Untitled Document

عدد المشاهدات : 1479

الحلقة (300) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيتين (102) و(103) من سورة "النِسَاء" (ص 95) قول الله -تَعَالي- (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا ف

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثلاثمائة (300)
تدبر الآيتين (102) و(103) من سورة "النِسَاء" (ص 95)

❇        

وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)
❇        

هذه الآية فيها مشروعية وصفة صلاة الخوف، وهي الصلاة التي تكون عند الخوف من الأعداء أو الخوف من قطاع الطريق أو من هجوم حيوان مفترس أو غير ذلك.
وقبل نزول صلاة الخوف، وفي غزوة الأحزاب انشغل المسلمون بقتال المشركين، برغم من أن غزوة الأحزاب لم يكن فيها التحام مباشر بين جيش المسلمين وجيش المشركين، ولكن كان هناك مناوشات، وكان هناك تراشق بالسهام، حتى قُتَّل من المسلمين في هذه الغزوة تسعة، وقُتَّل من المشركين أربعة.
وفي أحد الأيام انشغل المسلمون بالقتال انشغالًا كبيرًا، وجاء "عمر بن الخطاب" للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يسب المشركين لأنه انشغل بقتالهم فلم يصلى العصر الا قبيل المغرب، فَقَال النَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: والله مَا صَلَّيتُهَا، ثم قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأ وتوضأ الصحابة وصلى العصر بعد مَا غَرَبَت الشَّمسُ، ثُمَّ صَلَّى بعدَها المَغرِب

❇        

ثم نزل بعد ذلك تشريع صلاة الخوف، وكان ذلك في غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وفي هذه الغزوة وقف المسلمون في مقابلة أعدائهم، فلما حضرت صلاة الظهر ، صلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمسلمين، فقال المشركون لَوْ كُنَّا حَمْلَنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ‏!‏ ثم قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ‏:‏ إِنَّ لَهُمْ صَلَاةً أُخْرَى هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ‏، فأنزل الله تعالى هذه الآية بين صلاتي الظهر والعصر، فلما حضرت صلاة العصر صلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمسلمين صلاة الخوف، وقيل أن قائد المشركين في هذه الغزوة كان هو "خالد بن الوليد" فلما رأي خالد بن الوليد ذلك قال "ان القوم لممنوعون" وقيل أن ذلك كان سبب اسلام "خالد بن الوليد" لأن "خالد" أسلم بعد هذه الواقعة بفترة قصيرة
وقد صلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الخوف بأكثر من كيفية، فهي تختلف باختلاف شدة الخوف، وباختلاف مكان العدو، هل هو في اتجاه القبلة أم في جهة أخرى ؟

❇        

من الصفات الثابتة عن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصلاة الخوف أن يقسم الجيش الى قسمين: القسم الأول يصلى مع الامام، والقسم الثاني يكون في اتجاه العدو، فاذا أتم الامام مع القسم الأول ركعة وقام الى الثانية، اتموا الركعة الثانية مع أنفسهم، ويطيل الإمام الركعة الثانية، حتى ينتهوا من صلاتهم وينصرفوا ويقفوا أمام العدو مكان الطائفة الثانية، وتدخل الطائفة الثانية التى كانت تحرس مع الإمام فيصلى بهم الركعة الثانية بالنسبة له، وهي الركعة الأولى بالنسبة لهم، فاذا جلس للتشهد يطيل التشهد، وتقوم هذه الطائفة وتصلى الركعة الثانية مع نفسها حتى تدرك الإمام في التشهد فتسلم معه.


❇        

يقول تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ) يعنى وَإِذَا كُنْتَ يا محمد مع أصحابك
(فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) يعنى وحضرت الصَّلَاةَ وأمرتهم بالصلاة
(فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) يعنى فلتقم جماعة من أصحابك معك فى الصلاة، وتكون الطائفة الأخرى في مواجهة الأعداء ليحرسوكم
(وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) يعنى الطَائِفَةٌ التي معك في الصلاة تكون معها أسلحتها
(فَإِذَا سَجَدُوا) يعنى فان أتموا صلاتهم 
(فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) يعنى بعد أن ينصرفوا من الصلاة يقفوا خلفكم ويكونوا في مواجهة الأعداء
(وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) يعنى ثم تأتي الطَائِفَةٌ الأخرى الذين كانوا في الحراسة ولَمْ يُصَلُّوا فيصلون معك فتكون الركعة الأولى لهم، والركعة الثانية للإمام.
(ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) يعنى وتكون الطائفة الثانية معهم أسلحتهم كذلك وهم يصلون.

❇        

عندما ذكر تعالى صلاة الطائفة الأولى قال تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وعندما تحدث عن صلاة الطائفة الثانية قال (ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) لأن العدو في أول الصلاة لن ينتبهوا غالبًا الى أن المسلمون يصلون، فاذا سجدوا وقاموا تنبهوا الى أنهم يصلون، فيكون احتمال استغلالهم لهذه الفرصة في الهجوم على المسلمين أكبر، ولذلك امرهم تعالى في هذا الموضع بزيادة الحذر من الكفار مع أخذ الأسلحة .


❇        

(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)
يعنى أعدائكم من الكفار يتمنون أن تنشغلوا بالصلاة، ولا تنتبهون الى أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ وهو الطعام وغيره مما تحتاجون اليه في السفر، وبدون هذه الأمتعة يهلك المسافر في الصحراء.
(فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) فيقومون بهجوم مباغت عليكم.
قديمًا وحتى ربما الخمسين سنة الماضية كان الهجوم المفاجئ أو الهجوم الخاطف من أهم أسباب الانتصار والتفوق على العدو، والآن مع وجود الأقمار الصناعية، أصبح ميدان المعركة مكشوف، وبالتالي يصعب جدًا استخدام هذا التكتيك الحربي.
ولكن يبقي التوجيه القرآني أن يكون المسلمون على حذر دائمًا، وألا يتركوا للعدو الفرصة أن يتفوقوا عليهم.

❇        

(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ)
يعنى يجوز عدم حمل السلاح اذا كان هناك سبب لذلك، مثل حالة المرض، لأن حمل السلاح يثقل على المريض، وقد نزل ذلك في"عبد الرحمن بن عوف" لأنه كان جريحا، أو في حال المطر اذا خاف على السلاح أن يفسده المطر، أو اذا كان مستبعدًا أن يبدأ العدو بالقتال بسبب المطر الشديد.
 (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) 
يتكرر في هذه الآية الأمر بأخذ الحذر، وأخذ الحذر من باب الأخذ بالأسباب.
(إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)
هذا العذاب المهين في الآخرة، وأيضًا في الدنيا بالهزيمة على أيدي المسلمين.

❇        

صلاة الخوف، نأخذ منها ثلاثة عبر هامة جدًا:
العبرة الأولى: هي الحرص على الصلاة تحت أي ظرف.
والعبرة الثانية: هي الحرص على صلاة الجماعة.
ولذلك احتج البعض بهذه الآية على أن صلاة الجماعة فرض عين على كل رجل مسلم، وقالوا اذا كان الله تعالى قد فرضها في حال الحرب فالمحافظة علها في حال السلم أولى.
وصلاة الجماعة عند أحمد فرض، وعند أبو حنيفة والشافعي ومالك سنة مؤكدة
العبرة الثالثة: الحرص على وحدة المسلمين، فصلاة الخوف فيها تقسيم للناس الى قسمين، ويذهب هؤلاء ويأتي هؤلاء، وتفصيلات كثيرة، كل هذا لنحافظ على الصلاة وراء إمام واحد.

❇        

(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)
(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ) فَإِذَا قَضَيْتُمُ صَّلَاةَ الخوف التى صليتموها 
(فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) يعنى فاذكروا الله تعالى في جميع أحوالكم.
وهذه اشارة الى أن من المواضع المستحب فيها ذكر الله -تَعَالي- هي لقاء الأعداء، لأن ذكر الله تعالى يعطى سكينة في القلب، وطمأنينة في النفس، ويعطي قوة روحية تقهر القوى المادية وتهزمها 
يقول ابن تيمية: "الذكر للقلب كالماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا أخرج من الماء؟".

(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) يعنى اذا زال الخوف
(فَأَقِيمُواْ الصلاة) يعنى فَإِذَا زال الخوف فأدوا الصلاة على الوجه الذي كانت عليه قبل حالة الحرب.
(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) 
إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (كِتَابًا) أي فريضة
(مَوْقُوتًا) اي كل صلاة لها وقت محدد لا يجوز للمسلم أن يتجاوز هذا الوقت.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇