Untitled Document

عدد المشاهدات : 715

الحلقة (366) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآية (89) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ

الحلقة (366)
تدبر الآية (89) من سورة "المائدة" (ص 122)

        

(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) 
        

قلنا في شرح آية سابقة أن الرسول ﷺ قد وعظ الناس فتحدث عن يوم القيامة، وعن النار والحساب، فبكي الصحابة، واجتمع عشرة منهم في بيت عثمان بن مظعون، وتعاهدوا فيما بينهم وأقسموا على أن يصوموا الدهر كله، ويقوموا الليل كله، ولا يأكلون اللحم، ولا يتطيبون، ولا يلبسون الا الملابس الخشنة، حتى أقسم بعضهم على أن يخصى نفسه، يعنى يقوم بإزالة الخصيتين، وبذلك لا يكون عنده أي ميل للنساء، فلا يكون عنده ما يشغله عن العبادة. 
فلما بلغ ذلك الرسول ﷺ أرسل اليهم، وقال لهم: أنتم تقولون كذا وكذا، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال لهم الرسول ﷺ ولكنى وأنا رسول الله آكل اللحم، وأصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن أخذ بسنتى فهو منى، ومن لم يأخذ بسنتى فليس منى"
ونزل قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) 
فلما نهاهم الرسول ﷺ عن ذلك، قالوا يا رسول الله كيف نفعل بأَيْماننا ؟ فنزلت هذه الآية الكريمة.

        

يقول تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) يعنى لا يعاقبكم الله على اللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ، وليس مطلوبًا منكم التكفير عن اللَّغْوِ فِي اليمين.
واللَّغْوِ فِي اليمين هو ما يجري على اللسان دون قصد الحلف، كمن يقول والله لتأكل هذه، أو الله مش قادر، والله لن اسامحك على كذا، والله أنت لا تفهم، فهذه حالات لا يقصد فيها الاشخاص اليمين.
من صور اللَّغْوِ فِي اليمين يقول الحسن البصري: هو الرجل يحلف على الشيء، يرى أنه كذلك وليس هو كذلك.
أو في مثل الحالة التى نزلت فيها الآية الكريمة أنهم أقسموا على شيء يريدون به طاعة، ثم علموا أنه ليس كذلك.

        

(وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) يعنى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عزمتم عليه بقلوبكم. ويطلق عليها "يمين منعقدة"
(فَكَفَّارَتُهُ) يعنى كفارة اليمين المنعقدة والتى ليست بلغو.
(إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) كلمة المسكين من السكون وعدم الحركة، كأن الفقر أسكنه، وهو الذي ليس لديه ما يكفيه من المال ليسد حاجته.
        

(مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) يعنى من الطعام الذي تأكله أنت وأهل بيتك 
يعنى تطعم المسكين مثل الطعام الذي تأكله أنت في بيتك
وقوله تعالى (مِنْ أَوْسَطِ) يعنى مثل الطعام الذي تأكله في بيتك غالبًا، فقد تأكل يومًا أكلًا غاليًا، وقد تأكل يومًا آخر أكلًا رخيصًا.
فقال تعالى (مِنْ أَوْسَطِ) يعنى الوسط الذي تأكله في بيتك غالبًا.
فاذا كنت معتادًا أن تكون وجبتك –مثلًا- ربع دجاجة، وبعض الأرز وخضار وسلاطة، فتكون هذه هي الوجبة الوسط التى تقدمها للمساكين، واذا كنت معتادًا أن تكون وجبتك طبق فول أو علبة كشري فتكون كذلك، وهكذا.
ولذلك فهي تختلف من شخص لآخر، ومن بلد لآخر.

        

 ولا يشترط أن يكونوا عشرة مساكين مختلفين، فيمكن أن تطعم مسكينًا واحدًا عشرة وجبات.
والجمهور على أنهم عشرة مساكين مسلمين، فلا تجوز على غير المسلم.
ويمكن أن تكون هذه الوجبات مطبوخة، ويمكن ألا تكون مطبوخة.
فيمكن أن تكون الكفارة شنطة غذائية تقدم لأسرة فقيرة، تكفي عشرة وجبات.
والجمهور على أن هذه الوجبات تخرج طعامًا، وذهب أبو حنيفة الى انه يجوز اخراجها نقودًا.

        

(أَوْ كِسْوَتُهُمْ) يعنى أو كسوة عشرة مساكين، يعنى تعطي كل مسكينًا ثوبًا، وحد الثوب هو الذي يستر العورة في الصلاة، يعنى يجوز ان يصلى به.
        

 (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يعنى عتق رَقَبَةٍ، قال العلماء عتق رَقَبَةٍ مؤمنة، وهذا غير موجود الآن بعد الغاء الرق، وآخر دولة ألغت الرق هي موروتانيا عام 1981 فتكون كفارة اليمين هي أطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وهذا على التخيير.
        

 (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) يعنى فمن لم يجد اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فتكون كفارة اليمين في حقه هي صيام ثلاثة أيام.
وذهب البعض على أن هذه الأيام يجب ان تصام متتابعة، وذهب البعض الى أنه لا يجب فيها التتابع. 

        

ومن الأخطاء الشائعة أن كفارة اليمين هي صيام ثلاثة أيام، والصحيح هو أن كفارة اليمين كما ذكرت الآية هي إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ وهذا على التخيير، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) يعنى كان فقيرًا ولا يجد ما يطعم به المسكين أو كسوتهم، ففي هذه الحالة كفارة اليمين هي صيام ثلاثة أيام.
واذا كان المسلم لا يعرف هذا الحكم وصام ثلاثة أيام، فان هذا لا يجزئه، يعنى تعتبر هذه الأيام صيام نافله وتقبل الله، ويجب عليه إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ.
واذا كان المسلم الذي حنث في يمينه فقيرًا ليس عنده ما يطعم به عشرة مساكين أو كسوتهم، وكان لا يقدر على الصيام بسبب مرض لا يرجي الشفاء منه، فعليه أن يستغفر الله ويتوب عن هذا الذنب ولا شيء عليه. 

        

(ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) 
يعنى ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وحنثتم في اليمين.
(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) تحمل معنيين: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ يعنى لا تكثروا الحلف، وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ في أداء ما عليكم من كفارة اليمين اذا حنثتم في اليمين.
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ) يعنى يُبَيِّنُ لَكُمْ الحلال والحرام.
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعنى لكي تشكروا بيانه في الحلال والحرام.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇