Untitled Document

عدد المشاهدات : 570

الحلقة (434) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" الآيات من (31) الى (34) سورة "الأَعْرَاف"(يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ...

الحلقة (434)
تفسير وتدبر الآيات من الآية (31) الى الآية (34) سورة "الأَعْرَاف" (صفحة 154)

        

(يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)

 
        

(يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
قلنا أن العرب قبل الاسلام كانوا يطوفون بالبيت عرايا، باستثناء الحُمْس وهم أهل الحرم أي قبيلة قريش وأحلافهم، وكان العرب يقولون: لا نعبد الله في ثياب عصينا الله فيها، وكان إذا دخل رجل منهم المسجد ليطوف وعليه ثيابه ضُرِّبَ وإِنْتُزِّعَت منه ثيابه، وكان الرجال يطفن بالنهار والنساء بالليل، وربما وضعت المرأة خرقة على فرجها، أو تضع يدها على فرجها، وتنشد: 
اليَومَ يَبدو بَعضُه أَو كُلُّه **   فَما بَدا مِنه فَلا أُحلُّه
فقال تعالى (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يعنى ارتدوا ثيابكم ولا تخلعوها عند الطواف.
وهي تعنى أيضًا أن تكون في زينتك وفي أحسن هيئتك عندما تذهب الى المسجد فترتدي ملابس حسنة نظيفة وتتطيب وتمشط شعرك لأنه ستلتقي بالله تعالى، وستقف بين يدي الله تعالى.

        

كان الحسن بن على -رضى الله عنهما- إذا قام إلى الصلاة لبس أحسن ثيابه فقيل له في ذلك، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، فأنا أتجمل لربى، وهو القائل: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
        

يقول القرطبي في تفسيره: المقصود بالآية من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا، وهو عام في كل مسجد للصلاة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
        

وذلك كره العلماء الذهاب الى المسجد لمن يرتدي ثياب العمل، اذا كانت متسخة بالزيوت أو غير ذلك، ويكره الذهاب للمسجد لمن يرتدي جوارب متسخة ورائحتها كريهة، ونهي الرسول ﷺ الرجل أن يصلى وأكتافه عارية، كما يفعل البعض الآن عندما يصلى في بيته وهو يرتدي الفانلة الداخلية (الحمالات)
        

كانت كثير من القبائل الوثنية في أفريقيا يعيشون عراة الأجسام رجالًا ونساءًا، فلما وصل إليهم الاسلام، علمهم لبس الثياب وأوجبه عليهم، وعندما طعن بعض المستشرقين في الإسلام في القرن التاسع عشر، رد عليهم بعض المنصفين منهم وقالوا ان لانتشار الاسلام في أفريقيا منة على اوروبا لأنه حملهم على ترك العري وأوجب عليهم لبس الثياب وكان ذلك سببًا لرواج تجارة النسيج الأوروبية فيهم.


        

يقول تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
كان بعض العرب في أيام حجهم لا يأكلون الطعام الا قوتًا، يعنى الا ما يقيم حياتهم، وكانوا يفعلون ذلك تعظيمًا لحجهم، فقال المسلمون: فانا أحق أن نفعل، وهموا بذلك، فقال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
يعنى كلوا ما شئتم واشربوا ما شئتم ولكن دون اسراف، فان الله لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
والاسراف نوعان: اسراف كمي واسراف نوعي.
فالإسراف الكمي يعنى أكل كميات كبيرة، والاسراف النوعي يعنى إنفاق مبالغ ضخمة في الطعام والشراب، هناك أطعمة واشربة تبلغ ألاف الدولارات.


        

يقول الرسول ﷺ "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مَخْيَلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"
يقول ابن عباس "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خ صلتان: سرف ومَخْيَلة" ومَخْيَلة بفتح الميم من الخيلاء والكبر.
ويحكى: أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن الحسين بن واقد –وكان من علماء الحديث-: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، فقال له: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ) فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا (وجالينوس كان أكبر أطباء اليونان)
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
يقول تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) يعنى قُلْ يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين كانوا يطوفون بالبيت عرايا، ويحرمون على أنفسهم أكل الطيبات وهم محرمون، من أين أتيتم بهذا الحكم ؟ وهذا سؤال استنكاري.


        

والتعبير بقوله تعالى (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) يعنى أرادها لهم، وقال (أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) لأن الأطعمة خرجت من الأرض، والألبسة كذلك خرجت اما من نباتات كالقطن والكتان، أو من حيوان كالصوف، أو حشرات كالحرير، أو معادن كالدروع.
        

كان الإمام "الليث بن سعد" في مصر كثير المال، حتى قيل إنه كان له 354 ثوب، يلبس في يوم من العام حلة، فأرسل اليه الإمام مالك بن انس في المدينة وقال له "بلغني أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق" يعنى الملابس الفاخرة، فرد عليه الامام "الليث" بهذه الآية الكريمة (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)
وجملة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام أنه كان يأكل ما وجد من خشن ومستلذ.

(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) 
لاحظ هنا عبقرية الأسلوب: يقول تعالى (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ثم يقول تعالى (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) كأننا أمام حالتين: حالة في الدنيا وحالة يوم القيامة.
(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يعنى أن الله خلق هذه الطيبات في الدنيا أصلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا، والكفار يشاركوهم فيها تبعًا لهم.
ثم يقول تعالى (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعنى ولكنها خَالِصَةً للمؤمنين وحدهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا يشاركهم فيها أحد.
وهي تعنى أيضًا أن هذه الطيبات لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا غير خالصة من المنغصات، ولكنها خَالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ من جميع المنغصات.

        

(كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعنى مثل تفصيلنا لهذا الحكم، نفصل سائر الأحكام لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
        

يقول الامام "محمد عبده" في تفسيره "المنار" ما ملخصه أن غريزة حب الزينة، وغريزة حب الطيبات، هي السبب في توسع البشر في أعمال الزراعة والصناعة، وسببًا في ارتقاء العلوم والفنون، لأن الانسان لو كان يكتفي فقط بما يأكل لحفظ حياته لما وجد شيء من هذه العلوم والفنون والأعمال.
بل ان توسع الأغنياء في أعمال الزينة يفتح أبواب لا حصر لها من الرزق على للفقراء، فحتى ترتدي امرأة غنية عقد من اللؤلؤ فان هناك غواصين ومصانع تعمل، وحتى يشيد أحد الأغنياء قصرًا ويزينه ويجمله، فان هناك الألاف من العمال الذين يستفيدون من هذا البناء


        

(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
يعنى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يطوفون بالبيت عرايا، ويحرمون أكل الطيبات وهم محرمون، ان الله تعالى لم يحرم هذه الأشياء، ولكن الله تعالى حَرَّمَ (الْفَوَاحِشَ) يعنى ما فحش وتزايد قبحه، وتطلق خاصة على الزنا واللواط والتعري.  
(مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) يعنى ما كان من الزنا علانية وما كان سرًا، المجاهرة بالزنا يعنى أصحاب الرايات الحمراء، والسر وهو متخذات الأخدان، وعلاقات الزنا السرية.
يقول مجاهد (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هو طواف أهل الجاهلية عراة (وَمَا بَطَنَ) هو الزنا.
(وَالْإِثْمَ) وهو كل المعاصي. 
(وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) يعنى والظلم والاعتداء على الغير، وأصله في اللغة تجاوز الحد.
وقوله تعالى (بِغَيْرِ الْحَقِّ) يعنى باستثناء من ظُلِمَ وانتصر ممن ظلمه بحق.

        

(وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) 
يعنى وَأَنْ تُشْرِكُوا مع اللَّهِ في عبادته مَا ليس لكم أي دليل أو حجة أو برهان في عبادته. 
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
وَأَنْ تَقُولُوا أن الله أمركم بالتعري عند الطواف بالبيت، وحرم عليكم أكل الطيبات وأكل الطعام الا قوتًا عند الاحرام وزيارة البيت.
يقول الامام "محمد عبده" أن القول على الله بغير علم، هو أعظم أنواع المحرمات التي حرمها الله تعالى في دينه على ألسنة جميع رسله، فإنه أصل الأديان الباطلة ومنشأ تحريف الأديان المحرفة، وشبهة الابتداع في الدين الحق


        

)وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
يعنى كُلِّ أُمَّةٍ من الأمم التي تكفر بالله تعالى وتكذب رسله لها (أَجَلٌ) يعنى لها وقت محدد للهلاك ونزول العذاب بها.  
(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ) فإذا انقضت مدتهم.
(لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) لا يتأخرون ولا يتقدمون ولو لحظة واحدة.
وقال تعالى (سَاعَةً) لأن السَاعَةً عند العرب هي أقل أسماء الأوقات: كان المستعجل يقول لصاحبه في ساعة يعنى في أقصر وقت.
وهذا ينطبق حتى على الجمادات
الناس بفطرتها إذا انكسر شيء يقول هذا هو عمرها.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇