Untitled Document

عدد المشاهدات : 1318

الحلقة (276) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآية (43) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السادسة والسبعون بعد المائتين 276(ص 84)
تدبر الآية من (43) من سورة "النِسَاء"

❇        

)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)
❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) 
قوله تعالى (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) تحمل معنيين: المعنى الأول: لا تدخلوا في الصلاة، والمعنى الآخر: لَا تَقْرَبُوا مكان الصَّلَاةَ وهو المساجد.
(وَأَنْتُمْ سُكَارَى) وَأَنْتُمْ شاربين للخمر.
وهذه الآية أحد مراحل تحريم الخمر، ذلك أن الخمر قد حرم على أربعة مراحل:
المرحلة الأولى: قوله تعالى في سورة النحل (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) فدل ذلك بمفهوم المخالفة الى أن المُسْكِّر ليس رزقًا حسنا.
المرحلة الثانية: قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)
يعنى لو انسان عاقل سيترك الخمر، لأن الله تعالى أخبرك أن أضرار الخمر أكبر من منافعها، وقد قلنا في شرح هذه الآية أن المنافع هي منافع مادية لفئة محدودة من الناس وهم تجار الخمور
المرحلة الثالثة: قبل التحريم هي هذه الآية، يقول تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) فضيقت هذه المرحلة من التشريع الوقت الذي يمكن فيه شرب الخمر، لأن الوقت من صلاة الظهر الى العصر قصير، ومن العصر الى المغرب قصير، ومن المغرب الى العشاء قصير جدًا، فلا يكون هناك وقت الا بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العشاء، وبعد صلاة الصبح ليس وقت لشرب الخمر، بل وقت العمل، فلا يكون هناك فرصة الا بعد صلاة العشاء، وكان أغلب الصحابة يقومون الليل، وبذلك لا يكون هناك وقت تقريبًا لشرب الخمر في أي وقت من ليل أو نهار.
وفي نفس الوقت تذم الآية حال السكران، فيقول تعالى (حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) فهي تصف هذا السكران بأنه لا يدرك ما يقوله، مثله مثل الذي هناك خبل في عقله.
وقد روي أن جماعة من الصحابة اجتمعوا على الطعام ثم شربوا الخمر، فلما حضرت الصلاة قدموا أحدهم للصلاة، فقرأ عليهم سورة الكافرون، فقال "قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون" فنزلت هذه الآية والتي تنهي عن الصلاة في حال السكر. 
ثم المرحلة الرابعة والأخيرة وهي التحريم في قوله تعالى في سورة المائدة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

❇        

هذا التدرج في التشريع من خصائص التشريع في الاسلام، وهذه قاعدة هامة لكل من يسير في طريق الدعوة، اذا رأيت انسانًا بعيدًا عن طريق الله، ومتعلقًا بشيء محرم تعلقاً شديداً، فعليك أن تتلطف في حمله على تركه، عليك أن تعمل على أن يدخل الايمان في قلبه، فاذا دخل الايمان في قلبه سهل عليه بعد ذلك جدًا أن يترك أي شيء محرم مهما كان متعلقًا به.
اذا كانت هناك فتاة متبرجة وتحب ان تحضر مجالس العلم، لا ينبغي أن يكثر الناس في حديثها عن الحجاب، لأنها تعلم أنها يجب أن تتحجب، واذا أخذ الناس يكلموها عن الحجاب، فسيصبها الحرج، ولن تحضر مجالس العلم مرة أخري، ولكن اتركيها حتى يتمكن الايمان من قلبها، وستجديها ستأتي مرة وهي ترتدي الحجاب.
 والتدرج في التشريع كان في الأحكام، ولم يكن هناك تدرج في التشريع في أمور العقيدة، فكان هناك تدرج في الشرائع على مرحلتين في أغلب الأحوال، ولكن تحريم الخمر تميز بأن التدرج جاء في أربعة خطوات.
لأن شرب الخمر كان عند العرب عادة تمارس يوميًا وبجرعات كبيرة، وهذا يعنى أنها قد وصلت عند كثير منهم الى مرحلة الادمان، وهي تعنى عدم القدرة على التوقف عن الشراب، واذا لم يتناول جرعته المعتادة فانه يميل الى العنف والهياج ويحدث تدهور في صحته العامة.
ولذلك عندما أصدرت الحكومة الأمريكية في عشرينات القرن الماضى قانونًا يجرم تناول الكحوليات، وبالتحديد سنة 1920 م كان ذلك سببًا رئيسيًا في نمو العديد من المنظمات الاجرامية، وظهر في هذه الفترة أشهر رجل عصابات في تاريخ الولايات المتحدة وهو آل كابوني، حتى اضطرت الحكومية الأمريكية في نهاية الأمر الى التراجع عن القانون سنة 1933 م
ولم تكن هذه هي أول مرة حاولت فيها الولايات المتحدة اصدار قانون لحظر الخمور، بل كانت هناك محاولات سابقة، وبائت كلها بالفشل.   
ولذلك جعل تعالى التوقف او التعافي من شرب الخمر بالتدريج ليس بخطوتين كما في غيرها من أغلب  التشريعات، ولكنها في أربعة خطوات.
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لو نَزَلَ أوَّلَ شيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا"
ثم عندما نزل الأمر من الله تعالى بتحريم شرب الخمر تحريمًا نهائيًا، ألقي الصحابة الخمور التى في بيوتهم في الطرقات، حتى أصبحت  طرقات المدينة كأنها قد نزل عليها مطر شديد.

❇        

يقول الإمام ابي حامد الغزالى في قوله تعالى ) لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) يعنى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى بحب الدنيا، لأن الله تعالى بين العلة فقال (حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) وقد لا يكون المصلى شاربًا للخمر وهو لا يعلم ما يقول في صلاته
❇        

(وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغۡتَسِلُواْۚ)
يعنى ولا تقربوا الصلاة كذلك وأنتم في حال الجنابة
الجنابة هو نزول المني، أو هو الجماع وان لم ينزل المني، وسواء كان رجل او امرأة.
وقد قلنا أن المقصود بالصلاة هو أداء الصلاة، وموضع الصلاة وهو المسجد.
فيكون المعنى لا يحل لكم الصلاة وأنتم في حال الجنابة، ولا يحل لكم كذلك دخول المسجد وأنتم جنب، حتى تَغۡتَسِلُواْۚ، والاغتسال هو تعميم الجسد بالماء.
(إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) يعنى الاستثناء في دخول المسجد حال الجنابة هو أن تمر في المسجد من باب الى باب دون المكوث فيه.
وهذا التفسير فهمه العلماء من سبب نزول الآية، فقد روي في سبب نزول الآية أن بعض الأنصار كانت أبوابهم الى المسجد، فاذا أجنب أحدهم وليس عنده ماء، وأراد أن يخرج ليحضر الماء، فلا يجدون ممرًا الا في المسجد.
قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في مرض موته "سدوا كل خوخة فى المسجد إلا خوخة أبى بكر" والخوخة هو الباب الصغير.
اذن فقوله تعالى (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغۡتَسِلُواْۚ)
يعنى لا يجوز للجنب الصلاة ولا دخول المسجد حتى يغتسل، الا اذا مر في المسجد من باب الى باب دون المكوث فيه. 

❇        

يقول تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)
هذا النص يشتمل على الأعذار التي تبيح التيمم غالبًا فيقول تعالى: 
(وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ) يعنى يجوز التيمم اذا كنت مريضًا، واستعمال الماء يضرك، أو أن استعمال الماء يأتيك بالمرض. 

❇        

(أَوۡعَلَىٰ سَفَرٍ) يعنى يجوز التيمم كذلك اذا كنتم في حال السفر، وليس معكم ما يكفي من الماء حتى تغتسلوا به، لأن المسافر في ذلك الوقت يحمل معه من الماء ما يكفيه ويكفي دابته فقط.
❇        

(أَوۡجَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ) 
الغائط هو كناية عن عملية التبرز 
والغائط هو المكان المنخفض من الأرض، كما نقول "هذا المكان غويط" لأن من كان يريد التبرز في ذلك الوقت كان يتواري عن أعين الناس، فيختبأ خلف شجرة أو شيء أو يذهب الى مكان منخفض فلا يراه الناس.
وقد ذكر تعالى التبرز كمثال على الحدث الأصغر، والمقصود هو أي نوع من أنواع الحدث الأصغر، مثل التبول وخروج الريح والاغماء والنوم العميق وسيلان الدم وغسل الميت وأكل لحم الإبل.
ومن سمو الخطاب القرآن أن الله تعالى أسند هذا الأمر الى واحد مبهم من المخاطبين، فلم يقل تعالى "أو جئتم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ"

❇        

(أَوۡلَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ) كما ذكر تعالى مثالًا للحدث الأصغر، ذكر مثالًا للحدث الأكبر، فقال تعالى (أَوۡلَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ) والمعنى أو جامعتم ٱلنِّسَآءَ، فكُنِّىَ بالملامسة عن الجماع، وهذا من أدب الخطاب القرآني.
والمعنى: يجوز لكم التيمم كذلك اذا جامعتم ٱلنِّسَآءَ ولم تجدوا ماءا.
وكذلك يجوز التيمم في جميع أحوال الحدث الأكبر، وهي غير الجماع: الحيض والنفاس
وقال البعض أن المقصود هو الملامسة بالبشرة، لأن هناك قراءة (أَوۡلَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ)

❇        

ملخص أراء الفقهاء في موضوع لمس المرأة.
قال المالكية والحنابلة: اذا كان اللمس بشهوة ينقض الوضوء واذا كان بغير شهوة لا ينقض الوضوء
وقال الشافعية أن لمس المرأة ينقض الوضوء، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة.
وقال الحنفية: أن اللمس لا ينقض الوضوء سواء بشهوة أو بغير شهوة.


❇        

(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)
يعنى في جميع الحالات السابقة أن لم تجدوا ماءًا (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) يعنى يجوز لكم التيمم بدلًا من الوضوء.
والتيمم لغة: هو القصد، يقال تيممت الشى أى قصدته .
والصعيد هو وجه الأرض
(طَيِّبٗا) أي طاهرًا.
فالذي يجوز التيمم به، وهو الصعيد الطاهر، أي وجه الأرض الطاهر.
قال الشافعية والحنابلة أنه لا يجوز التيمم بغير التراب.
وقال الحنفية والمالكية أنه يجوز التيمم بأي جزء من أجزاء الأرض، سواء كان تراب أو طين  أو رمل أو حصى أو صخرة أو رخام، أو الحشيش أو الجليد
يباع الأن ما يطلق عليه "علبة التيمم" عبارة عن علبة فيها أسفنجة مشبعة بتراب معقم، وهذا يجوز التيمم به، ولكنه فيه تكلف، اذا كان عندك مريض يحتاج الى التيمم، يمكن أن تجهز له علبة من الكرتون فيها بعض الرمل ويستخدمها في التيمم، او تيمم مستخدمًا قطعة من الحجر أو الرخام.

❇        

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) هذا بيان لكيفية التيمم.
وهو أن تضرب بيدك على الأرض –ضربة خفيفة- ويمكن أن تنفخ فيهما اذا علق فيهما تراب، ثم تمسح وجهك -كما في الوضوء- ثم تمسح اليدين الى المرفقين.
ويمكن أن تكون ضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين.
وقال المالكية المسح للكفين فقط وليس الى المرفقين.
ويجب مراعاة الترتيب فنبدأ بمسح الوجه ثم اليدين
ويمكن أن نقول قبل التيمم "بسم الله" كما في الوضوء، ويمكن أن تقول بعد الانتهاء " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) 
فالله تعالى لا يختار لعباده الا السهل اليسير.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇