Untitled Document

عدد المشاهدات : 1175

الحلقة (349) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (45) و(46) و(47) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (349)
تدبر الآيات (45) و(46) و(47) من سورة "المائدة" (ص 115)

        

(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)

        

بعد أن ذكر الله –سبحانه وتعالى- كيف جاء يهود المدينة الى الرسول ﷺ يلتمسون حكمًا في قضية رجل وامرأة ارتكبا جريمة الزنا، وكانوا يرجون من ذلك أن يأتي الرسول ﷺ بحكم يخالف الحكم الموجود عندهم في التوراة وهو الرجم، يبين الله تعالى في هذه الآيات مقام التوراة، وعاقبة الخروج على الأحكام التي في التوراة، وكيف كان ذلك سببًا في ضياعهم وقساوة قلوبهم.
        

(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) أي فرضنا على بنى اسرائيل في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) أَنَّ النَّفْسَ القاتلة تقتل قصاصًا مقابل النفس التي قتلتها.
تَنْبِيهٌ: احْتَجَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ قُتِلَا بِهِ لَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِ: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.
ولكن الجمهور على أن الجماعة تقتل بواحد، وهذا هو فعل "عمر بن الخطاب"

(وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) اذا فقأ أحد عين أحد فانه يعاقب بأن تفقأ عينه قصاصًا.
(وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) اذا قطع أحد أنف أحد فانه تقطع أنفه قصاصًا.
(وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) اذا قطع أحد أذن أحد فانه تقطع أذنه.
(وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) من كسر لأحد سنًا تكسر نفس سنته قصاصًا.
حتى من كسر جزءًا من السن، فانه يكسر نفس الجزء من السن.

(وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) كل من جرح أحد عامدًا يقتص منه بأنه يجرح نفس الجرح.
أما اذا كان عن طريق الخطأ ففيه الدية
مقدار الدية: العضو الذي لا يملك الانسان منه الا عضو واحد، فديته دية القتل الخطأ وهو ما يعادل مائة من الأبل.
واذا كان يملك من العضو اثنان فيأخذ نصف الدية، مثل العين والأذن واليد والرجل فيأخذ نصف دية.
واذا كان يملك من العضو عشرة وهي الأصابع يأخذ عشر دية. 

        

يقول تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) أي وفرضنا على بنى اسرائيل في التوراة.
في سفر الخروج، الاصحاح (21)
(من ضرب إنسانًا فمات يُقتَل قتلاً". "وإن حلَّت أذيَّة تُعطي نفسًا بنفس وعينًا بعين وسنًّا بسنٍّ ويدًا بيد ورِجلاً برجل وكيًّا بكيٍّ وجرحًا بجرح ورضًّا برضّ.)
سفر اللاويين الاصحاح رقم 24 ( واذا احدث انسان في قريبه عيبا فكما فعل كذلك يفعل به. 20 كسر بكسر وعين بعين وسن بسن.كما احدث عيبا في الانسان كذلك يحدث فيه. 21)
        

سؤال هل هذا الحكم عندنا ؟ نقول نعم. والقاعدة عندنا: ان شَرْعَ من قبلنا من الأديان السماوية شرعٌ لنا ما لم يرد نسخُه في القرآن.
        

(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) يعنى فاذا عفي المجنى عليه عن المعتدي، وتنازل عن حقه في  القصاص، فان الله يكفر بها عن ذنوبه.
وهنا يشجع الله المعتدي عليه فان أن يعفو عن المعتدي، فيقول أن هذا العفو صدقة منه على المعتدي، ويقول أنه تكفير عن ذنوبه.
ويقول النبي ﷺ "أيعجِز أحدكُم أن يكون كأبي ضمضم؟ كان اذا خرج من بيته تصدَّق بعرضه على الناس" ( يعنى يسامح كل من يؤذيه
وأبو ضمضم هذا مّمن كان قبلَنا من الأمم السابقة، كما جاء في رواية ابي داود.

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) عدم الحكم بما أنزل الله ظلم من وجهين، فهو أولًا ظلم للنفس بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب.
وظلم لمن اعتدي عليه 

        

(وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) 
(وَقَفَّيْنَا) أصلها القفا وهو خلف العنق، (وَقَفَّيْنَا) أتبعنا
كما نقول (عقبنا) من العقب وهو ما نقول عليه كعب القدم.

(وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) يعنى أرسلنا بعد أنبياء بنى اسرائيل "عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ" وهو آخر أنبياء بنى اسرائيل.
(مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) أي مؤمنًا وعاملًا بالتوراة التي أنزلت على موسي من قبله.
(وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) وَأنزلنا عليه الْإِنْجِيلَ فِيهِ هداية وَنُورٌ يتبين بها الحق من الباطل.
        

وهذا يبين فضل القرآن العظيم على التوراة والانجيل، فحينما تحدث تعالى عن  التوراة قال (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ( وعندما ذكر الانجيل قال تعالى (وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ)
ولكن عندما ذكر تعالى القرآن قال تعالى (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) وقال تعالى في سورة النساء (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) 
وفرق بين أن يكون الكتاب فِيهِ هُدًى وَنُورٌ، وبين أن يكون الكتاب كله هُدًى ونور، وهذا يدل على ان القرآن العظيم هو أفضل الكتب السماوية، يقول تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)

        

(وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) التكرار للتأكيد، أن عيسي –عليه السلام- هو أحد أنبياء بنى اسرائيل، وأنه جاء بتصديق التوراة التي أنزلت على موسي.
(وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)
هذا عن الانجيل، أنه هُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، ولكن المقصود الانجيل الحقيقي الذي انزل على عيسي، وليس الاناجيل الآن والتي تعرضت للتحريف.
        

(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
ليس معنى الآية هو الأمر لأهل الْإِنْجِيلِ من النصارى بالعمل الآن بما في الانجيل، لأن الأناجيل الموجودة بين أيديهم الآن محرفة، وقد جاء القرآن الكريم ناسخًا لما قبله من الكتب وناسخًا لما قبله من الشرائع، يقول تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) 
ولكن المعنى أننا أمَرْنَا أَهْلُ الْإِنْجِيلِ وهم أتباع عيسي –عليه السلام- أن يعملوا بالأحكام التي أنزلها الله تعالى في الانجيل.

        

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) 
يعنى الذين خالفوا أمر الله تعالى، ولم يحكموا بما أنزل الله في الانجيل فهم فاسقون.
والفسق هو الخروج عن طاعة الله عز وجل، من قولهم "فسقت الرطبة" اذا خرجت عن قشرتها، وكما أن الطربة اذا خرجت عن قشرتها تفسد فكذلك المرء اذا خرج عن طاعة الله فان حياته تفسد وآخرته تفسد.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇