Untitled Document

عدد المشاهدات : 2270

الحلقة (244) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآية (186) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة  والأربعون بعد المائتين
تدبر الآية (186) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)

❇        
(لَتُبْلَوُنَّ) أي لَتُخْتَبَرُنَّ 
والكلمة مؤكدة بثلاثة مؤكدات:
اللام الواقعة في جواب قسم محذوف، والقسم المحذوف، وتقدير الكلام: والله لَتُبْلَوُنَّ، ونون التوكيد الثقيلة.
اذن فالله تعالى يريد أن يخبرنا ويؤكد لنا أننا سنُبْتَلى ونُخْتَبر، بأنواع متعددة من الابتلاءات.
وهذا الاخبار من الله -تَعَالي- بأننا سنُبْتَلى ونُخْتَبر بأنواع متعددة من الابتلاءات جاء في مواضع كثيرة من القرآن العظيم:
مر بنا قول الله -تَعَالي- في سورة البقرة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(
وفي سورة محمد (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ(
وهذا الإخبار من الله تعالى بأننا سنُبْتَلى ونُخْتَبر، من لطف الله تعالى بنا، حتى يوطن نفوس المؤمنين على استقبال الابتلاءات والاختبارات. 

❇        

اذا أراد المدرس في الفصل أن يعقد اختبارًا مفاجئًا، فانه من العدل أن يخبر التلاميذ بأنه سيعقد اختبارًا مفاجئًا في أي يوم من أيام العام الدراسي، حتى يكونوا مستعدين لهاذ الأختبار في أي يوم من الأيام.
عندما تركب طائرة، تجد قائد الطائرة يخبرك في الميكروفون الداخلي أن الطائرة ستمر بمنطقة مطبات هوائية.
وذلك حتى يوطن الركاب أنفسهم على استقبال هذا الأمر، ولو لم يخبر القائد الركاب بذلك ثم اهتزت الطائرة لاضطرب الركاب اضرابًا شديدًا.

❇        

ويخبر تعالى عن صور هذا الابتلاء، فيقول تعالى:
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ) والأموال هي كل ما يملكه الانسان
والابتلاء في الأموال له عدة صور:
اما بفقد المال سواء في تجارة أو سرقة، أوحادثة سيارة أو حريق منزل ، أو هدم منزل، أو غير ذلك.
وقد يكون الابتلاء ببذل ما عليك من زكاة المال، أو بذل ما عليك من النفقة الواجبة كالنفقة على الزوجة والأولاد والوالدين.
وقد يكون الابتلاء بالفقر، لينظر الله تعالى هل ستصبر أن تسخط.
وقد يكون الابتلاء بالغنى، فينظر الله تعالى هل ستشكر أم تطغي.

❇        

 (وَأَنْفُسِكُمْ) يعنى سيكون الابتلاء والاختبار في أَنْفُسِكُمْ. 
وهذا يكون له كذلك صور متعددة، فقد يكون بما يصيب الانسان في جسده من عاهات، أو أمراض وأسقام، وهناك أمراض لا تعد ولا تحصى، وكل مرض يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق. 
وقد يكون الابتلاء فيما نفقد من أحباب.
وقد يكون الابتلاء في التكليفات الجسدية مثل الصيام والحج، وقد يكون بالجهاد

❇        

(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعنى وسيكون الابتلاء أيضًا بأن تسمعوا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وهم اليهود والنصاري. 
(وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) وهم المشركون.
(أَذًى كَثِيرًا) 
يقول المفسرون: هذا مثل قول اليهود (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ‏ (‏، وَقَوْلُهُمْ‏:‏ ‏)يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) وقولهم (عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّـهِ) وقول النصاري (المسيح بن الله) وقول المشركين (الملائكة بنات الله)
وهذا الذي أخبرنا به الله -تَعَالي- من الأذي لم يتوقف منذ عهد الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحتى الآن.
فقد اتهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنه مجنون وساحر وكاهن، وقالوا أنه أبتر أي مقطوع النسب، واتهم في زوجته أمنا السيدة عائشة.
ومنذ عهد الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحتى الآن لم تتوقف على الاطلاق الاساءة الى الاسلام والمسلمين.
من أمثلة ذلك في التاريخ الحديث، وفي سنة 1988 صدر كتاب "آيات شيطانية" والذي اساء بشدة الى المقدسات الاسلامية.
بعد أحداث 11 سبتمبر2001 بدأت موجة منظمة للإساءة إلى الاسلام، والى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدرت عشرات الكتب المسيئة للإسلام وللرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل كتاب "نبي الخراب"Prophet Of Doom" وقد وصف الرسول بأنه قاطع طريق
في سنة 2005 نشر رسام دانمراكي رسوم مسيئة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وهناك الآن آلاف المواقع على الانترنت مخصصة فقط لمهاجمة القرآن الكريم، والاساءة الى الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
والمسلم متهم دائمًا بأنه إرهابي، والمسلمون يعانون في كل مكان في العالم من هذا الاتهام لهم بالإرهاب.

❇        

(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) 
هذا أمر من الله تعالى بالصبر وبالتقوي في مواجهة هذا الأذي.
والصبر هو حبس النفس على ما تكره، والتقوي يعنى الانضباط بشرع الله في تلك الشدة وفي ذلك الابتلاء.
(فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعنى لن يستطيع ذلك الا اصحاب العزائم القوية.

❇        

هذه الاية هامة جدًا، لأننا قلنا أن الاساءة للإسلام وللرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم تتوقف منذ عهد الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحتى الآن.
وكان ينبغي أن نقابل هذه الاساءة كما أمرتنا الآية الكريمة بالصبر وتقوي الله، وهذا –للأسف- لا يحدث
فمع كل موجة اساءة للمقدسات الاسلامية تندلع المظاهرات في كثير من الدول الاسلامية تندد بهذه الاساءات، وتخرج الشرطة لمواجهة المظاهرات، وتحدث مواجهات بين المتظاهرين وبين الشرطة، ويسقط  قتلى وجرحي ويُقْبَض على عدد من المتظاهرين.
وكنت كلما حدث هذا أقول في اسي أن الذي أساء الينا جالسًا الآن في بيته أمام التفاز واضعًا ساقًا على ساق يأكل الفيشار، ويتفرج علينا ونحن يقتل بعضنا بعضا
وكان ينبغي أن نعود الى هذه الآية الكريمة، والتى أخبرنا فيها الله تعالى بأننا سنسمع من اليهود والنصاري والمشركين أَذًى كَثِيرًا وأمرنا بأن نصبر على هذا الأذي، وأن نتقي الله يعنى ننضبط بشرع الله في مواجهة هذا الأذي.
ولذلك فهناك آية أخري، وهي الآية (120) من سورة آل عمران كذلك، وهي قول الله تعالى (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) فهذه الاية فيها الحل، للمشكلة التى طرحتها هذه الآية

❇        

قد يقول أحدهم لماذا يارب الابتلاءات في هذه الدنيا ؟
نقول أن منهج الاختبارات هو المنهج الذي نسير نحن عليه تستقيم حركة الحياة، فحتى ينتقل الطالب من سنة دراسية الى سنة دراسية تالية لابد أن يجتاز اختبار، وكلما اجتاز الطالب اختبار كان الاختبار في السنة التالية أصعب، وحتى تترقي فى عملك لابد أن تجتاز الاختبار، حتى عندما ترتقي من مستوي اللى مستوي أعلى في لعبة رياضية لابد من اجتياز الاختبار.
وبدون الاختبارات لما صلحت حركة الحياة في الأرض، لأنه سيستوي المحسن مع المسيء، والمجد مع المقصر.

❇        

اذا كان هناك ذهب عيار 18 وتريد أن يكون عيار 21 أو 24 فانك تعرضه الى النار
عملية ادخال الذهب في النار حتى ينقي يسمي في اللغة فتن، ومنه جائت كلمة فتنة.
وكلما رفعت درجة الحرارة على الذهب، يصير الذهب أكثر نقاءًا، وتذهب الشوائب.
فكلما زاد الابتلاء كلما زادت التصفية
ولذلك أشد الناس بلاءا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
الألماس هو فحم تعرض لضغط شديد وحرارة شديدة
كما تساوي قطعة الفحم وكم تساوي قطعى الماس
اذا كنت تريد أن تكون كقطعة الماس لابد أن تتحمل

❇        

ولكن برغم الآيات الكثيرة التى تتحدث على أن الابتلاء من سنن لله تعالى في خلقه، ومنه هذه الآية الكريمة
ولكن هناك آية أخري تطمئنك أن الله تعالى لن يختبرك باختبار الا اذا كنت قادرًا على اجتياز هذا الاختبار والنجاح فيه.
يقول تعالى في سورة البقرة (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)

❇        

هناك رجل لما مات ابنه ترك الصلاة.
كما يقول المثل السوري: ضليت أصلى حتى حصلى، لما حصلى بطلت اصلى
وهناك سيدة لما مات ابنها، وهي سيدة أعمال شهيرة، قامت بالاشراف على بناء أكبر مستشفي لعلاج الحروق في الشرق الأوسط.
أعلم سيدة أخري مات ابنها وهو شاب، فأسست مؤسسة خيرية باسمه، وبنت مسجد باسمه.
هذا سقط في الاختبار، وهذه نجحت في الاختبار.
نختم بهذا الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال 
أَيُّها الناسُ إنَّ هذه  الدنيا دارُ التِـوَاءٍ لا دَارُ  اسْتِوَاءٍ 
ومَنْزِلُ تَرَحٍ لا مَنْزِلُ فَرَحٍ 
فَمَنْ عَرَفَهَا لمْ يَفْرَحْ لِرَجَاءٍ ولَمْ يَحْزَنْ لِشَقَاءٍ 
ألا وإِنَّ اللهَ تَعَالَى خلق الدنيا دارَ بَلْوَى والآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى 
فَجَعَلَ بَلْوَى الدنيا لِثَوَابِ الآخِرَةِ سَبَبًا 
وثَوَابَ الآخِرَةِ من بَلْوَى الدنيا عِوَضًا 
فَيَأْخُذُ لِيُعْطِيَ ويَبْتَلِي لِيَجْزِيَ 
وإِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ وشِيكَةُ الانْقِلابِ 
فَاحْذَرُوا حَلاوَةَ رَضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا 
واهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِهَا لِكَرِيهِ آجِلِهَا 
ولا تَسْعُوا في عُمْرَانِ دَارٍ وقَدْ قَضَى اللهُ خَرَابَهَا 
ولا تُوَاصِلُوهَا وقَدْ أَرَادَ اللهُ مِنْكُمُ اجْتِنَابَهَا 
فَتَكُونُوا لِسَخَطِهِ مُتَعَرِّضِينَ ولِعُقُوبَتِهِ مُسْتَحِقِّينَ

❇        

قال أحد الملوك لوزيره: قل لي كلمة إن كنت حزينًا أفرح، وإن كنت فرحاً أحزن، قال: كل حال يزول.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇