Untitled Document

عدد المشاهدات : 1481

الحلقة (357) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (64) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ...

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (357)
تدبر الآية (64) من سورة "المائدة" (ص 118)

❇        

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
❇        

يقول تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) مَغْلُولَةٌ يعنى موثوقة ومقيدة ، والمقصود باليد هنا هو البذل والعطاء، كما قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط) 
فكانت العرب تقول: فلان يده مغلولة يعنى بخيل، كما نقول في التعبير الدارج (فلان ايده ماسكة) 
فقوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)  أن الْيَهُودُ يقولون أن اللَّهَ بخيل، يبخل علينا بعطائه، تعالـى الله عما يقولون علوّاً كبـير.

❇        

والذي قال هذه الكلمة هو "فِنْحَاص بن عازُوراء" وكان من أحبار اليهود، من بنى قينقاع، وتبعه في هذا القول عامتهم، ولذلك قال تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ)
وكان سبب هذه العبارة الفاجرة، أن اليهود قبل هجرة الرسول ﷺ كانوا أهل مال وثروة، فلما هاجر الرسول ﷺ الى المدينة، ورفضوا رسالته عاقبهم الله تعالى بالجدب وبقلة الأموال، وبدلًا من أن يتوقفوا عن عداوة الرسول ﷺ قالوا (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) أي أن الله يبخل علينا بعطائه،  وهذا من جرأتهم وسوء أدبهم مع الله تعالى.

❇        

يقول تعالى (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) 
هذا دعاء من الحق عليهم بالبخل، عقاب لهم على هذا القول. مسألة: اذا كان الله هو الذي نتوجه اليه بالدعاء، وهو الذي نطلب منه، فكيف يكون الدعاء منه تعالى ؟ نقول: اذا كان الدعاء من الله ، انتقل من الطلب الى الحكم، ولذلك فقوله تعالى (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) حكمًا عليهم بأن يكونوا بخلاء، ولذلك فاليهود هم أكثر الناس بخلًا وأقلهم إحسانا.
وهذا مثل قول الله تعالى في سورة الفتح (لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مُحَلِّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
فانتقل قوله (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) من الرجاء الى الخبر والبشارة، يعنى ستدخلون ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ مُحَلِّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ.
هناك تفسير آخر لقوله تعالى (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) يقول الحسن البصري: هذا وعيد لهم أي غلت أيديهم في نار جهنم.

❇        

(وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) يعنى وطُرِدوا من رحمة الله التي وسعت كل شيء، بسبب قولهم ذلك.
ولم يقل تعالى (لعنهم الله) بل قال (لُعِنُوا) لأن اللعن ليس من الله وحده، وانما هو من الله ومن الملائكة ومن الأنبياء ومن العباد الصاحين.

❇        

(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أي بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بالبذل والعطاء على خلقه.
وكان الظاهر أن يقول تعالى (بَلْ يَدَهُ مَبْسُوطَة) ولكنه تعالى قال (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) للمبالغة في وصف الله بالبذل والعطاء، كما كانت العرب تقول (فُلانٌ يُنْفِقُ بِكِلْتا يَدَيْهِ)

يقول الرسول ﷺ "يدُ اللهِ ملْأَى لا يُغِيضُها نَفَقَةٌ (لا يُنْقِصُها نَفَقَةٌ) سحَّاءُ اللَّيْلَ و النهارَ (سحَّاءُ: فياض العطاء) أرأيتم ما أنفَقَ منذُ خلَقَ السماواتِ و الأرضِ ؟ فإِنَّهُ لم يَغِضْ ما في يدِهِ."

❇        

(يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) 
يعنى الله –سبحانه وتعالى- اذا منع شيئًا فليس ذلك بخلًا، وانما لحكمة عنده تعالى.
فالله تعالى عطائه عطاء، ومنعه عطاء، وقد يكون المنع هو عين العطاء.
يقول تعالى في سورة الشوري (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)
وفي سورة الفجر (فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ) فقال تعالى بعد ذلك (كَلاَّ) يعنى ليس معنى أن الله تعالى قد قَدَرَ عَلَيْك رِزْقَك أن الله قد أهانك أو أذلك، قد يكون تقدير الرزق عليك هو قمة التوسعة وقمة العطاء.

❇        

(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) يعنى عندما تنزل عليك آيات من القرآن، فان كَثِيرًا من أهل الكتاب يزدادون طغيانًا وكفرًا
لأنه كلما أنزلت آيات من القرآن كفروا بهذه الآيات وأنكروها، فازدادوا بذلك طُغْيَانًا على طغيانهم، وَازدادوا كُفْرًا على كفرهم.

سمعت أن الشيخ "عبد العزيز بن باز" رحمه الله، عندما كان يفسر هذه الآية بكي وقال  "سبحان الله القرآن الكريم والذي هو منجاة العباد وهو الذي ترتاح اليه القلوب وتطمئن النفوس، يزيد البعض طغيانًا وكفرًا"

❇        

(وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) 
أي وَأَلْقَيْنَا بَيْنَ اليهود والنصاري الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. 
أو ألقينا بين طوائف اليهود الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
لأن اليهود طوائف متعددة، فمنهم من يؤمن بالتوراة والتلمود، ومنهم من يؤمن بالتوراة ولا يؤمن بالتلمود، ومنهم من يهتم بالطقوس، ومنهم من لا يهتم بالطقوس.

❇        

 (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) 
التعبير "أوقد أو أشعل نار الحرب" أصله أن العرب كانوا اذا أرادوا الحرب يصعدون الى أعلى جبل ويوقدون نارًا، فتكون اعلامًا لمن يريد أن يشترك معهم في الحرب، أو انذارًا لمن سيحاربونهم.
فقوله تعالى (أَوْقَدُوا نَارًا) كناية عن اشعال الحرب، وقوله تعالى (أَطْفَأَهَا اللَّهُ) كناية عن خذلانهم وهزيمتهم
وهي تعنى أنهم كلما أشعلوا نار الفتنة والتحريش والعداوات بين المؤمنين (أَطْفَأَهَا اللَّهُ) فأفسد مخططاتهم، كما حدث عندما كانوا يحاولون أن يشعوا نار الفتنة بين الأوس والخزرج بعد هجرة الرسول ﷺ ولكنهم كانوا يفشلون في كل مرة.
أو كُلَّمَا أشعلوا نار الحرب مع المؤمنين، أَطْفَأَهَا اللَّهُ أي هزمهم الله.
وهذا وعد الاهي وقضية قرآنية أن ينهزم اليهود في أي مواجهة مع الجماعة المؤمنة
وهذا حدث في جميع مواجهات اليهود مع الرسول ﷺ سواء في حربه ﷺ مع بنى قينقاع ثم بنى النضير ثم بنى قريظة ثم خيبر، وحدث عندما انتصر المصريون على اليهود في حرب 73 عندما كان شعارهم في المعركة هو "الله أكبر" 
أما اذا انهزم المسلمون أمام اليهود فالتقصير من عند المسلمين أنفسهم، أنهم ليسوا جنودًا لله، لأنه لا يمكن أن تتعارض قضية قرآنية مع واقع الحياة.

❇        

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) 
لأنهم اليهود ينهزمون دائمًا، ومكبوتون دائما فانهم يلجئون في محاربة أعدائهم الى نشر الفساد، عن طريق تدمير العقائد والأخلاق  
كلمة (يَسْعَوْنَ) يدل على أن يجتهدون ويجدون في نشر الفساد في الأرض.
وقوله تعالى (فِي الْأَرْضِ) يعنى فسادهم ليس محصورًا فيهم، ولكنهم ينشرون فسادهم فِي كل أنحاء الْأَرْضِ.
وهذا هو الواقع الذي نراه الأن: فكل انحراف في العالم وراءه اليهود، فاليهود هم المسئولون عن نشر الرذيلة والشذوذ والخلاعة والاباحية، وهم المسئولون عن نشر المخدرات، وهم المسئولون عن انتشار الأمراض والأوبئة.
يقول المفكر اليهودي أوسكار ليفي "نحن لسنا إلا مفسدي العالم ومدمِّريه ومحرِّكي الفتن فيه"

❇        

(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
يعنى هذا هو سبب بغض الله تعالي لهم وغضبه عليهم، أنهم يسعون فِي الْأَرْضِ فسادًا، وَاللَّهُ تعالى لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇