Untitled Document

عدد المشاهدات : 789

الحلقة (278) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات من (47) الى (50) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثامنة والسبعون بعد المائتين (278) (ص 86)
تدبر الآيات من (47) الى (50) من سورة "النِسَاء"

 ❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) 
 ❇        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وهم الْيَهُودَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
(آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) 
)آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا (وهو القرآن العظيم (مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) أي موافقًا ومطابقًا لما معكم من التوراة، سواء في الدعوة إلى وحدانية الله -تعالى- أو الدعوة إلى مكارم الأخلاق، وغير ذلك من اصول الدين واركانه
 (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) أي: مِنْ قَبْلِ أن ننزل بكم هذا العقاب، وهو أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا، يعنى نطمس عيونكم عن رؤية الطريق الحق.
(فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) أي نردها الى الضَّلَالَةِ‏.‏
والمعنى أن الله تعالى يخاطب اليهود ويقول لهم آمنوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالقرآن العظيم، ولا تسوفوا في الإيمان وتتمادوا في العناد، والا عاقبكم الله بأن يختم على قلوبكم فلا تستطيعون رؤية الحق

 ❇        

وقال البعض أن هذا التهديد من الله لهم هو تهديد على حقيقته، يعنى الله تعالى يهددهم اذا لم يؤمنوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطمس وجوههم، يعنى يمحو معالم وجوههم، ويردها على أدابرها، يعنى تكون معالم الوجه، وهي العينين والأنف والفم في أقفيتهم.
وقال بعض المفسرون: أنه لما آمنت طائفة من اليهود، مثل: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، ، وَمُخَيْرِقٌ، وأسد بن كعب، وأسيد بن كعب، والسيدة صفية وغيرهم رفع عنهم هذا العذاب.
وقال البعض ان هذا التهديد لأهل الكتاب سيكون في آخر الزمان، وقيل أنه سيكون في يوم القيامة.

 ❇        

وروي أن أول اسلام "كعب الأحبار" أنه مر برجل فسمعه يقرأ هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) فوضع كفيه على وجهه مخافة أن يطمس وجهه، ثم رجع الى بيته فاغتسل، يقول: وَأَنِّي لأمِسُّ وَجْهِي مَخَافَةَ أَنْ يُطْمَسَ، ثُمَّ أَسْلَمْ.
 ❇        

(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْت)
 أَوْ نمسخهم قِرَدَةً‏ ، كما مسخ الله تعالى أَصْحَابَ السَّبْت فجعلهم قردة، وهذا تهديد آخر لهم.
وقد وردت قصة أصحاب السبت مفصلة في سورة الأعراف، وهم قوم من بنى اسرائيل بعد موسي –عليه السلام- كانوا يعيشون بقرية على ساحل البحر، وقد أمرهم الله تعالى بعدم الصيد في يوم السبت، ثم اختبرهم الله تعالى بأن تأتي الأسماك في يوم السبت ظاهرة على سطح الماء، فاذا ذهب يوم السبت ابتعدت الأسماك ولا يقدرون على صيدها، فاحتالوا على ذلك، فحفروا أحواض الى جانب البحر، فاذا جاءت الأسماك يوم السبت ودخلت في تلك الأحواض، أغلقوها ثم جاءوا فأخذوها في يوم الأحد، فعاقبهم الله تعالى بسبب تحايلهم على شرعه تعالى بأن مسخهم قردة
(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)
أي أن أمر الله نافذًا واقعا لا يعطله شيء.

 ❇        

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ  في سبب نزول هذه الآية الكريمة: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قول الله تعالى في سُورَةِ الزُّمَرِ (‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ وَالشِّرْكُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ‏ ؟‏ فنزل قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)
قال بعض العلماء أن هذه الآية هي أرجى آية في القرآن.
وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : "ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية "
وقد مر بنا أن "عبد الله بن مسعود" قال إن في سورة النساء لَخَمْسَ آياتٍ ما يسرُّني بهن الدنيا وما فيها، وذكر فيها هذه الآية الكريمة
قال محمد بن جرير الطبري :قَدْ أَبَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ كُلَّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ فَفِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ.
وقد علق تعالى المغفرة بمشيئته حتى لا يتجرأ أحد على الكبائر، فيكون الناس بين الخوف والطمع: الخوف من عذابه، والطمع في مغفرته.

 ❇        

(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) 
الافتراء هو الكذب الشديد.
أي وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ اختلق ذنباً كبيرًا عظيمًا لا يغفر.

 ❇        

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)
يقول الحسن البصري أن هذه الآية نزلت في اليهود حيث قالوا (نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وقولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وقولهم (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) 
وقيل في سبب نزول الآية أن بعض اليهود دخلوا على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعهم بعض أبنائهم، ثم قالوا: أَهْل لهؤلاء ذنوب ؟ فَقَالَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : لا، فقالوا: والله ما نَحْنُ إِلَّا مثلهم، نحْنُ أبناء اللَّه وأحباؤه، وما من ذنب نعمله بالنهار إِلَّا غفر لنا بالليل، وما من بالليل إِلَّا غفر لنا بالنهار.

 ❇        

يقول تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ)
(أَلَمْ تَرَ) يعنى أَلَمْ تَعلم يا محمد، وهو سؤال للإنكاروللتعجب من أحوال هؤلاء اليهود.
(إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) يعنى الى هؤلاء اليهود الذين يمدحون أَنْفُسَهُمْ.
(بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) يعنى لا عبرة بتزكيتهم أنفسهم، بَلِ التزكية الحقيقية والتي يعتد بها هي من اللَّهُ تعالى، لأن الله تعالى هو الذي يعلم ما تنطوي عليه كل نفس من حسن وقبح وخير وشر.

 ❇        

كان "عمر بن عبد العزيز" يقول "إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة"
والكبار لا يزكون أنفسهم أبدا، بل على العكس يتهمون أنفسهم.
كان عمر بن الخطاب يقول "والذي نفسي بيده، وددت لو خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر"
ويقول أحد التابعين: رأيت عمر بن الخطاب ، أخذ تبنة من الأرض، فقال: "يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئا، ليت أمي لم تلدني"
 روي أن "مطرف بن عبد الله"و"بكر المزني"وهما من صلحاء التابعين خرجا للحج، فلما كان يوم عرفة، قال أحدهما: "اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي"، وقال الآخر: "ما أشرفه من موقف وأرجاه لولا أني فيه"
جلس "توبة ابن الصمة" –وهو أحد التابعين- عندما بلغ الستين يحاسب نفسه، فحسب أيامه فوجدها واحد وعشرين الف يوم، فقال يا ويلتى ألقي الملك بواحد وعشرين ألف ذنب ؟ فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ؟ ثم خر فإذا هو ميت.

 ❇        

(وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا)
أصل الظلم هو النقص، والمعنى لا ينقصون من ثواب اعمالهم الصالحة قدر الفتيل، وهو الخيط الَّذِي يكون فِي شَقِّ النَّوَاةِ، أي لَا يُظْلَمُونَ من ثواب أعمالهم الصالحة شيئًا مهما كان هذا الشيء يسيرا

 ❇        

وقد ذكر في القرآن الفتيل، والنقير، والقطمير.
وقد ضرب بها القرآن المثل على الشيء اليسير جدًا.
النقير: هو ثقب صغير كرأس الدبوس يكون فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ
القطمير: الغشاء الذي يغطي النواة
وكلها متعلقة بالتمرة، لأن التمرة هي التي كان يتعاطاها العرب في ذلك الوقت.


 ❇        

انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) 
يقول تعالى انكارًا وتعجبًا من أحوالهم:
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)
أي انظر كيف يكذبون على الله ويزعمون أن الله يعاملهم معاملة خاصة بهم، وذلك بقولهم (نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)
والافتراء هو الاختلاق: يقال افتري على فلان أي رماه بما ليس فيه .
 (وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا في قولهم) 
يعنى يكفي هذا الذنب في دخولهم النار.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇