Untitled Document

عدد المشاهدات : 933

الحلقة (268) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (24) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثامنة والستون بعد المائتين
تدبر الآية (24) من سورة "النِسَاء"

        

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَا لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) 
        

ذكر الله تعالى في ثلاثة آيات متتالية (وهي الآيات 22 و23 و24) أنواع المحرمات من النساء، وهن خمسة عشر نوعًا من أنواع النساء المحرمة.
فذكر تعالى في الآية (22) نوع واحد من أنواع المحرمات من النساء وهي زوجة الأب، ثم ذكرت الآية (23) ثلاثة عشر نوعًا من أنواع المحرمات، ثم ذكر الله –تَعَالَي-  في هذه الآية، وهي الآية (24) نوع آخر من أنواع المحرمات من النساء، وهي المرأة المتزوجة، فالمرأة المتزوجة محرمة على جميع الرجال غير زوجها، يقول تعالى: 
(وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ) وقرأت (وَٱلۡمُحۡصِنَٰتُ ) بكسر الصاد، يعنى ومن المحرمات من النساء أيضًا (ٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ( وهي المرأة المتزوجة فهي مُحَرَّمَة على جميع الرجال سوي زوجها.
وأصل الإحصان هو الْمَنْعِ وَالْحِفْظِ، ومنه الحصن الذي يحتمي فيه القوم من عدوهم، والحصان اطلق عليه ذلك لأنه يحصن صاحبه من العدو، فأطلقت ٱلۡمُحۡصَنَٰة على المرأة المتزوجة، لأنها بزواجها تحصن نفسها أي تحفظ نفسها من الوقوع في الفاحشة، وتحصن نفسها من التطلع الى غير زوجها.

        

اذن فالمعنى أن امرأة متزوجة لا يجوز الزواج منها، ولا يجوز أن تنظر اليها، ولا يجوز أن تخببها على زوجها، يعنى تفسد العلاقة بينها وبين زوجها، يقول الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ملعون من خبب امرأة على زوجها" وهذا أمر منتشر هذا الزمان بشدة، ومن أسباب التفك الأسري، ومن أسباب الكثير من حالات الطلاق، أن يأتي رجل ويفسد العلاقة بين المرأة وزوجها، وغالبًا هذا الرجل يكون زميل لها في العمل، أو حتى ان لم تخرج من بيتها يكون من خلال وسائل التواصل الاجتماعي او تطبيقات المحمول الحديثة الشيطانية 
        

لماذا قال تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ولم يقل تعالى (وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ) ؟ ما  الحاجة الى قوله تعالى (مِنَ النِّسَاءِ) ؟
يقول الإمام محمد عبده: وقد استشكل ذلك المفسرون حتى روي عن مجاهد أنه قال: لو كنت أعلم من يفسرها لي لضربت إليه أكباد الإبل.
يقول الإمام محمد عبده: والجواب أن لفظ المحصنات جاء في القرآن بمعنى المسلمات والحرائر والمتزوجات، فلو قال تعالى (وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ) قد يتوهم السامع أن المقصود (وَٱلۡمُسلماتُ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ) أو (وَٱلحرائر إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ) يعنى يحترم عقد الزوجية للمسلمة فقط أو الحرة فقط
ولذلك قال تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) أي  ليدل على أن المقصود هو احترام عقد الزوجية لكل (ٱلنِّسَآءِ) فلا يفرق في ذلك  بين المسلمة والكافرة، أو بين الحرة والمملوكة.

        

يقول تعالى (إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ) يعنى استثنى الله من تحريم النساء المتزوجات "ملك اليمين" فاذا وقعت امرأة متزوجة في الأسر، نتيجة قتال دينى مشروع، فانها تطلق من زوجها بمجرد السبي، ويحل لسيدها أن يستمتع بها.
بعض أعداء الإسلام يرون أن ذلك همجية و اغتصاب لإمرأة متزوجة، وهذا غير صحيح
وقبل أن نقول لماذا هذا غير صحيح، نقول أولًا أن هذا هو قانون الحرب في ذلك الوقت، فالمرأة المسلمة اذا سُبِيَت فانه يفعل بها نفس الشيء.
الأمر الثاني أن المرأة –في الاسلام- اذا سبيت مع زوجها فان زواجها يستمر، ولا تحل لغير زوجها.
واذا وقعت في السبي وهي مشركة فلا تحل لسيدها حتى تسلم.
واذا أسلمت فانه لا يجوز لسيدها معاشرتها الا اذا رضيت بذلك.
اذن هذا الأمر في الإسلام قنن تقنينًا دقيقًا يحافظ على الأمة، ويحافظ على المجتمع كله.

        

(كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) 
أي ان كل ما ذكر من النساء المحرمات هو أمر كتبه الله عليكم وفرضه عليكم، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده.
(وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ) 
وقرأت (وَأُحَلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ) أي: وَأُحَلَّ الله لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ
يعني وأَحَلَّ الله لكم الزواج من غير هَؤُلَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ المذكورات في هذه الآيات الثلاثة.
كأنه تعالى يقول أن الله -تَعَالي- أحل لكم أكثر بكثير مما حرم عليكم، فلماذا تترك كل ما أحل الله -تَعَالي- لك، وتذهب الى ما حرمه عليكم.

        

(أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ) 
يعنى بين الله تعالى لكم ما حرم عليكم من النساء، وبين لكم ما احل لكم من النساء (أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم)  لكي تطلبوا الزواج بِأَمۡوَٰلِكُم وهي المهور.
(مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ) يعنى يكون الزواج زواجًا شرعيًا صحيحًا، بولى وصداق وصيغة وشهود، وتكون نيتك من الزواج أن تحصن نفسك.
(غَيۡرَمُسَٰفِحِينَۚ) السفاح هو الزنا، يعنى وأن تبتعدوا بأنفسكم عن الزنا.
ولفظ السفاح مأخوذ من سفح الماء يعنى صبه، كأن الزاني لا هم له الا أن يصب مائه فقط، ويقضى شهوته، دون النظر إلى الأهداف الشريفة التي شرعها الله وراء الزواج. 

        

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) أي من الزوجات
(فَ‍َٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي مهورهن.
(فَرِيضَةٗۚ) أي أمر فرضه الله عليكم.
وهذا فيه وجوب المهر، واذا تزوجت المرأة بغير مهر فالزواج صحيح، لأن المهر ليس من أركان الزواج

        

(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) 
(ٱلۡفَرِيضَةِۚ) هي المهر المتفق عليه
يعنى ليس هناك حرج في أن تسقط المرأة شيئًا من مهرها، أو تؤجله، أو تهبه كله، بشرط أن يكون ذلك برضا نفس منها.
وهذا مثل قوله تعالى (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) 
وبذلك يرفع الله تعالى الحرج عن الازواج اذا أعطته زوجته شيئًا من مهرها
 (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
يعنى هذا الذي شرعه الله تعالى هو بمقتضي علمه الذي أحاط بكل شيء، وبمقتضى حكمته التى تضع كل شيء في موضعه

        

وقد ذهب الشيعة الى أن الآية المقصود بها نكاح المتعة، وذلك لقوله تعالى (فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِ) و نكاح المتعة هو الزواج المحدد له مدة.
وهذا غير صحيح، لأن الاستمتاع لغة هو طلب المتعة واللذة، والرجل في الزواج الصحيح يستمتع بزوجته، وأيضًا لأن سياق الآيات كلها في عقد النكاح الصحيح، يقول تعالى (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)
و حتى لو كان المقصود بالآية نكاح المتعة وليس الزواج الصحيح، فهذا النوع من الزواج كان موجودًا في الجاهلية، وفي أول الإسلام، كما كان في الجاهلية أنواع كثيرة من أنواع الزواج، مثل زواج الشغار والاستبضاع والرهط، ثم نهي الاسلام عن كل هذه الأنواع ولم يبق الا الزواج الصحيح.
اذن كان زواج المتعة موجودًا في الجاهلية، وفي أول الإسلام حتى نهي عنه الرسول –صلى الله عليه وسلم-  وهذا مثل الخمر، فقد كان موجودًا قبل الاسلام، وموجودًا في أول الإسلام، ثم نزل تحريمه بعد ذلك، بعد ستة عشر سنة من الاسلام
وقد أجمع علماء السنة على تحريم زواج المتعة، وهناك عدد كبير من الأحاديث الصحيح التى تثبت تحريم زواج المتعة، منهم ما رواه البخاري ومسلم عن على بن أبي طالب حيث قال "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر". وقد كانت غزو خيبر في السنة السابعة من الهجرة، اذن كان زواج المتعة موجودًا حتى هذا التاريخ.
الخلاصة أن الآية في النكاح الصحيح، ولو كانت في نكاح المتعة فقد كان مشروعا فى ابتداء الإِسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهناك اجماع من علماء الأمة على ذلك.

        

وموضوع "زواج المتعة" من أكبر القضايا الخلافية بين السنة والشيعة من الناحية الفقهية.
و"زواج المتعة" منتشرًا جدًا في الأوساط الشيعية، وفي أحد التقارير أن نسبة "زواج المتعة" 40% مقابل الزواج الصحيح.
والحقيقة أنه لا فرق بين ما يطلق عليه زواج المتعة وبين الزنا بالعاهرات، فالعاهرة تتفق معها على قضاء وقت محدد مقابل مبلغ معين، وزواج المتعة هو اتفاق على وقت معين مقابل مبلغ معين. 
ولذلك في تقرير صدر عن جامعة "قم" الايرانية، ذكرت أن زواج المتعة هو اضفاء الشرعية على البغاء.
يكفي في ذلك أن أحد المرجعيات الشيعية الكبرى عندما سئل: هل تقبل أن تتزوج ابنتك زواج متعة ؟ صمت وتجاهل الإجابة 

        

ومنذ سنوات أثار الرئيس الايراني "رافسنجاني" قضية الأثار الاجتماعية السلبية لزواج المتعة، وقوبل هذا الطرح بالهجوم من العلماء الشيعة.
من الأرقام التى طرحها الرئيس الايراني أنهم وجدوا ربع مليون لقيط بسبب زواج المتعة، لأن الآباء لا يريدون الاعتراف بأبنائهم من زواج المتعة، وحتى لو تم الاعتراف بهم فإن نظرة المجتمع تبقى نظرة دونية لهم
ووجدوا 100 ألف حالة اجهاض في العام بسبب زواج المتعة، الى جانب آلاف الايرانيات اللاتي يفقدن حياتهن أثناء الإجهاض.
تم تسجيل عدد كبير من حالات الايدز المسئول عنها زواج المتعة، الى جانب عدد كبير من الأمراض الجنسية الخطيرة.
كان علماء الشيعة يزعمون أن المتعة ستغلق الباب نهائيا في مواجهة الزنا حيث لا عذر للزاني، فتبين أن مدينة مَشْهَد الإيرانية، حيث تشيع ممارسة المتعة، هي أكثر المدن انحلالاً على الصعيد الأخلاقي في آسيا.
والخلاصة أن زواج المتعة هو كارثة أخلاقية، فالحمد لله على نعمة الاسلام وكفي بالإسلام نعمة، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا الى التمسك بكتابه وسنة نبيه.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇