Untitled Document

عدد المشاهدات : 1257

الحلقة (264) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (19) من سورة "النِسَاء" " قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلّ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة والستون بعد المائتين
تدبر الآية (19) من سورة "النِسَاء" (ص80)

❇        

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) 
❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا)
كان الرجل في الجاهلية اذا مات، فان وليه الذي يرث ماله سواء ابنه أو أخيه أو ابن عمه، يرث مع ماله زوجته، فان شاء تزوجها بدون صداق، وان شاء زوجها لغيره ويأخذ هو المهر، وان شاء منعها من الزواج حَتَّى تَفْتَدِي مِنْهُ، وان شاء تركها حتى تموت ويرثها.
اذن فمن ظلم المرأة في الجاهلية، ليس فقط أنها كانت لا ترث، بل كانت هي نفسها تُوَّرَث، كأنها متاع من  أمتعة البيت
فنهي الله تعالى عن هذه العادة الجاهلية البغيضة، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) 
(كَرْهًا) يعنى وهن كارهات لهذا الأمر.
وقرأت (كُرْهًا) بضم الكاف، بمعنى الاكراه والقهر.

❇        

(وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ)
ينهي الله تعالى عن أمر يقع فيه الكثير الآن. 
وهو أن الرجل يريد أن يطلق زوجته، ولكنه لا يريد أن يعطيها حقوقها كمطلقة، لأن المطلقة غير الحاضنة لها مؤخر الصداق، ونفقة العدة 3 شهور، ونفقة متعة 24 شهر، وهو لا يريد أن يعطيها هذه الحقوق، فيظل يسيء في معاملتها، ويسبها ويضربها ويقهرها، حتى تطلب هي الطلاق، وتتنازل عن حقوقها، وهو ما يطلق عليه الخلع.
يقول تعالى  (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) يعنى لا تضيقوا على زوجاتكم، وأصل العضل الشدة والعسر، كما نقول على مشكلة ليس لها حل أنها معضلة.
(لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ) وهو الصداق أو المهر.

❇        

(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)
يعنى لا يجوز هذا التضييق على الزوجة الا في حالة واحدة، وهي (أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ) أي اذا ارتكبت الزوجة الفاحشة وهي الزنا، أو أي نوع من خيانة المرأة لزوجها حتى وان لم تصل الى الزنا.
بعض المفسرون قالوا أن الفاحشة هي نشوز الزوجة، يعنى سوء الخلق وعدم الطاعة والترفع عليه، وهذا غير صحيح، لأنه لا يوجد انسانة كاملة، ولو فتحنا هذا الباب، فكل من يكره شيئًا من زوجته سيقول هذه ناشز، وأنا يحق لي أن أعضلها.
لذلك نقول أن المراد بالفاحشة في الآية الكريمة ليس النشوز ولكن الزنا، خاصة أن أكثر استعمال كلمة الفاحشة في القرآن هو الزنا. 
اذن فالمعنى أنه يجوز للرجل أن يعضل زوجته، أي يضيق عليها حتى تتنازل عن حقوقها كمطلقة في حالة واحدة وهي أن ترتكب الزوجة فاحشة الزنا، أو أي نوع من أنواع خيانة المرأة لزوجها حتى وان لم تصل الى الزنا.

❇        

وقوله تعالى (مُبَيِّنَةٍ) يعنى يجب أن تكون هذه الخيانة ظَاهِرَةٌ وواضحة، ولا تكون مجرد شك، كأن يكون قد رآها بعينيه في هذ الوضع، أو اكتشف بعض الأمور وواجهها بها فاعترفت له.
وهناك قراءة (مُبَيَّنَةٍ) يعنى هناك شهود على هذا الأمر
وهذه الكلمة تعالج قضية هامة وهي شك الرجل في سلوك زوجته، وهذا الشك يحول حياة الرجل الى جحيم، ويحول حياة زوجته الى جحيم، ويؤدي في كثير من الحالات الى الطلاق.
هذه الآية تقول لكل زوج ألا يتسرع في الحكم على زوجته، لأن هذا الشك قد يكون أحيانًا شكًا مرضيًا، وقد يكون نتيجة وشايات من أناس يحسدونهم. 
فتقول له هذه الكلمة الموجزة (ِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قبل أن تتهم زوجتك، يجب أن تكون متأكدًا من هذا الأمر تأكدًا لا يدع مجالًا للشك. 

❇        

والآية فيها اشارة الى أنك اذا علمت وتأكدت تأكدًا لا يدع مجالًا للشك من زنا زوجتك –والعياذ بالله- فعليك بأن تفارقها ولا تبقيها في عصمتك، حتى وان أظهرت التوبة.
البعض اذا اكتشف خيانة زوجته يختار أن يمسك زوجته ولا يطلقها حتى لا يضيع الأولاد.
رجل أرسل يقول أن زوجته اعترفت له أنه قد خانته خيانة كاملة، يقول ولى منها أربعة بنات، ويقول لو طلقتها من سيربي لي بناتي.
ونحن نقول حتى لو كان لك منها عشرة أولاد فعليك أن تفارقها، لأن الحياة لا يمكن أن تستقيم أبدًا مع وجود الشك.
رجل آخر أرسل يقول أنه اكتشف أن زوجته زنت مرتين، ولكنه يحبها ولا يقدر على فراقها، وأقول له لو لم تطلقها فستتمادي في خيانتك أكثر من ذلك.

❇        

(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
أمر من الله تعالى بحسن معاشرة الزوجة
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"
ويقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حَجَّةَ الوَدَاعِ "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"

❇        

(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)
يعنى ليس معنى انك كرهت زوجتك أن تفارقها، لأنك يمكن أن تكره فيها جانبًا، وتحب فيها جوانب أخري.
روى الإِمام مسلم من حديث أبى هريرة أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنة إنْ كَرِه منها خُلُقًا، رَضِي منها خُلُقًا"
"لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنة" يعنى لا يكره مؤمنٌ مؤمنة كرهًا كاملًا "إنْ كَرِه منها خُلُقًا، رَضِي منها خُلُقًا"
فاذا كانت الزوجة –مثلًا- عصبية فهي تحسن تربية أبناءها.
اذا كانت قد فقدت بعض من جمال وجهها وجسدها فهي ست بيت شاطرة، بيتها نظيف، مدبرة، تجيد صنع الأطعمة، وهكذا
أعرف رجلًا له زوجة ليس لها أي حظ من جمال، في عيد ميلادها، كتب لها تهنئة على الفيس بوك، يقول الى حبيبتى جميلة الجميلات، اذن هو يري شيئًا لا يراه غيره

❇        

وقوله تعالى (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) بشارة من الله تعالى أنك ان كرهت جانبًا في زوجتك وصبرت على هذا الأمر صبرًا جميلًا، فان الله يعوضك فيها خَيْرًا كَثِيرًا، كأن يرزقك الله منها -مثلًا- ولدًا نجيبًا عاقلًا ذا دين يكون قرة عين لك.
أعرف رجلًا كان لا يتوقف عن الشكوي من زوجته، لدرجة أنه كان ملازمًا للمسجد لأنه لا يحب أن يمكث في بيته، وكان له بنتين شابتين تزوجتا، ثم اصيب بمرض الكورونا، فابتعد عنه كل الناس خوفًا من العدوي، حتى بناته لم يستطعن الاقتراب منه، ولم يكن معه في محنته الا زوجته، وعرضت حياتها للخطر، فكانت هذه التى لا يتوقف عن الشكوي منها سببًا في نجاته.

❇        

الآية تعالج قضية هامة، وهي قضية "الملل في الحياة الزوجية" يقول العلماء أن هذا أمر يمر به جميع الأزواج، ويقولون أنه يكون سببًا في انتهاء العديد من الزيجات. 
هذه الآية تعالج هذه القضية، وتساعدك على اجتياز هذه المرحلة بأمان، وذلك بأن تقول لك أنه ليس الحب شرطًا لاستمرار الحياة الزوجية، ولا حتى المشاعر المحايدة، بل حتى لو وصل الأمر الى أن تكره زوجتك، فليس ذلك مبررًا للطلاق، بل قد يكون الصبر الجميل على هذا الوضع فيه خيرًا كثيرًا لك.

❇        

ملخص تدبر الآية
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يجوز لَكُمْ أَنْ تجعلوا النِّسَاءَ من ضمن التركة، فتتزوجها بدون صداق، أو تزوجها لغيرك وتأخذ أنت الصداق أو غير ذلك.
(وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ) 
اذا اراد أحد مفارقة زوجته، فلا يجوز أن يعضلها، يعنى لا يجوز أن يسيء عشرتها حتى يجبرها على طلب الطلاق والتنازل عن حقوقها.
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الحالة الوحيدة التي يجوز فيها عضل الزوجة، يعنى التضييق عليها حتى تتنازل عن حقوقها، هو أن ترتكب الزوجة فاحشة الزنا، أو أي نوع من الفجور وان لم يصل الى الزنا، ولكن بشرط أن يكون الأمر ظاهرًا واضحًا وليس مجرد شك.
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) 
أمر من الله تعالى بحسن عشرة الزوجة.
(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) يعنى ان كره الرجل زوجته، فلس هذا سببًا في فراقها، فقد يجعل الله تعالى تلك التي كرهتها سببًا في الخير الكثير لك.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇