Untitled Document

عدد المشاهدات : 600

الحلقة (418) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآية (141) من سورة "الأَنْعَام" (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ...

الحلقة (418)
تدبر الآية (141) من سورة "الأَنْعَام" (ص 146)

        

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) 


        

قلنا من قبل أن سورة الأَنْعَام سورة "مكة" وهي تناقش وتجادل وتحاور المشركين، ولذلك من محاور سورة الأنعام: اقامة الدلائل والبراهين على قدرة الله -سبحانه وتعالى- 
في هذه الآية التي معنا يذكر الله تعالى لعباده بعض دلائل قدرته فيقول تعالى:

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ) 
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) وَهُوَ تعالى الَّذِي خلق وابتدع.
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) يعنى بساتين.
وسميت الجنة بهذا الاسم لأنها تجن يعنى تستر بشجرها وزروعها من يمشي فيها.

        

(جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ) 
(جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ) نباتات جعل الناس لها عريش، يعنى سقف ترفع عليه، مثل العنب.
ومادة العين والشين والراء تدل على الرفع، ومنه عرش الملك.
في مصر يوجد مدينة شهيرة في سيناء اسمها "العريش" وقيل في سبب تسميتها بهذا الاسم أن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- اتخذ لنفسه عريشًا في هذا المكان كان يجلس فيه، وقيل إن أخوة يوسف -عَلَيْهِ السَّلامُ- عملوا فيها عريشًا يجلسون تحته حتى يؤذن لهم في دخول مصر زمن القحط، وعن "كعب الأحبار" أن بالعريش قبور عشرة انبياء.

(وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ) ونباتات لا تحتاج الى أن يعرش لها؛ لأن لها سيقان قوية مثل النخل وغيرها من الأشجار.


        

(وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ)
(أُكُلُهُ) يعنى ما يؤكل منه وهو الثمار.
فقوله تعالى
(وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ) يعنى وهو تعالى الذي أنشأ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا يعنى ثماره 

        

(وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)
يعنى وهو تعالى أنشأ لكم أشجار (الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ)
وقوله تعالى (مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ) يعنى تشبه بعضها في ناحية، ولا تشبه بعضها في ناحية أخري، فأشجار الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ تشبه بعضها في شكل الأوراق، ولكن ثمارها غير متشابهة في الشكل أو الطعم. 
او أن هناك أنواع كثيرة من أشجار الزيتون، فهناك أكثر من 260 نوعاً من أشجار الزيتون في العالم، وهي ثمار متشابهة في الشكل ولكنها غير متشابهة في الطعم، وكذلك الرُّمَّانَ هناك مئات الأنواع من أشجار الرُّمَّانَ، متشابهة في الشكل ولكنها مختلفة في الطعم.


        

(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) 
(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) وقرات (مِنْ ثُمْرِهِ) والأمر للإباحة.
(وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) طالما قال (حَقَّهُ) يبقي المقصود الزكاة.
فيكون المعنى:  أخرجوا الزكاة على هذه الزروع يَوْمَ حصاد هذه الزروع.
بالرغم من أن سورة الأَنْعَام -كما نعلم- مكية ولم تفرض الزكاة الا في المدينة، ولكن -قال العلماء- أن الأمر بالزكاة جاء في مكة بصفة عامة، ثم جاء التفصيل في السنة الشريفة في المدينة بعد ذلك. 

        

وقوله تعالى (يَوْمَ حَصَادِهِ) كانت سببًا في اختلاف العلماء فيما تجب فيه الزكاة من الزروع، فذهب كثير من العلماء الى أن زكاة الزروع تجب فقط فيما يحصد من الزروع، فأخرجوا منها اغلب الخضروات والفواكه، بينما قال أبو حنيفة أن الحصد في اللغة تعني القطع، فحين تفصل الثمرة عن شجرتها، تكون قد حصدتها، وبالتالي ذهب أبو حنيفة الى وجوب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض، سواء كان حبوبًا أو خضروات أو فواكه أو غير ذلك.
وزكاة الزروع لها نصاب وهو خمسة أوسق يعنى 653 كيو جرام، وقيمتها 10% إذا كان الزرع يسقي بدون تكلفة مثل السقي بماء المطر، أو 5% إذا كانت هناك تكلفة للسقي.

        

وقوله تعالى (يَوْمَ حَصَادِهِ) تفيد الى أن زكاة الزروع تجب بحصاد المحصول، ودون انتظار الحول، كما هو في زكاة النقود أو الأنعام، لأن الزروع من الأموال الظاهرة التي يراها كل الناس، فلا يريد الله تعالى أن ينظر الفقير والجائع الى هذه الثمار دون أن يأكل منها فينكسر قلبه.
ولو أخرجت الأرض أكثر من محصول في السنة، يجب اخراج الزكاة عن كل محصول.
(وهناك درس خاص بزكاة الزروع والثمار)

        

يقول تعالى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)
قوله تعالى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) قبل قوله تعالى (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) فيه الترخيص لصاحب الزرع أن يأكل من زرعه قبل اخراج الزكاة.
لأن الثمار تكون أمام صاحب الزرع وأمام أهل بيته وأمام أولاده يريدون أن يأكلون منها، فلم الله تعالى يضيق عليهم، بل قال لهم كلوا منها، وإذا جاءك ضيف اعطه منها، فاذا جاء الحصاد وأخرجت الزكاة، فان كل هذا يعفي منه، فلا تحسب ما اخدته قبل الحصاد.


        

(وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
يعنى وَلَا تُسْرِفُوا في الأكل قبل الحصاد، ولا تسرفوا في الصدقة بحيث لا تبقوا لأنفسكم شيئًا، لأن الصحابة كانوا يتبارون في العطاء، حتى ربما لا يبقي أحدهم لنفسه شيئًا.
وقيل إنها نزلت في "ثابت بن قيس" حصد محصوله من التمر وقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأخذ يطعم حتى أمسي وليس له ثمرة، فنزلت هذه الآية.
ومع ذلك كان السلف يقولون: "لو أنفقت عشرة آلاف درهم في طاعة الله ما كنت مسرفًا، ولو أنفق درهمًا واحدًا في معصية الله، كنت من المسرفين"

        

وبعض الناس يحاولون نقد القرآن فيقولون: إنه يكرر المعاني الواحدة . 
مرت بنا الآية (99) من سورة الأنعام (وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ....... حتى وصل الى قوله تعالى: وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ..... الى آخر الآية)  
اذن في الآية (99) قال (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)
وفي الآية التي معنا، الآية (141) قال تعالى (مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)
لماذا قال تعالى في الآية (99) (مُشْتَبِهاً) بينما في الآية (141) قال (مُتَشَابِهٍ) ؟
لأن في الآية (99) كان الأمر من الله بالنظر للاعتبار، قال تعالى (ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) ولذلك ناسبه كلمة (مُشْتَبِهاً) لأن الاشتباه يعنى يشبه أحدهما الآخر، كما قال تعالى (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا)
أما في الآية (141) الأمر بالأكل، وهو أمر للإباحة، قال تعالى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) وقال تعالى (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ولذلك ناسبه كلمة (مُتَشَابِهٍ) لأن متشابه تفيد التشابه في الذوق، وليس التشابه في الشكل.
اذن في الآية (99) قال (مُشْتَبِهاً) لأنها تفيد التقارب في الشكل، والآية فيها الأمر بالنظر والاعتبار.
والآية (141) قال (مُتَشَابِهٍ) لأن الآية تفيد التقارب في الطعم، والآية فيها الأمر بالأكل.

        

لماذا ذكر تعالى وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ بالتحديد ؟
قال البعض لأنها من أشهر المطعومات عند أهل الحجاز.
ولكن هل ذكر الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ دليل على أن في هذه الثمار فوائد خاصة، خاصة أنها ذكرت في أكثر من موضع في القرآن العظيم، فالرمان ذكر ثلاثة مرات، والزيتون سبع مرات ؟
نقوم نعم ذكر الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ في القرآن دليل على فوائد هذه المطعومات، لأن الله تعالى ذكرها في سياق المن على عباده، والله تعالى لا يمن على عباده الا بما فيه الخير والنفع.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇        


أ