على زوجته هما طلقتان 
(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
يعنى من يطلق التطليقة الثانية ويراجع زوجته، فعليه أن يمسكها بمعروف، يعنى أن يحسن صحبتها، ويؤدي لها حقوقها كاملة كزوجة
أو يسرحها بِإِحْسَانٍ، يعنى: أو ان طلقها التطليقة الثالثة، يسرحها بإحسان فيؤدي اليها جميع حقوقها من مؤخر الصداق، ونفقة المتعة، ونفقة العدة، ثم سبعة حقوق أخري للمطلقة الحاضنة، وألا يذكرها بسوء بعد الانفصال
كأن الله تعالى يقول للزوج: انتبه أيها الزوج، أنت اذا طلقت التطليقة الثانية، وأعدت زوجتك الى عصمتك، ثم عدت وطلقتها تطليقة ثالثة، فليس لك عليها حق الرجعة، ولن تحل لك حتى تنكح زوجُا غيرك
فاذا أعدتها لعصمتك، فأمسكها بمعروف وأدي اليها حقوقها كزوجة، واذا حدث وطلقتها فأدي اليها حقوقها كمطلقة
وذلك مثل قوله تعالى في سورة الطلاق )فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ(
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا)
يعنى لا يحل لكم أيها الرجال اذا طلقتم النساء أن تأخذوا شيئًا مما أعطيتموهم  من الصداق وهو الْمَهْرُ، أو أي شيء أعطاه الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ
بل على العكس، يجب أَنْ يعطيها شيئًا مِنْ مَالِهِ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ، قال تعالى (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ)
وهَذَا الْحُكْمِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ فِرَاقَ زوجته
أما إِذَا كَانَتْ هِيَ الرَّاغِبَةَ في الطلاق، يقول تعالى:
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ)
هذه الآية هي التي شرعت الخلع في الاسلام، والخلع هو أن يفارق الرجل زوجته ويأخذ عوضًا عن ذلك، سواء كان هذا العوض هو المهر الذي دفعه لها أو أكثر أو أقل.
ولذلك سمي خلعًا، لأن المرأة تخلع نفسها من زوجها
وكان أول خلع في الإسلام ما اخرجه البخاري من أَنَّ "جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ ابْنِ سَلُولَ" امْرَأَةَ "ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ" أتت النبي      -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يَا رَسُـــولَ اللهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، وَأَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فقال لها النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتردين عليه حديقته ؟ -وكان قد أصدقها حديقة- قالت: نعم . فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"اقبل الحديقة، وفارقها" 
نعود ونقرأ الآيات من أولها:
يقول تعالي (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا)
كما قلنا: لا يجوز للرجل أن يأخذ شيئًا مما أعطي زوجته من المهر وغيره مما ملكه لزوجته، وهَذَا الْحُكْمِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ فِرَاقَ زوجته
(إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ)
الا أن تخاف الزوجة ويخاف الزوج ألا تؤدي الزوجة ما يجب عليها من حقوق تجاه زوجها
فطالما هي تكره الزوج، كما قالت امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْـسِ: "لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا" فلن تستطيع أن تؤدي حقوقه من الطاعة وحسن العشرة والعلاقة الزوجية
ولذلك هي قالت بعد ذلك: "وَأَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ" أي كفر العشير، وهو ترك طاعة الزوج، وسوء عشرته، فهي تكره أن ترتكب ذلك الاثم وهي مسلمة
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ)
يعنى لا حرج على المرأة ولا حرج على الرجل اذا أعطت مقابل على فراق زوجها، طالما أن النشوز منها وليس منه هو 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) 
يعنى هذه الشرائع التي شرعها لكم الله تعالى هي حدوده ، فلا تتجاوزوها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا يقول تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها) بينما قال في ختام آية الصوم (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها) 
لأن في آية الصوم التحذير من محظورات تريدها النفس، وهي شهوتي البطن والفرج، ولذلك التحذير من مجرد الاقتراب منها، حتى لا تضعف الإرادة أمام جاذبيتها
أما في هذه الآية، فالكلام في شأن الأسرة وما يسودها من خلافات وصدامات، ولذلك فالخشية ليس في الاقتراب منها، لأن الاقتراب منها لا يمكن تفاديه، ولذلك جاء التحذير من التعدي لا من المقاربة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أخيرًا قوله تعالى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) يفيد أن الطلاق المكرر بلفظ واحد ليس بطلاق، يعنى اذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق بالثلاثة، أو قال لها: أنت طالق طالق طالق، أي قالها ثلاثة مرات، كل ذلك لا يوقع ثلاث طلقات، وانما يحسب بطلقة واحدة، لأن تعالى قال (مَرَّتَانِ) ولم يقل "طلقتان" 
لأن الله تعالى وَزَّع الطلاق على ثلاث مرات حتى يعطي فرصة للتراجع، وحتى يحافظ على الأسرة 
ولقد سمي الله تعالى عقد النكاح بالميثاق الغليظ، قال تعالى (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) حتى الايمان لم يقل عنه الله تعالى "ميثاق غليظ" وانما قال "ميثاق" فقط، ولا يريد الله تعالى أن تحل هذه العقدة دفعة واحدة، وانما يريدها أن تحل على أربع مرات، فقال تعالى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) أي مرة ومرة، وفي كل مرة تبين منك امرأتك بينونة صغري، يعنى يمكن أن تعيدها الى عصمتك بدون ولى ولا شهود ولا مهر ولا شيء، ثم يقول لك انتبه الطلقة الثالثة ستبين بينونة كبري، فاذا طلقت فلن تكون من حقك بل ستكون من حق رجل آخر (حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) فان عادت الى عصمته وطلقها الرابعة فقد انحل عقد هذا الميثاق الغليظ، لأنك لم تحترم هذا الميثاق
ولذلك فالآية نصها واضح وصريح في أن الطلاق بالثلاث في لفظ واحد لا يوقع ثلاث طلقات، وإنما هي طلقة واحدة، وكان هذا هو العمل في وقت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وخلافة أبو بكر، وأول سنتين من خلافة عمر، ثم وجد عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أن الناس استسهلوا المسألة، فرأى أن يشدد عليهم ليكفوا، فكان يقضى بأن الطلاق بالثلاث في لفظ واحد يوقع ثلاث طلقات، وعليه سار جمهور الصحابة والتابعين، وجمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة
ولكن نحن نقول ما ذهب اليه جماعة من أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، بأن الطلاق بالثلاث في لفظ واحد لا يوقع ثلاث طلقات، وإنما هي طلقة واحدة، لأننا نحاول أن نقلل حالات الطلاق، لأن الطلاق –كما قلنا مرارًا- له آثاره المدمرة على الرجل والمرأة والأولاد وعلى المجتمع كله، ومعدلات الطلاق وصلت الى معدلات مخيفة
في الكويت معدل الطلاق 48% وفي مصر 40% وفي الأردن وقطر 37%
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
المعنى فان طلق الرجل زوجته طلقة ثالثة، فإنها في هذه الحالة محرمة عليه، ولا تحل له حتى تتزوج رجلًا غيره 
فان طَلَّقَهَا الزوج الثاني أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فيمكن أن تعود الى زوجها الأول بعقد جديد بعد انقضاء العدة 
(إِنْ ظَنَّا) يعنى ان غلب على ظنهما 
(أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) أن كل واحد منهما سيؤدي واجبه نحو الآخر. 
كل هذه التشريعات الهدف منه الردع عن التساهل في الطلاق
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن من المهم أن نقول أن هذا الزواج الثاني لابد أن يكون  زواجًا شرعيًا صحيحًا، ولابد أن يدخل بها الزوج الثاني
ومن شروط الزواج الصحيح هو أن تكون نية الزوجين استمرار الزواج حتى الموت، اما أن تكون النية هل احلال الزوجة لزوجها الأول، فهذا ليس زواجًا صحيحًا
لأن الزواج لمدة محددة، حتى لو كانت هذه المدة المحددة عشرين سنة، هو ما يطلق عليه زواج المتعة وهو ليس زواجًا صحيحًا بل هو زنا
فاذا تزوجت المرأة المطلقة ثَلَاثًا بقصد أن تحل للزوج الأول، فان هذا الزواج غَيْرَ صَحِيحٍ، ويكون هذا الزواج الثاني زنا، واذا عادت للزوج الأول يكون كذلك زنا
وهو بعد من كبائر الذنوب، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ" واللَّعْنَ يَكُونُ عَلَى كَبَائِرِ الذنوب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇