Untitled Document

عدد المشاهدات : 1359

الحلقة (228) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (145) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَاب

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائتين
تدبر الآية (145) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

 وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) 
❇        

قلنا أن هذه الآيات الكريمة تتناول أحداث غزوة أحد، والدروس المستفادة منها، فيقول تعالى: 
( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا)
يخاطب الله الذين انهزموا في يوم أحد وفروا من القتال، فيذكرهم–تعالى-بأنه لا يموت أحد حتى يأذن الله في موته، وحتى يبلغ الأجل الذي كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الأرض وما عليها.
فلماذا يفر أحد من القتال، اذا كان لن يموت الا في الأجل الذي كتبه الله تعالى ؟
ولذلك قال"خالد بن الوليد" وهو على فراش الموت: لقد شهدت مئة زحف، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء.
يعنى لماذا يجبن أي الانسان عن القتال، اذا كنت أنا أمامكم مثال حي، بعد مائة معركة أموت على فراشي.
وكان "على بن ابي طالب" في أحداث الفتنة الكبرى معرض للقتل في أي لحظة، فقيل له: ألا نحرسك يا أمير المؤمنين، فقال –رضى الله عنه- حارس كل انسان أجله، وان الأجل جنة حصينة" 

❇        

قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ)
كأن المعنى اذاأرادت النفس أَنْ تَمُوتَ، فإنها لن تموت الا اذا أذن الله لها أن تموت، فكيف اذا أراد أحد أن يقتلها، فهذا أبعد، لأن سلطان الانسان على نفسه أقوي.
وهذا يحدث بالفعل فنحن نسمع أن فلانًا حاول الانتحار من قبل، أو حاول الانتحار عدة مرات.
يعنى مثلًا شخص ابتلع أقراص لينتحر فقاموا بغسيل معدة وأنقذوا حياته، أو شخص اشعال النيران في نفسه، فأطفئوا النيران، أو حتى حاول يضرب نفسه بالرصاص فلم تخرج الطلقة وهكذا.
أما من يقتل انسانًا، هو فقط يوافق الأجل الذي كتبه الله.
ولذلك في التعبيرالشعبي "لو صبر القاتل على المقتول لمات بمفرده" 
وقوله تعالى (إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)يعنى الله تعالى هو الذي يعطي الاذن للملائكة فتقبض روح العبد.

❇        

(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا)  
هذا تعريض بمن خالفوا أوامر الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتركوا أماكنهم التي أمرهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدم تركها، وسارعوا الى جمع الغنائم.
(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا) 
وهم الرماة الذين لزموا مراكزهم، وكان عددهم تسعة من بين أربعين من الرماة، منهم أميرهم "عبد الله بن جبير" وقد ماتوا جميعًا شهداء.
ولكن كما نقول دائمًا "العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب" فمعنى قوله تعالى (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَاوَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا) أن الله تعالى خلق الأسباب في الكون تنفعل لمن يأخذ بها، سواء كان مؤمنًا أو كافرًا، فالذي يحسن زراعة الأرض تأتي ثماره جيدة حتى لو كان كافرًا، والذي يهمل في زراعته تأتي ثماره رديئة حتى لو كان مؤمنًا
وهذا المعنى أثبته الله تعالى في أكثر من موضع في القرآن العظيم يقول تعالى في سورة الشوري 
(مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ) 
وفي سورة الإسراء (َّمن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً) 
وهذا هو الرد على من يقول أن الكفار حالتهم أفضل من حالنا، وهم متقدمون ونحن متخلفون.
فالرد لأنهم أخذوا بالأسباب ونحن لم نأخذ بالأسباب، والله تعالى أمر الأسباب أن تنفعل للمؤمن والكافر على السواء، لا فرق في ذلك بين المؤمن والكافر، أو بين قوي الإيمان وضعيف الإيمان.
يقول الامام "محمد عبده" رحمه الله:
ذهبت إلى بلاد الغرب فوجدت ألف أسطول مع أن دينهم يقول
إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأدرله الأيسر،
وجئت إلى بلاد الإسلام فوجدت ألف مسطول
مع أن دينهم يقول (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
(وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وعد من عطاء الله لمن شكره على نعمه وثبت على طاعته .

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇