Untitled Document

عدد المشاهدات : 1103

الحلقة (371) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيتين (101) و (102) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا...

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (371)
تدبر الآيتين (101) و (102) من سورة "المائدة" (ص 124)

        

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) 


        

ورد في سبب نزول هذه الآية عدة روايات:
منها ما رواه مسلم من أن الرسول ﷺ خطب يومًا فقال: قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت الرسول ﷺ فأعاد الرجل السؤال مرة ثانية، فسكت الرسول ﷺ فأعاد الرجل السؤال مرة ثالثة، فقال الرسول ﷺ لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، ثم قال ﷺ: ذرونى ما تركتكم. ونزل قول الله تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) يعنى تشق عليكم.
وقيل أيضًا في سبب نزول الآية أن بعض الأعراب وقيل بعض المنافقين ألحوا على الرسول ﷺ بأنواع من الأسئلة التافهة لإختبار الرسول ﷺ أو استهزاءًا به ﷺ فساله أحدهم يومًا وقال: أين ناقتى ؟ وسأله أحدهم: ما الذي سالقاه في سفري ؟ وقال أحدهم: ما الذي في بطن ناقتى هذه ؟ وغير ذلك من الأسئلة التافهة السخيفة
وقيل في سبب نزول الآية أن الرسول ﷺ قال "واللَّهِ لا تسألوني عن شيء إلاَّ أخبرتكم به" فقال عبد الله بن حذافة" يا رسول الله: من أبي؟ فقال ﷺ: أبوك حذافة. فقام رجل آخر وقال: أين أبي ؟ فقال الرسول ﷺ هو في النار.
يقول الراوي وكان الرسول مغضبًا، وقالت أمّ عبد الله بن حذافة لإبنها: ما رأيت ولدا أعق منك، أكنت تأمن أن أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رءوس الناس؟

يقول القرطبى: ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع.

        

يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) يعنى لَا تَسْأَلُوا الرسول ﷺ عَنْ أَشْيَاءَ (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ) إِنْ تظهر لَكُمْ (تَسُؤْكُمْ) تغمكم وتحزنكم.
يعنى لَا تَسْأَلُوا الرسول ﷺ عن أشياء لا فائدة من السؤال عنها، بل إن الإجابة عن هذه الأسئلة قد يؤدى إلى حزنكم أوالى إحراجكم أوإلى المشقة عليكم.

من صور ذلك الآن الرجل الرجل زوجته او خطيبته عن ماضيها قبل الزواج أو قبل الارتباط به، فهذا أمر يسبب الكثير من المشاكل الزوجية، أنت تختار ذات دين، ومن بيت طيب، وتسأل وتستخير وتتوكل على الله، أو المرأة التى تفتش وراء زوجها، وتنظر في جواله، فهذا أيضًا يدخل في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)
وفي مسلم أن الرسول ﷺ قال "ان الله كرِه لكم ثلاثاً قِيلَ وقالَ وكثرةَ السّؤالِ وإضاعة المالِ" 

        

مسأله: أن الله أمرنا بالسؤال لتحصيل العلم، قال تعالى ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) 
نقول أن السؤال المنهي عنه هو السؤال عن الأمور التى لا فائدة منها والتى لا ينبنى عليها حكم ولا ينبنى عليها عمل، أو أمور فقهية أفتراضية لم تحدث ولا يتوقع حدوثها:    

سأل أحدهم ابن عباس وقال له: هل تزوج يوسف –عليه السلام- من زليخا امرأة العزيز، فقال له ابن عباس "هذا عرس لم أدعي له" 
سأل أحدهم أبو حنيفة، وقال له يا امام: اذا نزلت لأستحم في البحر هل أستقبل القبلة أم أستدبرها، فقال له: استقبل ملابسك حتى لا تسرق 
متصل سأل الشيخ "عبد الله مطلق" وقال له: هل يجوز أكل لحم البطريق ؟ فقال له: اذا لقيته كله.

        

 يقول تعالى (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ)
قال أهل العلم لها تفسيران:
التفسير الأول

(وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ) يعنى وَإِنْ تَسْأَلُوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة، وتحتاجون الى فهم ما نزل به القرآن
(تُبْدَ لَكُمْ) يعنى تظهر لكم، فهذا النوع من الأسئلة أباحه الله تعالى.
مثال:
بين القرآن عدة المطلقة، فقال تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) يعنى ثلاثة حيضات أو ثلاثة أطهار، ولم يأت ذكر التى لا تحيض، سواء كانت صغيرة لم تبلغ أو كبيرة تجاوزت سن المحيض، فسألوا عن ذلك، لأن هناك حاجة للسؤال، فنزل قول الله تعالى ( وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ)

        

التفسير الثاني:
(وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا) يعنى اذا سألتم عن أشياء (حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ) يعنى مع وجود الرسول ﷺ ووقت الوحي (تُبْدَ لَكُمْ) يعنى تظهر لكم، لأن الرسول ﷺ سيجيب عن هذه الأسئلة أو ينزل بها الوحي، فيكون ذلك سببًا في تكاليف شاقة.
أذن الخطاب للصحابة: أنتم موجودون في فترة خاصة جدًا من فترات التاريخ، هي فترة وجود نبي، وفترة نزول وحي من السماء، فاذا سألتم نبيكم في هذه الفترة الخاصة، قد تكونون سببًا في تكاليف شاقة، أو إيجاب ما لم يكن واجباً، أو وتحريم ما لم يكن محرّماً
روي البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال
"أعظمُ المسلمينَ جُرمًا من سألَ عمّا لم يُحرَّم فحُرِّمَ على الناسِ من أجلِ مسألتِهِ"

        

فقوله تعالى (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ) 
يعنى اذا سألتم عن أشياء نزل بها القرآن، وتريدون فهم ما نزل به القرآن فلا حرج عليكم في هذا.
والتفسير الثاني: اذا سألتم عن أشياء، وأنتم الآن في فترة نزول الوحي، فسينزل الوحي بالإجابة عن أسألتكم، وتكونون بذلك سببًا في تكاليف شاقة.

        

(عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)
يعنى هذه الأشياء التى نهيتكم عن السؤال عنها مما عفا الله عنه بسكوته عنها في كتابه، وعدم تكليفكم بها فاسكتوا أنتم عنها أيضا.
يقول الرسول ﷺ "إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها"


        

(قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)
يعنى قد سئل مثل هذه المسائل قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ
(ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا) يعنى أَصْبَحُوا بسببها كَافِرِينَ.
قال ابن عباس هم قوم عيسى: سألوا عيسي إنزال مائدة من السماء، فلما أجابهم الى ذلك كفروا بها 
وقيل: هم قوم صالح - عليه السلام - سألوا الناقة ثم عقروها فكفروا بذلك 
وقيل: هم بنو إسرائيل كانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء فإذا أخبروهم كذبوهم.

مثل قصة أصحاب البقرة، ومثل قولهم ارنا الله جهرة، ومثل قولهم لنبيهم أبعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله وغير ذلك.
 وفي الصحيح عن الرسول ﷺ أنه قال:
"ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم"

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇