Untitled Document

عدد المشاهدات : 648

الحلقة (380) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (4) الى (11) من سورة "الأَنْعَام" قول الله -تَعَالي- (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ ....

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (380)
تدبر الآيات من (4) الى (11) من سورة "المائدة" (ص 128)

        

(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)


        

قلنا أن المقصد الأساسي لسورة الأنعام هو "تركيز العقيدة الاسلامية" وهي: وجود الله تعالى، ووحدانية الله تعالى، واثبات البعث، واثبات رسالة الرسول ﷺ وفي سبيل ذلك فان سورة الأنعام تناقش وتحاج وتواجه وتهدد المشركين.
يقول تعالى
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)
يعنى وما تأتي هؤلاء المشركين (آَيَةٍ) أي دليل على وجود الله تعالى ووحدانيته، سواء آية كونية أو معجزة يأتي بها الرسول ﷺ مثل معجزة انشقاق القمر، أو آية من آيات القرآن العظيم.
(إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) إِلَّا تجاهلوا هذه الآية الدالة على وجود الله تعالى وعلى وحدانيته.

        

وقيل أن هذه الآية نزلت عندما طلب المشركون في مكة من الرسول ﷺ أن يدعو ربه أن يشق القمر نصفين، وقولوا له أنه ان فعل ذلك آمنوا به، فدعا الرسول ﷺ فانشق القمر الى نصفين، وقال الرسول ﷺ  "اشهدوا" فلما رأت قريش ذلك بهتوا، ثم قالوا "لقد سحرنا محمد" فقال رجل منهم: ان كان قد سحركم محمد فانه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم فانظروا ما يأتيكم به السفار، أي المسافرون، فلما جاء المسافرون سألوهم عن شق القمر، فقالوا نعم رأينا في يوم كذا القمر وقد انشق الى نصفين، فأصر أهل مكة على كفرهم أن هذا من سحر محمد وقال تعالى: 
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)
والآن وبعد تقدم علوم الفضاء، يقول العلماء أن هناك أحد الشقوق القمرية لا يجدون لها تفسيرًا، ووصفته وكالة ناسا الفضائية بأنه شق "مثير للجدل" وقالت أنه "محل خلاف"
وبذلك يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) يتناول المشركين في عهد الرسول
ﷺ وحتى قيام الساعة.


        

(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (5) 
يعنى فَقَدْ كذب هؤلاء المشركون (بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ) يعنى بالقرآن العظيم وبالرسول ﷺ
(فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) يعنى فَسَوْفَ يصيبهم مَا كَانُوا يَسْتَهْزِءُونَ بِهِ، سواء في الدنيا مثل ما أصابهم يوم بدر، أو يوم القيامة.

        

ولم يقل تعالى (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) وانما قال تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) والتي تفيد التراخي، لأن الآية نزلت في كفار قريش، و لم يعجل الله تعالى العذاب لكافر قريش، قال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
        

يقول الفخر الرازي أن القرآن الكريم صور مراحل تمادي هؤلاء المشركون في الباطل فقال تعالى أولًا أنهم أعرضوا عن النظر في دلائل قدرة الله تعالى، ثم تمادوا في الباطل فكذبوا بهذه الآيات، لأن هناك من يعرض تغافلًا دون أن يكذب، ثم تمادوا اكثر واستهزؤا بآيات الله تعالى.
        

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)
(أَلَمْ يَرَوْا) أَلَمْ  يَرَوْا هؤلاء المشركون.
والمقصود بالرؤية العلم، أو أنهم رأوا بالفعل آثار هذه الأمم

(كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ)  
(كَمْ) تفيد الكثرة 
والقرن هنا هو الأمة من الناس
والمعنى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ أمم سابقة. 

(مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) 
التمكين هو القوة والغلبة، وأصله أن جعل له مكانًا في الأرض، كما قال تعالى عن ذي القرنين (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)
والمعنى: أعطيناهم مالم نعطكم، من المال والولد والبسطة في الجسم، وغير ذلك من اسباب القوة في الدنيا.

(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا) وأنزلنا عليهم مطرًا غزيرًا. (وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ زروعهم وأشجارهم.  
(فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِسبب ذُنُوبِهِمْ.
(وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) أي جئنا مِنْ بَعْدِهِمْ بقومٍ آخرين.
يعنى اهلاك هذه الأمم لم ينقص من ملك الله شيئًا، فكلما أهلك أمة بسبب كفرهم وذنوبهم جاء بعدها بأمة أخري.
كما قال تعالى (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم)

        

(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
نزلت هذه الآية في ثلاثة من المشركين وهم: النضر بن الحارث، وعبد الله بن أمية، ونوفل بن خويلد، قالوا: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله أنك رسوله، ويكون مع هذا الكتاب أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله فأنزل الله تعالى:
(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ) 
والقِرْطَاسٍ اسم لما يكتب فيه، ولا يسمى قرطاساً إلا إذا كان مكتوباً  فيه.
والمعنى وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كلامًا مكتوبًا فِي صحيفة.

(فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) يعنى وأمسكوا هذا الكتاب بأيديهم، حتى لا يعتقد أحدهم أن هذه الصحيفة سحر، سحر به محمد أعينهم، كما قالوا عندما شاهدوا انشقاق القمر.
وقوله تعالى
(بِأَيْدِيهِمْ) للتأكيد.
(لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) حتى لو فعلنا ذلك لقالوا مثل ما يقولون دائمًا (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)


        

(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) 
نزلت هذه الآية في خمسة من كفار قريش وهم: زمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث، وعبد بن يغوث، وأبي بن خلف، والعاص بن وائل قالوا للرسول ﷺ: لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويروى معك.
فقال تعالى
(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ)
ثم رد الله تعالى على كلامهم هذا بردين، فقال تعالى:
 (وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ)
يعنى (وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا) كما طلبوا ثم أصروا على الكفر بعد ذلك (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي لَقُضِيَ الْأَمْرُ بعذابهم، كما حدث مع الأمم السابقة الذين اقترحوا آيات ثم كذبوا بها. 
(ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ) أي ثُمَّ لَا يؤخرون ولن يمهلوا. 
والمعنى أنهم الآن في مهلة من الله تعالى، فاذا انزل الله تعالى ملكًا –كما اقترحوا- ثم لم يؤمنوا برغم ذلك، فان الله تعالى لن يمهلهم، وانما سينزل عليهم العذاب فورًا، والله تعالى لا يريد أن يهلك هذه الأمة، بسبب اجابة مقترحات خمسة من المعاندين المستكبرين.

        

أما الرد الثاني فقال تعالى:
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) 
يعنى ولو جعلنا الرسول الذي يرسل الى الناس من الملائكة. 
(لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا) يعنى لجعلنا هذا الرسول رَجُلًا، لأن البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة على حقيقتهم، ولا سماع كلامهم.
(وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) 
يعنى وللتبس ولأختلط عليهم الأمر كما يختلط الآن، وقالوا ما الذي يثبت لنا أن هذا ملك وليس رجلًا ؟

        

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (10) 
هذه الآية مواساة للرسول ﷺ وللدعاة كذلك، والمعنى لا تحزن يا محمد بسبب ما يصيبك من قومك من أذي وسخرية واستهزاء، فقد أوذي من سبقك من الرسل، وسخر منهم الساخرون، فصبروا على ذلك حتى جاءهم نصر الله تعالى.
(فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) فأحاط بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ.
(مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) أي مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ من العذاب.

        

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) يعنى تنقلوا فِي الْأَرْضِ  وتأملوا في آثار الحضارات السابقة وكيف كانت قوتهم وكيف كان تقدمهم، ثم كيف أصبح مصيرهم بسبب كفرهم وبسبب ذنوبهم.
استخدمت الآية حرف العطف
 (ثُمَّ) والذي يفيد التراخي، للإشارة الى التمعن في النظر لأخذ العبرة والعظة.


        

قال تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ولم يقل (سِيرُوا على الْأَرْضِ) مع أن الظاهر أننا نسير على الْأَرْضِ، ولا نسير في داخل الْأَرْضِ.
وتأتي هذه الحقيقة العلمية وهي أننا نسير في الحقيقة في الْأَرْضِ، لأن الْأَرْضِ يحيط بها غلاف جزي، وهذا الغلاف الجوي جزء من الْأَرْضِ، حتى الطائرات التي تطير في السماء فهي تسير في الْأَرْضِ، لأنها تطير داخل الغلاف الجوي

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇