Untitled Document

عدد المشاهدات : 1119

الحلقة (201) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات (72) و(73) و(74) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالَى- وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلّ

تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الواحدة بعد المائتين
تدبر الآيات (72) و(73) و(74) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)
❇        

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)
تذكر الآية طريقة من طرق يهود المدينة الخبيثة الماكرة لمحاولتهم التشكيك في الاسلام، وصرف المسلمون عن التمسك بدينهم، والرجوع من الاسلام الى الكفر.
هذه الطريقة هي أن يتظاهروا بالدخول في الاسلام، ثم يرجعوا بعد ذلك الى اليهودية، وبذلك يعتقد الناس أنهم قوم يبحثون عن الحقيقة، وأنهم نظروا الى الاسلام واليهودية نظرة محايدة، ثم وجدوا بعد دخولهم في الاسلام أنه دين باطل، وأن محمد –صلى الله عليه وسلم- ليس برسول.
وقد قيل في سبب نزول هذه الآية أن اثنى عشر حبرًا من أحبار اليهود اتفقوا على هذا الأمر، فنزلت هذه الآية الكريمة، وبذلك أفشل الله -تَعَالى- خطتهم، وهذا من رحمة الله -تَعَالى- بعباده المؤمنين، حتى لا يقع في هذه الحيلة بعض ضعاف الايمان، خصوصًا أن العرب كانوا ينظرون الى اليهود على أنهم أهل العلم وأنهم أعرف منهم بمسائل الدين والعقيدة.
يقول تعالى (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أي جماعة من يهود المدينة، وهم رؤسائهم وأحبارهم (آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا) يعنى آمنوا بالقرآن العظيم الذي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا (وَجْهَ النَّهَارِ) وهو أول النهار، وصلوا معهم صلاة الصبح، وسمي بذلك لأنه أول ما يواجه الانسان (وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ) وَٱكۡفُرُوٓاْ آخر النهار (لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ) لعل ايمانهم يهتز بسبب ذلك، ويَرۡجِعُونَ من الايمان الى الكفر.
اذن كان هناك منافقون أيضًا من أهل الكتاب وليس من مشركي العرب فقط، ولكنهم نافقوا لمدة يوم واحد، ولمهمة محددة.

وهذه الاية فضح بها المنافقون أنفسهم، لأنهم اعترفوا –دون قصد منهم- أن الذين آمنوا بمحمد –صلى الله عليه وسلم- هم المؤمنون، وأن غيرهم كافرون، واعترفوا ان القُرْآن العَظِيم ليس من كلام محمد وانما هو وحي من السماء أنزل عليه لأنهم قالوا (آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا)
وهذه الآية وحدها كان يجب أن تكون سببًا في ايمانهم، لأن هذه الحيلة من يهود المدينة كانت سرًا فيما بينهم، فكان معرفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذا السر، دليلًا على أن نزول الوحي على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 

❇        

وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)
(وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) هذه تتمة كلام رؤساء اليهود وأحبارهم الى أتباعهم، فقالوا لهم: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، يعنى لَا تُؤْمِنُوا الا برسول يأتي متبعًا لدينكم، أي متبعًا لليهودية، وعلى شريعة التوراة، وعلى شريعة موسي
أما هذا النبي العربي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي جاء بدين جديد، وبشريعة جديدة، وبكتاب جديد فلا تؤمنوا به. 

❇        

(قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ)
هذه الجملة جملة معترضة، توضع بين قوسين
 قُلْ لهم يا محمد أن الْهُدَى هُدَى اللَّهِ، أي أن الهدي هو عطاء الاهي.
فالرسول أي رسول هو مجرد ناقل لهذا العطاء اللإلاهي، فسواء كان هذا الرسول عربيًا أو من بَنِي إِسْرَائِيلَ أو من اي أمة أخري، فهذا أمر ينبغي ألا نلتفت اليه، وانما ينبغي أن يكون همنا هو يكون لنا نصيب في العطاء اللإلاهي.

❇        

(أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) هذا من تتمة كلام رؤساء اليهود الى أتباعهم، بعد الجملة المعترضة السابقة، يعنى (ولَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ حتى لا يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) 
والمعنى: حتى لا يؤتي أَحَدٌ من الناس ومن الأمم مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ من النبوة والكتاب والعلم والشرف، أي أنهم حسدوا العرب لأن نبي آخر الزمان جاء من العرب وليس من بَنِي إِسْرَائِيلَ 

❇        

(أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) يعنى حتى لا يكون عندهم حجة قوية في مواجهتكم أمام الله -تَعَالى- يوم القيامة، فيقولون أننا قد أنزل علينا كتاب، وأرسل الينا رسول، ونحن مؤمنون، ونستحق أن ندخل الجنة.
❇        

وهذا يدل على جهل شديد بصفات الله -تَعَالى- وأنه -تَعَالى- يعلم السر واخفي، فهم يقولون هذا كأن الله -تَعَالى- يحتاج حتى يصدر حكمه بين الناس، وحتى يقرر من يدخل الجنة ومن يدخل النار، الى أن يسمع حجة كل طرف، وقد يظهر أحد اشياء ويخفي أشياء على الله -تَعَالى- وأن الله -تَعَالى- عنده قناعات، وان هذه القناعات يمكن أن تتغير بعد المناقشة، وبعد أن يلقي كل طرف بحجته.
ومثل هذا الكلام الساذج والوقح في حق الله -تَعَالى- موجود في التوراة المحرفة في أكثر من موضع
في سفر التكوين (وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟) كأن الله لا يعلم مكان آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-
(فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان فاختبأت، فقال: هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟) كأن الله لم يعلم أن آدم -عَلَيْهِ السَّلَام- أكل من الشجرة الا عندما أخبره آدم -عَلَيْهِ السَّلَام- بذلك (فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني فأكلت)
وفي سفر الخروج أن الله أمر بنى اسرائيل أن يعلموا بيوتهم بأن يلطخوها بالدماء، قبل خروجهم، لأن الله سياتي ويريد أن يبطش ببيوت المصريين، كأن الله -تَعَالى- يحتاج من الاسرائليين أن يعلموا بيوتهم حتى يستطيع أن يفرق بينها وبين بيوت المصريين.

❇        

اذن فمعنى كلام رؤساء اليهود الى أتباعهم: لَا تُؤْمِنُوا الا برسول يتبع دينكم، يتبع اليهودية، وعلى شريعة التوراة، وعلى شريعة موسي، حتى لا يؤتي أَحَدٌ من الناس أو من الأمم مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ من النبوة والكتاب والعلم والشرف، أو يكون عندهم حجة في مواجهتكم أمام الله -تَعَالى- يوم القيامة، فيقولون أنه قد أنزل علينا كتاب، وأرسل الينا رسول، وأننا مؤمنون وأننا نستحق أن ندخل الجنة.
❇        

(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 
قُلْ لهم يا محمد ردًا على كلامهم هذا الساذج، أن (الْفَضْلَ) وهو النبوة والكتاب والهدي (بِيَدِ اللَّهِ) هو أمر بِيَدِ اللَّهِ، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) يعطيه الله -تَعَالى- مَنْ يَشَاءُ من عباده، ولا شأن لكم به لا من قريب ولا من بعيد.
(وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) والله -تَعَالى- وَاسِعٌ فضله، وواسع عطائه، ويمكن أن يعطي الله -تَعَالى- فضله لأنبياء من بَنِي إِسْرَائِيلَ وأنبياء من العرب، وأنبياء من غيرهم من الأمم، دون أن ينقص هذا من فضله ومن ملكه شيئا
والله -تَعَالى- (عَلِيمٌ) بمن يستحق هذا الفضل
والله -تَعَالى- (عَلِيمٌ) يعلم السر وأخفي، وأنتم –يا بَنِي إِسْرَائِيلَ- لا تفرقون بين علم العبد وعلم الله -تَعَالى- علم العبد محدود جدًا، أما الله -تَعَالى- فانه يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، و يعلم مالم يكن لو كان كيف يكون

 

(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) أي بالنبوة والكتاب واهداية.
(وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي الْفَضْلِ الكثير الوافر.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇