Untitled Document

عدد المشاهدات : 1556

الحلقة (307) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيتين (129) و(130) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ ت

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة (307)
تدبر الآيتين (129) و(130) من سورة "النِسَاء" (ص 99)

        

وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)
        

هذه الآية المخاطب بها من هو متزوج أكثر من زوجة واحدة، فيقول تعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) والمعنى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ في الميل القلبي 
قال بعض المفسرون في الميل القلبي والجماع.
يعنى اذا كان لا يستطيع أن يجامع احدي زوجاته لأنه لايشعر بالرغبة فيها، فلا يشترط العدل في الجماع لأن هذا أمر خارج عن ارادته.
أما اذا تعمد ترك جماع احدي زوجاته، حتى تتوفر له القوة على جماع الزوجة الأخري فلا يجوز له ذلك.
يقول تعالى (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) يعنى  وَلَوْ اجتهدتم وحاولتم ذلك
كان الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:‏ اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ‏!‏

        

ثم يقول تعالى (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) 
يقول ابن عباس (كُلَّ الْمَيْلِ) أن يميل بفعله كما مال بقلبه. 
يعنى اذا كنت تميل بقلبك الى أحدي زوجاتك، فلا تميل اليها في الأمور المادية، كالنفقة، والسكن، والمبيت، وبشاشة الوجه، وحسن الحديث، والمؤانسة، والمواساة، الأبناء.

        

(فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) يعنى تميل عن احدي الزوجات فتتركها (كَالْمُعَلَّقَةِ) لا هي زوجة لها زوج يحسن عشرتها، ولا هي مطلقة فتلتمس زوجًا آخر يحسن عشرتها.
يقول الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ"
اذن المطلوب ممن له أكثر من زوجة، أن يجتهد في تحقيق العدل على قدر ما يستطيع.
وكان لمعاذ بن جبل امرأتان فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد .

        

(وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا) وَإِنْ تُصْلِحُوا يعنى وَإِنْ تعدلوا بين النساء (وَتَتَّقُوا) أي وَتَتَّقُوا الجور والظلم 
(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) فَإِنَّ اللَّهَ تعالى سيغفر لكم ما لا تملكون وهو الميل القلبي، وهذه من رحمته تعالى بعباده المؤمنين. 

        

روى أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان أميرًا للمؤمنين، بعث إلى أزواج الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمال من بيت مال المسلمين، فقالت عائشة رضي الله عنها: أإلى كل أزواج رسول الله بعث عمر مثل هذا ؟ قالوا: لا، بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهنّ بغيره، فقالت: ارفع رأسك فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه، فرجع الرسول فأخبره، فأتم لهن جميعاً.
        

ورد سؤال من سيدة تقول أن زوجها متزوج من ثلاثة أخريات، ولكنه يحبها أكثر من الأخريات، ولذلك فهو يبيت عندها أكثر، وهي تنهاه عن ذلك، فهل يجوز لها أن تعبس في وجهه اذا جائها في غير وقتها.
        

وهذه الآية الكريمة فيها الرد على شبهة نسمعها كثيرًا ممكن يدعون فهم القرآن العظيم، فهم يقولون أن الله تعالى يقول في الآية رقم (3) من سورة النساء (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) يعنى ان خفت ألا تعدل بين زوجاتك، فلا تتزوج أكثر من زوجة واحدة، واكتفي بزوجة واحدة.
ثم يقول تعالى في هذه الآية (وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) يعنى لن تستطيع أن تعدل بين زوجاتك، ولو حاولت أن تعدل بينهم.
فاذا كان الله تعالى يقول لك أنك لن تستطيع أن تعدل بين زوجاتك، ويقول لك اذا لم تعدل فلا تتزوج، فمعنى هذا أنه لا يجوز لك أن تتزوج أكثر من زوجة واحدة.
وقبل أن نرد نقول: معنى هذا الكلام أن هناك تناقض بين آيات القرآن العظيم، آية تقول لك تزوج بشرط أن تعدل بين زوجاتك، وآية تقول لك لا تستطيع أن تعدل، كما نقول: تعطي باليمين وتأخذ بالشمال.
نقول: يقول تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) يعنى –كما ذكرنا- في الميل القلبي. 
بدليل قوله تعالى في نفس الآية (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) يعنى هناك هامش من الميل مسموح به، وهو –كما ذكرنا- الميل القلبي.

        

(وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)
(وَإِنْ يَتَفَرَّقَا) يعنى وَإِنْ تفرق الزوج والزوجة  بالطلاق.
(يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) أي يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا من الزوج والزوجة، مِنْ سَعَة عطائه.
يعنى نكون هناك حياة أفضل بعد الطلاق من الحياة أثناء الزواج ؟
مثلًا وليس شرطًا: أن تتزوج المرأة برجل آخر يكون افضل لها من الزوج الأول، ويتزوج الرجل من زوجة أخري تكون افضل له من الزوجة الأولى.
(وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) أي وَاسِعًا في عطائه، حَكِيمًا اذ شرع الطلاق.

        

لا يعنى هذا على الاطلاق أننا نستسهل خطوة الطلاق، احصائية تقول أن 40% من حالات الزواج الجديد في مصر تنتهي بالطلاق. 
يأتي أحدهم ويقول: لا أحب زوجتى، وتأتي واحدة تقولك حاولت أحبه مش قادرة، جاء رجل الى "عمر بن الخطاب" وقال له أنه يريد أن يطلق زوجته لأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟
ذكرنا حديث الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وقلنا أن الطلاق هو آخر الحلول، وقبله خطوات كثيرة، قال تعالى (فَعِظُوهُنَّ) تتحدث اليها مرة واثنين وعشرة (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع) الخطوة الثانية )وَاضْرِبُوهُنَّ) لو كان ذلك مفيدًا، ثم الخطوة الرابعة (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) ثم الخطوة الخامسة (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) يعنى تتناول عن بعض حقوقها، حتى تستمر الحياة الزوجية.
فاذا لم يجدي كل ذلك، فهذا يعنى أن استمرار الحياة الزوجية جحيم لكل منهما، ولذلك شرع الله الطلاق 
أعجبتنى مقولة لسيدة تقول: أباح الله الطلاق لتنتهي القصص المحزنة

        

اذن هذا الوعد الالهي وهو قول الله تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) اذا لم تستسهل الطلاق، واتقيت الله في الزواج، واذا حدث الطلاق فانه يكون على كتاب الله كما كان الزواج على كتاب الله (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان)


        

ذهبت زوجة الى القاضي وقالت أن زوجها طلقها وعليه مهر خمسمائة دينار، فأنكر زوجها، وأحضر شهود، فأمر القاضي المرأة أن تكشف وجهها حتى يعرفها الشهود، فقال زوجها: لها المهر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها، فبكت المرأة وقالت: واني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر، فقال القاضي: اكتبوا هذا في مكارم الأخلاق.
رأيت مرة في أحد الفنادق رجل وأمرأة مطلقين خرجا معًا في هذه الرحلة للترفيه عن أبنائهم، وفي صالة الطعام كل واحد يجلس على طاولة 
للأسف هذه النماذج قليلة، اذا حدث الطلاق، فأول شيء يفعله الطرفين أن يهرعا الى المحامي، وقد يظلا في المحاكم عشر سنوات، ويلجآ الى شهود زور، وكان الأولى أن يعطي كل طرف الى الآخر حقوقه 

        

اذن فهذه الآية الكريمة الآية، وهي قول الله تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) تطبطب على المرأة المطلقة والرجل المطلق، لأن الطلاق هو من أقصى وأصعب التجارب التى قد  تعيشها المرأة والرجل أيضًا، فالاية تقول لكل أمراة أو رجل مطلق أن الطلاق ليس نهاية العالم، بل قد يكون بداية لحياة جديدة أفضل
هناك مديرة مدرسة اعدادية متميزة جدًا، ومدرستها مصنفة من أفضل المدارس، طلقت من زوجها، فانهارت تمامًا وانعزلت وأخذت اجازة بدون مرتب، وكانت من وسط متعلم، فالتفت حولها أسرتها وصديقاتها وأخرجوها من حالة الاحباط والاكتئاب وعادت الى عملها أفضل مما كانت، ثم تزوجت وأنجبت، وكانت تقول: لم أكن أعلم أن الحياة بمثل هذا الجمال.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇