Untitled Document

عدد المشاهدات : 1115

الحلقة (301) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (104) الى (113) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا ل

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة (301)
تدبر الآيات من (104) الى (113) من سورة "النِسَاء"(ص 95)

        

(وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
        

(وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)
هذه الآية نزلت في غزوة "حمراء الأسد" وهي الغزوة التي كانت بعد معركة أحد بيوم واحد، حيث أمرالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين بالخروج لمطاردة جيش قريش، بالرغم من أن الجيش كان مُثقلًا بالجراح، وكان الهدف هو منع قريش من العودة لغزو المدينة.
يقول تعالى (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ) 
الوَهَنْ هو الضعف، فقوله تعالى (وَلَا تَهِنُوا) يعني وَلَا تَضْعُفُوا‏.‏
(فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ) أي فِي طلب الْقَوْمِ، وهم المشركون.

(إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ) يعنى إِنْ تَكُونُوا تتَأْلَمُونَ بسبب ما أصابكم من القتل والجراح، فان أعدائكم من المشركين يتألمون –هم أيضًا- كَمَا تتألمون.
(وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) يعنى أنتم متساوون معهم في الألم، ولكن تزيدون عليهم في أنكم تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ، وهو الثواب العظيم على الجهاد أو الشهادة ودخول الجنة ان قتلتم.
اذن المعادلة في صالحكم، كما قال تعالى في سورة التوبة (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ)
بعد معركة أحد أشرف أبو سفيان على المسلمين ونادي "يوم بيومِ بدر، والحربُ سِجال" أي مرة ومرة، فنادي عمر بن الخطاب "لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"

        

(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)
هذه الآيات حتى الآية (113) لها قصة وهي أن رجلًا من أهل المدينة اسمه "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" وكان منافقًا يظهر الاسلام ويبطن الكفر، وكان من نفاقه أنه كان يَقُول الشِّعْر يَهْجُو بِهِ أَصْحَاب الرَسُول -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ينسبه الى غيره، و يَقُول: قَالَ فُلَان كَذَا وَقَالَ فُلَان كَذَا، فكان الصحابة يقولون: وَاَللَّه مَا يَقُول هَذَا الشِّعْر إِلَّا هَذَا  الْخَبِيث، فَقَالَ‏:‏
أَوَ كُلَّمَـا قَـالَ الرِّجَـالُ قَصِيـدَةً ***                        أَضِمُـوا وَقَـالُوا‏:‏ ابْـنُ الْأُبَيْرِقِ قَالَهَا‏!‏
أَضِمُـوا يعني حقدوا.
وكان "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ"من أهل بيت شديد الفقر، وكان سارقًا فسرق من رجل من الأنصار اسمه "رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ" سلاحًا –درعين وسيفين- وطعامًا من بيته، فلما سألوا علموا أن "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" أوقد نارًا في بيته في هذه الليلة، ولم يكونوا يوقدون نارًا لفقرهم، فعلموا أنه السارق، فذهبوا الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكروا له ذلك، فلما شعر "طُعْمَةَ" بانكشاف أمره، لجأ الى قومه وكانوا حي من العرب اسمهم "بنو ظَفَر" وأخبرهم بالأمر، فخافوا على أنفسهم من الفضيحة، فعمدوا الى بيت رجل من اليهود اسمه "‏زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ" والقوا فيه السلاح، ثم ذهبوا الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: يا رسول الله إِنَّ صَاحِبَنَا بَرِيءٌ، وَإِنَّ سَارِقَ الدِّرْعِ فُلَانٌ، فبرأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ"وهم أن يقطع يد هذا الرجل اليهودي.
فنزل القرآن العظيم ليبري ذلك اليهودي الذي يكفر بالقرآن، فلما نزلت الآيات أظهر "طُعْمَةَ" نفاقه ولحق بالمشركين، وقيل أنه نزل على امرأة اسمها سلافة، فقال فيها "حسان بن ثابت" شعرًا يهجوها به، فطردت "طُعْمَةَ" من بيتها وقَالَتْ‏:‏ أَهْدَيْتَ إِلَيَّ شِعْرَ حَسَّانَ‏!‏ مَا كُنْتَ تَأْتِينِي بِخَيْرٍ ‏!‏ وقيل أنه دخل بيتًا ليسرقه فسقط عليه سقف البيت فمات.

        

يقول تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
(إِنَّا) بنون العظمة (أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ) وهو القرآن العظيم.
وكلمة (أَنْزَلْنَا) اشارة الى أن الجهة التي جاءت بالكتاب هي جهة أعلى.
(بِالْحَقِّ) يعنى مشتملًا على  الْحَقِّ، ومضمونه الْحَقِّ.
(لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) ولم يقل تعالى "لِتَحْكُمَ بَيْنَ المؤمنين أو "بين المسلمين" وانما قال (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) يعنى الأمر بالعدل مع جميع الناس سواء مؤمنين أو كافرين، وليس المؤمنين فقط.
(بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) أي بوحي الله لك.
يقول ابْنِ عَبَّاسٍ: إِيَّاكُمْ وَالرَّأْيَ، فان اللَّهُ تَعَالَى قال لِنَبِيِّهِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَمْ يَقُلْ: بِمَا رَأَيْتَ.
الآن تجد من يقول أنا مفكر اسلامي، وعندي مشروع، نقول فكر كما تشاء ولكن في حدود وحي الله تعالى، وهو القرآن والسنة الصحيحة.
(وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) يعنى لا تخاصم عن الخائنين ولا تجادل عنهم، ولا تدافع عنهم، وهم قوم "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ"

        

(وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)
(وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ) أي وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ يا محمد 
تحدث المفسرون عن سبب الأمر للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالاستغفار فقالوا لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مال بقلبه الى تبرئة هذا الرجل من الانصار واتهام اليهودي.
وهذا الميل القلبي لا يؤاخذ عليه العبد، ولكن الله تعالى أمر رسوله بالاستغفار من هذا الميل القلبي لعلو مقامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نحو قول بعض العلماء "حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ"
مثال تمثل الشيطان ليحي بن زكريا –علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام- قال له يحي: هل أصبت منى من قبل ؟ قال ابليس: نعم شبعت يومًا فتثاقلت عن قيام الليل، فقال يحي: وَاللَّهِ ، لَا أَشْبَعُ أَبَدًا.

        

(وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)
(وَلَا تُجَادِلْ) يعنى وَلَا تُدافع
(عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ) يعنى الَّذِينَ يخونون أَنْفُسَهُمْ، وهم قوم "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" لأنهم دافعوا عن "طُعْمَةَ" حتى لا تكون سُبَة وفضيحة لهم، وهم يعلمون أنه هو الذي سرق.
وقوله تعالى (يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ) لأن الذي يخون فانه يخون نفسه قبل أن يخون غيره، لأن وبال الخيانة سيعود عليه.
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا) خَوَّانًا أي كثير الخيانة.
(أَثِيمًا) يقول ابن عباس: أَثِيمًا أي فاجرًا، لأن قوم "أُبَيْرِقٍ"جمعوا بين تسترهم على السارق، وشهادة الزور، واتهام رجل بريء بالسرقة، وأيضًا الكذب على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

        

(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ) أي يَسْتَترونَ ويستحيون مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَترونَ ولا يستحيون مِنَ اللَّهِ تعالى، وهم قوم "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" من "بنى ظَفَر"
(وَهُوَ مَعَهُمْ) أي وهو تعالى يشاهدهم ويسمع كلامهم
(إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) يعنى يدبرون ويتفقون فيما بينهم على ما لا يرضاه الله تعالى مِنَ الْقَوْلِ، وهي الشهادة الزور ببراءة صاحبهم، واتهام الرجل اليهودي بالسرقة.
وكلمة التبييت مأخوذة من البيت، لأن التدبير يكون داخل البيوت 

        

وهذه العبارة وهي قول الله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ) ينبغي أن تكون في ذهن كل مسلم.
يقول ابن القيم: "
أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات".
روي ابن ماجه في الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . 

        
(هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)
الخطاب للمؤمنين الذين جادلوا ودافعوا عن "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" وقومه
فيقول تعالى (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يعنى أنتم جَادَلْتُمْ ودافعتم عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وقد يفلتون بذلك من العقاب فِي الدُّنْيَا، فمن الذي سيجادل ويدافع عنهم أمام الله تعالى يوم القيامة ؟
(أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) يعنى ومن المحامي الذي يُوَّكل اليه أمرهم يوم القيامة ؟
فالقاضي في الدنيا من البشر، أما يوم القيامة فالقاضي هو الله تعالى الذي يعلم السر وأخفي
هذا الكلام موجه لكل محامي، نقول لا يجوز بأي حال أن يدافع المحامي عن المجرم أو الظالم، وانما يجوز له فقط الدفاع عن المظلومين، واذا كانت هذه هي نيته، وهي نصرة المظلومين فهو عمل شريف وعظيم وأجره عظيم عند الله تعالى.
روي أحمد وغيره أن رَجُلَانِ أخان مِنْ الْأَنْصَار جاءا الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْتَصِمَانِ فِي ميراث، فَقَالَ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَر، وَلَعَلَّ بَعْضكُمْ أَلْحَن بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقّ أَخِيهِ شَيْئاً فَإِنَّمَا أَقْطَع لَهُ قِطْعَة مِنْ النَّار.
فَبَكَى الرَّجُلَانِ وَقَالَ كُلّ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا ثُمَّ اِسْتَهِمَا"

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)
يقول ابن عباس أن الله تعالى بفضله وكرمه يعرض بهذه الآية التوبة على "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" وقومه الذين شهدوا معه زورًا.
وقيل أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة، ذلك أنه جاء إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال : إني لنادم فهل لي من توبة ؟ فنزلت هذه الآية (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) ولا شك أن الآية عامة 

        

يقول تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا) أي يذنب أي ذنب سواء كبيرًا أو صغيرًا
(أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) هذا لبيان أن العبد اذا أذنب فانه يظلم نفسه
(ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)
يقول عبد الله بن مسعود أن هذه الآية من ارجي آيات القرآن العظيم.
يقول تعالى في الحديث القدسي (يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي -يعنى لا أبالي بهذه المعاصي- يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ –أي بمليء الأرض- خطايا ثمَّ لقيتَني –أي يوم القيامة- لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً)

        

(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)
(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا) يعنى ومن يعمل ذنباً.
(فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) يعنى فَإِنَّمَا يعود وباله عليه.
كما نقول في المثل الشعبي "اللى بيشيل قربة مخرومة بتخر على دماغة"
فهؤلاء الذين دافعوا عن "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" من قومه، لماذا تدافعون عنه بالباطل ؟ مع أن الذنب الذي ارتكبه سيعود وباله عليه هو، وليس عليكم.

        

(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) 
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) الخَطِيئَةً:هي المعصية الصغيرة .
(أَوْ إِثْمًا) الإثم هي المعصية الكبيرة .
(ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا) يعنى ثُمَّ يزيد في خطيئته وفي ذنبه بأنه يتهم بهذا الذنب شخصًا بَرِيئًا كما فعلوا قوم "أُبَيْرِقٍ"
(فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) قال تعالى احْتَمَلَ ولم يقل حمل، لأن الحمل ما تستطيع حمله، ولكن احْتَمَلَ تكون في شيء فوق طاقة الانسان، مما يدل على عظم هذا الذنب.
والبهتان هو أشد أنواع الكذب وسمي بذلك لأنه يبهت ويدهش من يرمي به. 
(وَإِثْمًا مُبِينًا) أي إِثْمًا واضحًا

(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) يعنى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ يا محمد وَرَحْمَتُهُ لكادت طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وهم قوم "بنى أبيرق" أَنْ يُضِلُّوكَ
(لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) أي يُضِلُّوكَ بأن تقضي بغير الحق في قضية "طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ" والرجل اليهودي.
(وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) يعنى وان حكمت بغير الحق، فلن يضرك ذلك لأنك تحكم بالظاهر. 
(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) وهو القرآن العظيم
(وَالْحِكْمَةَ) وهي السنة وقيل هي فهم القرآن والمعنى واحد.
(وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) يقول ابن عباس هو علم  الشرع.
فالعلم نعمة من الله تعالى، و احتج الغزالي رحمه الله بهذه الآية على فضل العلم، وقد كان من دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ عِلمًا نافعًا"
(وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) وفَضْلُ اللَّهِ تعالى على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضلًا عَظِيمًا، لأنه اصطفي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جميع البشر، فهو خير خلق الله، منذ آدم وحتى قيام الساعة، ومنزلته يوم القيامة هي أعظم منزلة، ودرجته في الجنة هي أعظم درجة  

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇