Untitled Document

عدد المشاهدات : 1395

الحلقة (314) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الايتين (148) و (149) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ ت

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة (314)
تدبر الايتين (148) و (149) من سورة "النِسَاء"(ص 102)

        

(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) 
        

(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)
(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) 
غالبًا نجد أن الله تعالى يستخدم كلمة(لَا يُحِبُّ) ولا يستخدم كلمة (يكره) فلم يقل تعالى (يكره اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) وهذا من تلطف الله تعالى في مخاطبة عباده

        

والسوء من القول هو ما يسوء من يقال فيه
والمعنى أن الله تعالي لا يحب الله الجهر بالأقوال السيئة التي تسوء من يقال فيه، مثل السب والشتم والفحش والغيبة والنميمة وغير ذلك

        

يقول تعالى (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يعنى يُسْتَثْنَى من ذلك المظلوم الذي تعرض للظلم، فجهر بالشكوي ممن ظلمه، سواء لحاكم أو قاضي أو مسئول أو أي شخص يرجو مساعدته في ازالة هذا الظلم، فان الله تعالى لا يحب لعبده أن يسكت على الظلم أو على ضياع حقه.

 

 
        

 
وقال البعض أن المعنى يشمل أن من شتمك يجوز لك أن ترد عليه 

 

وان كان الأولى والأفضل هو عدم الرد عليه، كما قال تعالى (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) 
روي  أن رجلاً شتم أبي بكر الصديق والنبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاضر، فسكت عنه أبو بكر ولم يرد عليه، ثم شتمه مرة ثانية فلم يرد أبو بكر، ثم شتمه للمرة الثالثة فرد عليه أبو بكر، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلحقه أبو بكر‏:‏ يا رسول الله شتمني وَأَنْتَ جَالِسٌ، حتى إِذا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ قمت‏ ؟‏‏!‏ فقال "كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، جاء الشَّيْطَانُ ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ"
        

وذهب جماعة من المفسرين إلى أن المعنى أنه يجوز للمظلوم الدعاء على من ظلمه.
والأولى –كذلك- عدم الدعوة عليه –كما قال ابن عباس- روي أبو داود أن أمنا عائشة سرق منها شيء، فجعلت تدعو عليه، فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ"  أي لا تخففي عنه العقوبة بدعائك عليه .
روي أن رجلًا سرق منه نعله وهو في الحرم، فبكي فقيل له: هذا نعل لا يستأهل أن تبكي عليه، فقال لا أبكي على النعل، ولكن أبكي رحمة على من سرقه، ماذا سيقول لربه ان سأله وقال له سرقت في حرمي.

        

(وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) 
دائمًا نجد في القرآن العظيم أن تذييل الآية مناسب لصدر الآية
صدر الآية فيها اباحة الجهر بالسوء من القول لمن ظلم، فناسب أن يكون تذييل الآية (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) أي أن الله سميع لقولك وأنت تجهر بالسوء من القول، عليم بحقيقة الظلم الذي وقع بك، فإياك أن تتعدي في الجهر الذي أذن به الله تعالى، فتنقلب من مظلوم الى ظالم.

        

(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ)
وطالما أن اللَّهُ لَا يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، فهو تعالى –بمفهوم المخالفة- يُحِبُّ الطيب مِنَ الْقَوْلِ
دخل رجل على "ابن سيرين" رحمه الله، وقال له رأيت أن أسناني قد وقعت كلها، فعلم ابن سيرين أن ابناءه وزوجته وجميع أهل بيته سيموتون، فلم يشأ "ابن سيرين" أن يقول له ذلك، وانما قال له ابشر بطول عمر فانك آخر من يموت من أهلك.

        

(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) 
(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا) يعنى إِنْ تقولوا كلامًا طيبًا رقيقًا لينًا، بدلًا من (الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) فهذا افضل
(أَوْ تُخْفُوهُ) يعنى وأن تُخْفُوا الخير، والخير يشمل كل أعمال الخير والبر، من صلة رحم وبر الوالدين، ورحمة بيتيم، ووقوف الى جوار مظلوم، مساعدة أرملة أو مسكين، فاخفاء هذا الخير أفضل من اظهاره، لأنه أدعي الى الإخلاص.
اذن فليس المطلوب هو اخفاء الصدقة فقط، ولكن اخفاء أي عمل من أعمال الخير.
اذا عملت عمل في السر فانه يكتب في صحيفة السر، فاذا تحدثت به فانه يسقط من صحيفة السر الى صحيفة العلانية. 

        

(أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ)  يعنى تَعْفُوا عَنْ مظلمة.
بعد أن أباح الله –تعالى- في الآية السابقة الانتصار من الظالم، حث –تعالى- في هذه الآية على العفو، فقال تعالى (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ)   يعنى تَعْفُوا عمن ظلمك وتترك الانتصار منه.

        

(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)
(عَفُوًّا) صيغة مبالغة من العفو، يعنى كثير العفو عن عباده العصاة، ويعفو عن الذنوب العظيمة.
 ورد في الأثر أن حملة العرش يسبحون الله فيقولون سبحانك على عفوك بعد قدرتك.
وقوله تعالى
(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) تحمل معنيين: الأول: أن الله تعالى عفو عن عباده مع قدرته تعالى عليهم، فعليكم أن تقتدوا به تعالى، فاذا كان الله عفوًا قديرًا فكن أنت أيضا عفوًا عند القدرة.
يقول علي بن أبي طالب "
إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه".
المعنى الثاني: أن الله سيقابل عفوك عن الناس بعفوه عنك 
فالجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى في سورة النور (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوٓاْ ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
وفي الحديث الصحيح
" ما نقص مال من صدقة ولا زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزا"

        

قلنا في الآية السابقة، أن الله تعالى يقول (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وقلنا أن الله تعالى أباح للمظلوم أن يجهر بالشكوي ممن ظلمه، وقلنا لأن الله تعالى لا يحب لعبده أن يسكت على الظلم أو على ضياع حقه، بل ربما يجب عليه ذلك، حتى لا يتمادي الظالم في ظلمه، وحتى تريح الناس من شره.
ولكن بعد ذلك تحث هذه الآية على العفو عن الظالم، فيقول تعالى (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ)   
نقول الرد على ذلك في تذييل الآية بقوله تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) يعنى العفو المندوب اليه هو العفو عند المقدرة، وليس العفو مع عدم القدرة. 


        

خرج الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أحد الغزوات، وهي غزة "ذات الرقاع" وأثناء العودة، نزل الجيش ليستريح وقت القيلولة، وكان الوادي كثير الشجر، فتفرق الجيش، كل واحد تحت شجرة ليستريح وينام، وعلق الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيفه على غصن شجرة ونام، فجاء رجل من المشركين أسمه " غَوْرَث  بن الحارث" وهو من القوم الذين غزاهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخذ السيف، وانتبه الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له الرجل: من يمنعك منى ؟ فقال الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الله الله الله" فسقط السيف من الرجل، فأخذه الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له: من يمنعك منى ؟ فقال له الرجل: كن خير آخذ. 
فقال له الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتشهد أن لا إله إلا الله -تَعَالي-، وأني رسول الله ؟ قال: لا، ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، فخلى سبيبه، ثم ذهب الى قومه، وقال لهم: قد جئتُكم من عندِ خير الناس، ثم أسلم هذا الرجل، واهتدي به خلق كثير.

        

ومن عفو الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عفوه عن أهل مكة يوم الفتح، عندما قال: مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ قالوا: خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:  لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
        

روي أن غلام لعلى زين العابدين بن الحسين، كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من الخزف، فوقع الإبريق على رجل زين العابدين فانكسر الإبريق، وجرحت رجل زين العابدين، فغضب، وتغير وجهه .
فقال الغلام : سيدي، يقول الله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ" .
فقال زين العابدين : لقد كظمت غيظي .
فقال الغلام : ويقول تعالى : "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" .
فقال زين العابدين: لقد عفوت عنك .
قال والله يحب المحسنين
قال اذهب فانت حر لوجه الله .

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇