Untitled Document

عدد المشاهدات : 510

الحلقة (431) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" من الآية (11) الى الآية (18) سورة "الأَعْرَاف" (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ...

الحلقة (431)
تفسير وتدبر الآيات من الآية (11) الى الآية (18) سورة "الأَعْرَاف" (صفحة 151)

        

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) 
        

هذه الآيات تذكر قصة آدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- مع ابليس، وقد ذُكِّرَت قِصَة آدم مع إبليس في القرآن في سبعة مواضع: أولها: في سورة البقرة، ثم في هذه السورة، سورة الأعراف، ثم في سورة الحجر، ثم في سورة الإسراء، ثم في سورة الكهف، ثم في سورة طه، ثم في سورة ص. 
فقصة آدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- مع ابليس موزعة على هذه السور السبعة، ولها في كل موضع لقطة، ولم تأت القصة مرة واحدة في سورة واحدة، لأن الله تعالى يريد لنا أن نتذكر هذه القصة، وهذا الموقف بين آدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- وبين ابليس حتى لا ننسي أبدًا عداوته لنا، وأن هدفه الأول والأخير هو أن يحرم بنى آدم من دخول الجنة، وأن يدخلهم جهنم معه.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ (11)

        

يقول تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) يعنى خلقنا آدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- من طين غير مصور، ثُمَّ صَوَّرْنَاه على صورته الآدمية، وجاء الخطاب لكل الناس، لأن كل الناس جاءوا من نسل آدم، فخلق آدم وتصويره هو خلق وتصوير لكل الناس.
        

لماذا لا يكون المعنى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ أيها الناس ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ في أرحام امهاتكم ؟ لأن الله تعالى قال بعد ذلك: (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِين) فالكلام من أوله على أدم -عَلَيْهِ السَّلامُ-
        

(ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِين)
يعنى بعد أن أتم الله خلق آدم ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة أن تسجد لآدم، وهذا السجود تحية وتكريم وتشريف وتعظيم، وليس سجود عبادة، لأن العبادة لا تكون الا لله وحده، مثل سجود اخوة يوسف وابيه وأمه الى يوسف، وكان هذا السجود للتحية والتكريم مباحًا في الأمم السابقة. 

        

واختلف العلماء في كيفية سجود الملائكة لآدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- وقالوا إن السجود الذي نعرفه وهو السجود الذي في الصلاة، بمعنى وضع الجبهة على الأرض، هذه هيئة عبادة والعبادة لا تكون الا لله وحده، ولكن السجود لغة هو الانحناء، ولذلك قالوا إن سجود الملائكة الى آدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان على هيئة فيها اظهار التكريم والتشريف والتعظيم الى لآدم -عَلَيْهِ السَّلامُ- وذريته. 
        

والملائكة التي أمرت بالسجود لآدم ليست كل الملائكة، ولكن فقط الملائكة الموكلة بخدمة الانسان على هذه الأرض، فكل انسان معه ملكان: رقيب وعتيد، وهناك ملك للرياح وملك للأمطار وملك للجبال، وكل ظاهرة من مظاهر الكون لها ملك، وهذه هي الملائكة التي أمرت بالسجود لآدم، ولكن هناك ملائكة لا يدرون بأمر آدم شيئُا بل منشغلون بالكلية بعبادة الله تعالى، ولذلك قال تعالى لإبليس في موضع آخر (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ) هل عدم سجودك استكبارًا عن السجود، أم أنت من الملائكة ٱلْعَالِينَ الذين لم يشملهم أمر السجود ؟
        

المهم أن جميع الملائكة امتثلت الى أمر الله تعالى وسجدوا الى آدم، إِلاَّ إِبْلِيسَ رفض أن يمتثل لأمر الله تعالى وأن يسجد لآدم.
        

وابليس ليس من الملائكة وانما من الجن، لقول الله تعالى (إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) ومع ذلك شمله الأمر بالسجود، لأنه كان حاضرًا وموجودًا مع الملائكة، فاذا كان الله تعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، والملائكة أفضل من ابليس، فمن باب أولى أن يشمله هذا الأمر بالسجود، كما لو قال أحدهم للوزراء إذا دخل السيد الرئيس أو الملك فالرجاء من السادة الوزراء الوقوف تحية للرئيس، وكان بين الوزراء أحد وكلاء الوزراء، فان الأمر بالوقوف يشمل وكيل الوزارة من باب أولى.
        

وتوجه الله تعالى بالخطاب الى الملائكة لأنهم كانوا الجمهور الأعظم في الحاضرين، كما لو كان هناك مائة شاب وبينهم طفل، فالخطاب يكون: يا أيها الشباب.
        

وإبليس هو أصل الجن، كما أن آدم أصل البشر، ومن هنا نفهم لماذا كان ابليس مع الملائكة، لأنه كان أول من خلق من الجن، فكان يعيش مع الملائكة في الجنة، كما كان يعيش آدم مع الملائكة في الجنة قبل معصيته والنزول الى الأرض.


        

(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) 
قال تعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) 
ما هي حيثية السجود الى آدم أن الله تعالى أمره بالسجود، وهذا هي جوهر العبودية لله تعالى، أن تأتمر بأمره تعالى دون أن تعمل فيه عقلك.

        

(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) استخدم ابليس القياس، ولكنه استخدم قياسًا باطلًا وقياسًا فاسدًا، كيف ؟
والقياس ان تعطي حكم في مسألة لم يرد فيها نص بنفس حكم مسألة اخري ورد فيها نص لتشابه بينهما، كما نحكم بان شرب المخدرات حرام، قياسًا على حرمة شرب الخمر، لأن المخدرات تذهب العقل كما ان الخمر تذهب العقل.
والقياس مصدر من مصادر التشريع، ولكنه يأتي بعد القرآن والسنة الصحيحة، لا يمكن أن أستخدم القياس في حالة وجود نص.
ولذلك قلنا أن ابليس استخدم قياسًا باطلًا وقياسًا فاسدًا، كيف ؟ قياس باطل لأنه قاس مع وجود نص، يعنى هناك نص واضح وهو أن الله تعالى أمرك بالسجود، فكيف تشتغل بالقياس إذا كان هناك نص؟
ولذلك قال بعض العلماء أن أول من قاس في مقابلة النص هو ابليس، فمن قاس في مقابلة النص قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس.
وقياس فاسد، لأنه قال إن النار أفضل من الطين، وليس هناك ما يدل على أن النار أفضل من الطين، فلا يوجد جنس أفضل من جنس، بل كل جنس له دوره، النار لها مهمة، والطين له مهمة، والنار لا تقدر أن تؤدي مهمة الطين، فلا يمكن أن نزرع في النار، ولا الطين يمكن أن يؤدي مهمة الن
ار.

        

(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) 
(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا) أي اهبط من السماء، أو من الجنة.
وقد يكون المقصود بالهبوط هو هبوط المكانة والمنزلة، يعنى اهبط من المنزلة التي جعلها الله تعالى لك.

        

(فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) يعنى فلا ينبغي لك أَنْ تَتَكَبَّرَ في السماء، لأن الكبر معصية، والسماء ليست مكانًا للعاصين، وانما هي مكانًا للمطيعين من الملائكة. 
أو
(فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) يعنى مَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ في الجنة، لأن الجنة لا يدخلها متكبر، كما جاء في الصحيح ان الرسول ﷺ قال "لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرِ"

        

(فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) تكرار الأمر بالطرد امعانًا في الاهانة.
(إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) يعني من المهانين المذلين.
لأن ابليس تكبر، فعاقبه الله تعالى من جنس عمله، بالذلة والصغار والهوان، كما قال الرسول ﷺ "من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله"


        

(قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) 
(أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يعنى أخرتي وأمهلني.
(إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يعنى إِلَى يَوْمِ بعث آدم وذريته، عندما يخرج الناس من قبورهم.
قال بعض العلماء أن ابليس طلب الامهال لعلمه بحلم الله تعالى.

يقول ابن عباس أراد ابليس من خبثه أن يُنْظَر الى يوم البعث حتى لا يذوق الموت، لأنه ليس بعد البعث موت، فلم يحبه الله تعالى الى ذلك، بل أمهله دون أن يحدد له وقت معين فقال تعالي (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) وفي موضع آخر في سورة (الحجر) و(ص) (إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ) يعنى وقت معلوم في علم الله تعالى، وقيل إن هذا ٱلْوَقْتِ هو وقت النفخة الأولى التي يموت فيها كل الأحياء فيموت هو معهم.

        

وقوله تعالى (مِنَ الْمُنْظَرِينَ) يعنى هناك من خلق الله من هم مُنْظَرَونَ، مثل الملائكة، وربما من الخضر.
وقوله تعالى
(إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) ليس إجابة لطلب ابليس، ولكنه اخبار من الله تعالى، يعنى أنا قضيت بذلك ليكون ذلك اختبارًا وابتلاءًا لبنى آدم.


        

(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) 
(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) فقال ابليس لله: فكِمَا أضللتني.
(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الصراط الْمُسْتَقِيمَ هو الطريق الموصل الى الجنة، فالمعنى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ على طريقك الْمُسْتَقِيمَ الموصل الى الجنة، حتى لا يصلوا الى الجنة، كما يقعد قاطع الطريق على الطريق حتى يمنع الناس من الوصول الى مقصودهم.
وهذا القعود على الصراط المستقيم المقصود به هو الوسوسة.
وقول ابليس
(لَأَقْعُدَنَّ) يدل على انه لا شغل له الا اغواء بنى آدم.

        

وقوله تعالى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) يدل على ان الشيطان يأتي للإنسان إذا كان في طاعة أما المقيم على المعصية، فالشيطان لا يشغل نفسه به، فلا يأتي لناس يشربون الخمر، وانما يأتي لمن يصلى ويوسوس له في صلاته، ويأتي للصائم حتى يفسد عليه صيامه، ويأتي لمن يحج حتى يفسد عليه حجه.
جاء رجل الى الإمام أبا حنيفة، وقال له كان لي مال دفنته في أرض ونسيت مكانه، فقال له أبو حنيفة، إذا جاء الليل فقم بين يدي ربك مصليّاً، فلما كانت صلاة الفجر في اليوم التالي، جاء الرجل الى ابي حنيفة سعيدًا وقال: يا إمام لقد وجدت المال، فقال له أبو حنيفة: والله لقد علمت أن الشيطان لا يدعك تتم ليلتك مع ربك، وسيأتي ليُخبرك عن مكان المال.

        

(ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) 
(ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الذي بين أيدينا والذي نسير اليه جميعًا هو الآخرة، فالشيطان يأتي للناس ويشككهم في البعث والقيامة والحساب. 
(وَمِنْ خَلْفِهِمْ) يأتي الشيطان للإنسان من خلفه، أي من الدنيا، بأن يزين للإنسان الدنيا ولذاتها وشهواتها.
(وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ) اليمين هو رمز العمل الحسن، لأن كاتب الحسنات على اليمين، وكاتب السيئات على الشمال، فيأتي الشيطان عن يمين الانسان بأن يصرفه عن الطاعة أو أن يفسد عليه طاعته.
(وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) وذلك يكون بتزيين المعاصي والشهوات.
والمعنى أني سآتي لهم بالإضلال من جميع الجهات.
استخدم تعالى حرف (مِنْ) وحرف (عَنْ) ولم يستخدم الحرف (على) لأن (على) تفيد الاستعلاء، والشيطان ليس له استعلاء على الانسان، ولا يملك القوة القاهرة على الانسان، وكل ما يستطيعه هو أن يوسوس فقط للإنسان، قال تعالي على لسان ابليس (وما كان لِيَ عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي)


        

ولم يقل الشيطان أنه سيأتي للإنسان من فوق ومن تحت لأن الفوقية هي جهة الدعاء، والتحتية هي جهة السجود والقرب من الله
        

روي أن الشيطان لما قال هذا الكلام رقت قلوب الملائكة على البشر فقالوا: يا إلهنا كيف يتخلص الإنسان من الشيطان مع استيلائه عليه من الجهات؟ فأوحى الله تعالى إليهم أنه قد بقي للإنسان جهتا الفوق والتحت يرفع يديه إلى فوق بالدعاء أو يضع جبهته على الأرض بالسجود .
        

ولذلك نحن نقول في أذكار الصباح والمساء: "اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقى، وأعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتي" 
        

شقيق: ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد: من بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فاقرأ (وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً)، ومن خلفي فيخوفني الدنيا فاقرأ (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا)، وعن يميني فيأتيني من قبل الثناء فاقرأ (وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وعن شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فاقرأ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)

        

ثم يقول تعالى (وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) هذا تكملة كلام الشيطان لله تعالى، يعنى فيقول وَلَا تَجِدُ أَكْثَر الناس شَاكِرِينَ مؤمنين، والشيطان لا يعلم الغيب، ولكن هذا ما توقعه الشيطان.
وقد صدق ظن ابليس اللعين، يقول تعالى (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ) ويقول تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)  
يقول الرسول ﷺ في الصَّحيح "يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يا آدَمُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، فيقول: يا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ، فيقول: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعمَائةً وتِسْعَةً وتَسْعِينَ إلى النَّارِ، وواحداً إلى الجَنَّةَ"


        

(قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
قَالَ تعالى للشيطان (اخْرُجْ مِنْهَا) أي اخْرُجْ مِنْ الجنة، أو اخْرُجْ مِنْ السماء الى الأرض.
(مَذْءُومًا) يعنى "مذمومًا" نحن نقول ذم فلان، يعنى عابه.
هناك مثل عربي مشهور "لا تَعدَمُ الحَسناءُ ذَامَا"

كانت هناك أمرأه عربية مشهورة بالجمال، اسمها "حُبيَّ بنت مالك" وسمع بجمالها رجل من اشراف العرب اسمه "مالك بن غسان" فطلبها للزواج وحكّم أباها في مهرها، وفي يوم زواجها قالت أمها للنساء اللذين معها: حين تدخلون بها على زوجها طيبوها بريحة عطرة، ولكنهن نسين هذا الأمر، فلما أصبح الصبح سألوا زوجها: كيف وجدت أهلك؟ فقال: ما رأيت مثل الليلة قط، لولا رُوَيحةٌ أنكرتها، وكانت "حُبيَّ" تسمع هذا الحديث من خلف ستار، فقالت: "لا تَعدَمُ الحَسناءُ ذَامَا"، فصارت مثلاً.
فقوله تعالى (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا)
فقوله تعالى (مَذْءُومًا) يعنى مذمومًا معيبًا مهانًا محتقرًا من الله تعالى ومن الملائكة.
(مَدْحُورًا) يعنى مطرودًا مبعدًا من السماء ومن رحمة الله تعالى.
كما نقول "دحر العدو" يعنى طرده وأبعده.

(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أي لَمَنْ أطاعك مِنْهُمْ أي مِنْ بنى آدم ومن ذريتك من الجن.
(لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) اللام لام القسم، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ من الانس والجن العاصين.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇