Untitled Document

عدد المشاهدات : 980

الحلقة (352) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (51) و (52) و(53) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (352)
تدبر الآيات (51) و (52) و(53) من سورة "المائدة" (ص 117)

        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) 
        

ذكر أهل التفسير ثلاثة أقاويل في سبب نزول هذه الآية الكريمة :
القول الأول: أنها نزلت في "عُبادة بن الصامت" و"عبد الله بن أبي ابن سلول" وكان "عُبادة بن الصامت" أحد سادات الخزرج، وكان بينه وبين بعض يهود المدينة حلف،  وكان "عبد الله بن أبي ابن سلول" كذلك أحد سادات الخزرج، وكان بينه أيضًا وبين اليهود حلف.
والأحلاف أو الموالاة كانت أحد الأنظمة الاجتماعية  الموجودة في الجاهلية، ومعنى الحلف أن يتفق طرفان أو عدة أطراف على التناصر، أو كما نطلق عليه الآن "اتفاقية دفاع مشترك" وسميت حلف لأنه بعد الاتفاق يحلف الطرفان على الالتزام  ببنود الاتفاق.
فلما كانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة، وانتصر المسلمون على قريش، ظهرت كراهية اليهود و حقدهم على المسلمين، حتى أنهم قالوا للرسول ﷺ: لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
فلما قالوا ذلك ذهب "عبادة بن الصامت" الى الرسول ﷺ وقال: "يا رسولَ اللهِ ، إنَّ أوليائي من اليهودِ كثيرًا سلاحُهُم ، شديدةٌ شوكتُهم ، وإنِّي أبرأُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ من ولايتِهِم ، ولا مولَى لي إلَّا اللهَ ورسولَهُ" 
فلما علم بذلك رأس المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول" قال: لكنِّي لا أبرأُ من ولاءِ يهودَ ، إنِّي رجلٌ لابُدَّ لي منهم. 
فأنزل الله تعالى هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)

        

والقول الثاني: انها نزلت في "أبـي لبـابة بن عبد الـمنذر" من الأوس حين حاصر الرسول ﷺ بنى قريظة خمسة وعشرين يومًا، وأمرهم أن يستسلموا بلا قيد ولا شرط، فطلبوا أن يرسل اليهم "أبي لبابة بن عبد المنذر" حتى يستشيروه، وكان صديقًا وحليفًا لهم في الجاهلية، فلما ذهب اليهم "أبو لبابلة" قالوا له: يا أبا لبابة ! أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ فأشار الى حلقه أي الذبح، يعنى اذا استسلمتم فسيذبحكم جميعًا، فكأنهم يقول لهم: اياكم أن تستسلموا، واستميتوا في الدفاع عن حصونكم، وندم أبو لبابة على ذلك ندمًا شديدًا، ونزل قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)
        

القول الثالث أنها نزلت في رجلين من الأنصار لما وقعت هزيمة أحد، أصابهما الخوف، فقال أحدهما: أني ذاهب الى فلان اليهودي فأتهود معه لعله ينفعني اذا وقع أمر، وقال الآخر: انى ذاهب الى فلان النصراني فأواليه وأتنصر معه، فأنزل تعالى هذه الاية الكريمة.
        

والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، فهذه الأقوال في سبب نزول الآية تفيد في معرفة معنى الموالاة المنهي عنها.
"الأوْلِيَاءَ" جمع "ولى" وكلمة "ولى" يعنى القريب، كما نقول يليه في الصف، يعنى يقف خلفه مباشرة، ونقول "أولياء المقتول" يعنى أقاربه، ونقول "ولى المرأة" يعنى الذي ينوب عنها في عقد النكاح، ونقول "أولياء الله" يعنى القريبين من الله تعالى.
فكلمة "ولى" يعنى القريب، ولذلك استخدمت كذلك بمعنى المحب والمناصر.
فقوله تعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) يعنى لا تتخذوا من الْيَهُودَ أوَالنَّصَارَى أو من غيرهم من غير المسلمين  حلفاء أو أنصار، تنصرونهم وينصرونكم، أو تطلعوهم على أسراركم، أو تعتمدوا عليهم اعتمادًا كبيرًا في ادارة شئونكم.
        

والآية نزلت في كل من يوالى اليهود أو النصارى او غيرهم من غير المسلمين، سواء بوذيين أو هندوس أو سيخ أو ملحدين.
لأن اليهود والنصاري هم أقرب الكفار الى المسلمين، فاذا كان تعالى قد نهي عن موالاة اليهود والنصاري فغيرهم من الكفار أولى بهذا النهي.
ولذلك لما جاءت فرقة من اليهود تريد أن تشترك مع الرسول ﷺ في غزوة أحد ردهم النبي ﷺ
وكان أبو موسي الأشعري له كاتبًا نصرانيا فنهاه عمر بن الخطاب عن ذلك، وقال له أما سمعت قول الله تعالى (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ) فقال أبو موسي: له دينه ولى كتابته. فقال: لا أكرمهم إذا أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله. ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله، قال أبو موسي: لا قوام للبصرة إلا به. فقال: مات النصرانى والسلام. يعنى: اعتبره قد مات 

        

(بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
يعنى اليهود أَوْلِيَاءُ بعض على المؤمنين، والنصاري أَوْلِيَاءُ بعض على المؤمنين، واليهود والنصاري معًا أولياء بعض على المؤمنين ، هذا بالرغم من عداوتهم بينهم وبين بعض الا أنهم أولياء وأنصار بعض في مواجهة المسلمين. 
وهذا هو الواقع الآن فبرغم العداوات بين اليهود والنصاري وبين فرق النصارى بعضهم البعض، وهي عداوات تاريخية، وحروب دينية استمرت سنوات طويلة، قال تعالى (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) الا أنهم يدَا واحدة في مواجهة لمسلمين.
وهذا العبارة (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) توجيه هام من الله تعالى: كما أنهم ينصرون بعضهم بعضًا، وكما انهم يدًا واحدة في مواجهتكم، فكونوا أنتم أيضًا أولياء بعض وأنصار بعض.

        

(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) 
يعنى من ينصرهم على المؤمنين، أومن أحب نصرهم على المؤمنين  (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي في الكفر، وهذا قول ابن عباس.
وهذا الآن مثل رجل مسلم، يتعاون مع الكيان الصهيوني، وينقل اليهم الأخبار، هذا نطلق عليه "جاسوس" ويكون حكمه في القانون هو الاعدام شنقًا.

        

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يعنى من ظلم نفسه وظلم غيره بأن والى غير المؤمنين فان الله لا يوفقه ولا يهديه.
        

في غزوة بدر كان في صفوف المسلمين "مصعب بن عمير" وكان في معسكر المشركين أخيه "أبو عزيز بن عمير" وانتصر المسلمون –كما نعلم- ووقع "أبو عزيز بن عمير" في الأسر، فمر "مصعب بن عمير" بأخيه ورجل من الأنصار قد اسره، فقال له مصعب: شد وثاقه، فان له أم غنية لعلها تفديه بمال كثير، فقال له "أبو عزيز" أهذه وصاتك بي ؟ قال: أنه أخي دونك.
        

كل هذا لابد أن نفهمه في اطار قوله تعالي في سورة الممتحنة (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
اذن النهي عن المولاة، وهو كما قدمنا أن تنصرهم على المؤمنين، وأن تطبعهم على أسرار المسلمين، ولكن ليس هناك مانع في أن نبرهم، قال تعالى (أَن تَبَرُّوهُمْ) والبر كلمة تجمع كل أنواع الخير والاحسان، قال تعالى (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) يعنى نعاملهم بالعدل.


        

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)
هذه الآية نزلت في رأس النفاق "عبد الله بن أبي سلول" عندما نقضت "بنو قينقاع" ما بينهم وبين الرسول ﷺ فحاربهم الرسول ﷺ حتى نزلوا على حكمه –يعنى استسلام بلا قيد ولا شرط- فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول، وكان حليفًا لهم، وقال: يا محمد أحسن في موالى، فأعرض عنه الرسول ﷺ ولم يرد عليه، فأمسك الرسول ﷺ من درعه.  وقال له: يا محمد أحسن في موالى، فغضب الرسول ﷺ وقال: ويحك أرسلني، فقال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال الرسول ﷺ: هم لك"
        

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم المنافقون.
فالشك والنفاق مرض يصيب القلب

 (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) يعنى يُسَارِعُونَ ويتهافتون على مولاتهم ونصرتهم والتحالف معهم.
ولم يقل تعالى "يُسَارِعُونَ اليهم" وانما قال تعالى (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) اشارة الى أنهم مع هؤلاء الكفار من بداية الأمر، واشارة الى أنهم يتنقلون من درك الى درك.
 
(يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) 
الدائرة هي : المصيبة من مصائب الدهر ، وسميت دائرة لأنها تحيط بالناس كما تحيط الدائرة بما في داخلها .
كما قال تعالى في سورة التوبة (‏يتربص بكم الدوائر‏)
والمعنى أن هؤلاء المنافقون يقولون في أنفسهم نَخْشَى ألا يدوم الأمر لمحمد، وأَنْ يتحول النصر للأعداء.

(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) 
(عَسَى) لفظ يدل على الرجاء، ولكن اذا كان من الله فهو على التحقيق، لأن الله لا يتمني شيئًا، ولا يرجو شيئًا، ولكن اذا أراد الله تعالى شيئًا فانه لابد ان يتحقق.
(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) أي انتصار للمؤمنين على أعدائهم من الكافرين. 
(أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) يعنى هزيمة تكون لهؤلاء الأعداء دون أن يكون للمسلمين فعل فيها.
كما ألقي الله في قلوب بنى النضير ثم بنى قريظة الرعب، فاستسلموا وسلموا ما بأيديهم دون قتال.

(فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
أي فَيُصْبِحُوا نادمين على توليهم الكفار اذا رأوا نصر الله للمؤمنين.
        

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) 
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا) يعنى: وَعسي أن يَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا عندما يأتي الفتح من الله أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ.
(أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ)
يعنى يقول المؤمنين تعجبًا وسخرية من أمر المنافقين: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حلفوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ كذبًا إِنَّهُمْ مَعَنا ومن أنصارنا.؟
وقوله تعالى (جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) يعنى اجتهدوا في القسم والحلف، وهذا يدل استهانتهم بالله تعالى.
(حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) يعنى ضاعت وذهبت وبطلت أجور أَعْمَالُهُمْ التي عملوها في الدنيا، لأنهم منافقون عملوا هذه الأعمال بغير صحة ايمان بالله ورسوله 

(فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ) يعنى فأصبح هؤلاء المنافقون من الخاسرين في الدنيا والآخرة.
خسروا في الدنيا لأن اليهود الذين والوهم قتلوا واجلوا عن المدينة، ثم خسروا في الآخرة لأنهم سيكونون في الدرك السفل من النار. 
وهذا هو مصير جميع المنافقين: الخسران في الدنيا والآخرة.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇