Untitled Document

عدد المشاهدات : 776

الحلقة (230) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (149) و(150) و(151) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثلاثون بعد المائتين
تدبر الآيات (149) و(150) و(151) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
❇        

قلنا أن هذه الآيات من سورة "آلَ عِمْرَانَ" تتناول غزوة أحد والدروس المستفادة من غزوة أحد، يقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)
بعد ان انقض خيل المشركين على المسلمين في يوم أحد، وانكشف المسلمون وانهزموا، وانتشر بين الجيش أن الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قتل، وتجمع بعض المسلمين على صخرة على جبل أحدـ قال بعض المنافقين "ارجعوا الى دينكم واخوانكم" 
وقال اليهود بعد أن عاد الجيش الى المدينة: لو كان نبيًا لما غلب، وإنما هو رجل كسائر الناس، يومًا له ويوما عليه.
فنزلت هذه الآية، يقول تعالى 
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى إِنْ تُطِيعُوا هؤلاء المنافقين واليهود، وتسمعوا كلامهم، وتصدقوهم في كلامهم وافتراءاتهم.
وهنا يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) ثم يقول بعدها (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى انتبهوا أنتم مؤمنون وهم كافرون، فكيف يتأتى أن تطيعوهم وأنتم مختلفون هذا الاختلاف.
(يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) أي يَرُدُّوكُمْ من الإيمان الى الكفر.
(فَتَنْقَلِبُوا)هذا اللفظ يوحي بانقلاب حالهم، وجعل أعلاهم أسفلهم.
و(خَاسِرِينَ) أي تخسرون الدنيا والآخرة.

❇        

والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، فالمقصود ان أخذتم برأي الكافرين، -ليس في أمور الدنيا، فيمكن الأخذ براي الكافر في أمور الدنيا، كما كان "عبد الله بن أرَيْقط" هو دليل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الهجرة-ولكن النهي عن الأخذ براي الكافرين في أمور الدين، وفيما يلقونه من شبهات حول الإسلام، فانهم (يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) أي يَرُدُّوكُمْ من الإيمان الى الكفر (فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) أي فتخسرون الدنيا والآخرة.
ولذلك قالوا بقدر موالاة المؤمن للكافر تكون ذلة المؤمن.

❇        

(بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)
(بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ) أي بَلِ أطيعوا اللَّهُ مَوْلَاكُمْ
يعنى لا تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُواولكن أطيعوا اللَّهُ مَوْلَاكُمْ.
(مَوْلَاكُمْ) ومَوْلَاكُمْ تحمل معنيين: 
المعنى الأول: يعنى يتولى أمركم
والمعنى الثاني أي القريب منكم، لأن الولي هو القريب، كما نقول فلان يلى فلان، أي بعده مباشرة، وأولياء الشخص هم أقاربه.
وأنت تريد لمن ينصرك أن يكون قريبًا منك، حتى يكون معك عندما تحتاج اليه.
ثم يقول تعالى (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) وهو تعالى خير من ينصركم، وليس هؤلاء الكافرين
ثم يبين الله تعالى مثالًا بسيطًا على نصرته لعباده المؤمنين، ودليلًا على أنه (خَيْرُ النَّاصِرِينَ) فيقول تعالى في الآية التالية(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) واذا ألقي الله الرُّعْبَ في قلوب الأعداء فلن تنفعهم لا عدد ولا عدة، بل على العكس ستكون غنيمة للمسلمين. 

❇        

(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي الخوف الشديد.
وقرأت (الرُّعُبَ) بضم العين (رُعُبَ) وهذه لهجة، يعنى بعض القبائل تنطقها (رُّعْبَ) والبعض ينطقها (رُعُبَ) مثل عنْق وعُنُق.
ومناسبة النزول: بعد انتصار المشركون على المسلمين في أحد، القي الله تعالى الرعب في قلوب المشركين، فتركوا أرض المعركة سريعًا وعادوا الى مكة.
وهذا على عكس ما كان سائدًا عند العرب في ذلك الوقت، فقد كان العرف هو أن الجيش المنتصر يظل يحتفل في أرض المعركة ثلاثة أيام، فيثبت بذلك أنه هو المنتصر، ولكن الله تعالى ألقي في قلوبهم الرعب، فانصرفوا سريعًا من أرض المعركة، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو وصحابته الذين ظلوا في أرض المعركة، ودفنوا شهدائهم، وصلوا عليهم.
وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نقول أن انتصار المشركين على المسلمين في أحد لم يكن انتصارًا كاملًا، وانما انتصار يطلق عليه في المصطلحات العسكرية "انتصارًا نسبيًا" 
أنهم لم يظلوا في أرض المعركة بعد انتهاء القتال، ولم يكن هناك أسري من المسلمين، وهناك أعداد كبيرة نسبيًا من القتلى في صفوف المشركين.
وبعد انسحاب المشركين من ارض المعركة، خرج الرسول –صلى الله عليه وسلم- مع جيشه المثخن بالجراح، في اليوم التالي للمعركة لمطاردة المشركين حتى وصل الى موضع اسمه "حمراء الأسد" يبعد عن المدينة 20 كم، وظل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في "حمراء الأسد" ثلاثة أيام، وعلمت قريش، بل علمت الجزيرة كلها بوجود الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في "حمراء الأسد" ومع ذلك لم تجرؤ قريش على الاقتراب من المسلمين
يقول تعالى (بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ) أيأن الله تعالى القي في قلوبهم الرعببسبب إشراكهم بالله  تعالى.
(مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) وقرأت (مَا لَمْ يُنَزِلْ) والسلطان في اللغة هو الحُجَّةُ، والمعنى أنهم أَشْرَكُوا بِاللَّهِ فعبدوا الأصنام مِنْ غيْرِ حُجَّةً ولا بُرْهان .
(وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ) أي نهاية أمرهم سيكون النار.
(وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) والمَثْوَى هو المكان الذي يستقر فيه الانسان.

❇        

والنصر بالرعب من رحمة الله تعالى، لأنه قد يكون مانعًا للأعداء من الدخول في القتال أصلًا، وبذلك نتجنب كل آثار الحروب
والنصر بالرعب خصوصية للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" وذكر منها: "نُصرت بالرعب مسيرة شهر" أي أن الله تعالى يلقي في قلوب أعدائه الرعب، وهم بعيدون عنه مسافة شهر، كبعد الشام أو العراق عن المدينة.
وهذا حدث في غزوة "حمراء الأسد" كما قدمنا.
وحدث في غزوة "بنى النضير" حين حاصر الرســــــول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهود "بنى النضير" في حصونهم فاستسلموا بدون قتال وخرجوا من المدينة.
وحدث في غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة، عندما أرادت الإمبراطورية الرومانية القضاء على القوة الإسلامية الصاعدة، وحشدوا جيشًا كبيرًا قوامه اربعون ألف مقاتل، فخرج اليهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ثلاثين الف مقاتل، ولكن قبل وصول المسلمين الى أرض المعركة فر الروم الى الشمال، وترتب على ذلك أن خضعت هذه المناطق في شمال الجزيرة للدولة الاسلامية  
يقول العلماء أن النصر بالرعب على الأعداء ليست خاصة بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط، ولكنها خصوصيةللرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمته كذلك.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇