Untitled Document

عدد المشاهدات : 949

الحلقة (245) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات (187) و (188) و (189) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُه

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الخامسة  والأربعون بعد المائتين
تدبر الآيات (187) و (188)  و (189) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
❇        

 (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) 
يعنى أن الله -تَعَالي- أخذ المِيثَاقَ وهو العهد الموثق المؤكد باليمين، ومنه الوِثَاق وهو الحبل الذي يربط به.
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) هم اليهود والنصارى.
وهذا الميثاق الذي أخذه الله على اليهود والنصارى، أُخِّذَ عليهم في كتبهم وهي التوراة والانجيل.
(لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) يعنى هذا الميثاق الذي أُخِّذَ عليهم هو أن يبينوا صفة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكورة في كتبهم ، وأن الاسلام هو دين الحق، وأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو النبي الخاتم.
(فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) أي فنبذوا هذا الميثاق وراء ظهورهم، والنبذ هو الترك والطرح بقوة
والتعبير بنبذ الميثاق وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ يفيد تركه بالكلية، لأنه المرء لو وضع الشيء أمامه أو الى جواره فقد يتناوله، ولكن اذا جعله وراء ظهره فانه لن يعود اليه مرة أخري.
كما نقول أنا رميت الموضوع ده وَرَاءَ ظهري
(وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) 
أي أخذوا مقابل كتم صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثمنًا قليلًا، وهذا الثمن القليل اما أموال أو منافع أو الزعامة الدينية في الجزيرة العربية.
ومن صور ذلك أنهم كانوا يغيرون بعض الأحكام في التوارة والانجيل ارضاءًا لملوكهم ويقبضون مقابل ذلك.
وأي شيء مهما كانت قيمته فهو ثمن قليل مقابل نقض الميثاق الذي أخذ عليهم.
يقول الْحَسَنُ البصري: الثَّمَنُ الْقَلِيلُ: الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
(فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) أي فَبِئْسَ ما أخذوه مقابل نقض الميثاق.

❇        

يقول العلماء أن هذه الآية فيها النهي عن كتمان العلم.
يقول الإمام القرطبي في تفسيره، الآية توبيخ لهم –أي توبيخ لأهل الكتاب من اليهود والنصاري الذين كتموا صفة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم مع ذلك هو خبر عام لغيرهم.
يقول وقتادة: هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب، فمن علم شيئا فليعلمه, وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة.
يقول أبو هريرة: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء; ثم تلا هذه الآية (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ...)
وفي الحديث الصحيح أن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال (مَن كتمَ علمًا ألجمَهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ)
قال محمد بن كعب : لا يحل لعالم أن يسكت على علمه, ولا للجاهل أن يسكت على جهله.
وكتم العمل المنهي عنه لا يقتصر على العلم الشرعي فقط.
فالمعلم الذي يتعمد عدم اجادة شرح الدروس لتلامذته، حتى يدفعهم الى اعطائهم دروس خصوصية يدخل في هذا النهي.
والموظف الذي لا يُعَلِم زميله الجديد، حتى لا يأخذ مكانه، يدخل في هذا النهي. 

❇        

(لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) 
(لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) يعنى لا تَظُنَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا من الآثام.
(وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) أي ويحبون أن يمدحهم الناس بما لم يفعلوه من الأعمال الصالحة.
(فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بعيدون مِنَ الْعَذَابِ.
والمفازة هي الصحراء، وقد أطلق عليها مفازة من التفاؤل، لأن المفازة هي المكان الذي يظن الانسان أن فيه نجاته وفوزه، فأطلقوا على الصحراء اسم مفازة تفاؤلًا بأن الذي يسلكها ينجو ويفوز، كما كانوا يسمون من لدغه عقرب أو ثعبان بالسليم.
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي وَلَهُمْ عذاب مؤلم شديد الإيلام

❇        

وهذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين فرحوا بِمَا أَتَوْا من كتمان صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
(وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) أي عندما يثنى القرآن العظيم على أهل الكتاب 
وقيل أنها نزلت في المنافقين الذين كانوا يتخلفون عن الغزو مع الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهؤلاء كانوا (يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) أي يفرحون بتخلفهم عن الخروج للغزو.
(وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا)
أي عندما يمدح الله تعالى المؤمنين في القرآن يقولون نحن مع المؤمنين 
فهؤلاء فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يوم القيامة

❇        

والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، فالله تعالى يقول للمؤمنين أنكم ستجدون معسكر الشر يفرحون بما يقومون به ضدكم، فلا يفت ذلك في عضدكم، ولا تحسبنهم بمنجاة من العذاب، بل سيكون لهم عذاب أليم موجع.
❇        

الآية فيها كذلك التحذير من الفرح بالمعصية، يقول ابن القيم في "مدارج السالكين" ان الفرح بالمعصية أشد ضررًا على العبد من مواقعة المعصية
❇        

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
هذا هو رد القرآن على قول اليهود (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) فقال تعالى ردًا عليهم (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) فالله تعالى له جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، فكيف يكون فقيرًا من يملك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعنى والله تعالى قادر على اهلاك من قال ذلك، وقادر على تعجيل العقوبة عليهم، ولكنه –تعالى- تفضل بحلمه على خلقه.

 

❇        

 

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 

❇