Untitled Document

عدد المشاهدات : 453

الحلقة (445) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (65) الى (72) من سورة "الأَعْرَاف" (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ….

الحلقة رقم (445)
تفسير وتدبر الآيات من (65) الى (72) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 158)

❇        

(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) 


❇        

تحدثت الآيات السابقة عن هلاك الكفار من قوم نوح، وقلنا إن سفينة نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- رست –كما ذكر القرآن الكريم- على سفح جبل الجودي وهو جبل موجود في أقصى جنوب تركيا، وعلى بعد حوالي 8 كم من شمال العراق، وقد اكتشفت بقايا سفينة نوح في عام 1948 م وهذه واحدة من أوضح اعجازات القرآن العظيم.  وقلنا إن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- انتقل هو والمؤمنون معه بعد ذلك من أقصى جنوب تركيا الآن الى مكة المكرمة، وعاش نوح في مكة المكرمة حتى مات ودفن هناك.
وكثر الناس -بعد ذلك- في منطقة مكة المكرمة، فلما ضاق بهم المكان، أو ضاقت عليهم الموارد الطبيعية في هذا المكان، هاجر بعضهم الى منطقة في جنوب شرق الجزيرة العربية، أطلق عليها –بعد ذلك- الأحقاف، وهي جزء من منطقة "الربع الخالي" وهي منطقة كبيرة جدًا، حوالي ألف كيلو متر مربع، وهي من أكثر الأماكن جفافًا وكحولة في العالم، وتكاد لا يوجد فيها أي نوع من أنواع الحياة.

وقد توصل العلماء الى أن هذه المنطقة في ذلك الوقت لم تكن جافة كما هي الآن، بل على العكس كان فيها أنهار وبحيرات وبساتين وغابات، ونعيم ليس له مثيل على وجه الأرض في ذلك الوقت.

وهؤلاء الذين هاجروا الى منطقة "الأحقاف" أطلق عليهم قوم "عاد" وقد أطلق عليهم قوم "عاد" نسبة الى أبيهم: عاد بن عُوص بن أرَم ابن سام بن نوح
وتفرق قوم (عَادٍ) بعد ذلك الى ثلاثة عشرة قبيلة سكنوا في هذه المنطقة الغنية الخصبة، والتي امتدت من عمان الى اليمن.
وكان قوم "عاد" على التوحيد، ثم عبدوا الأصنام بعد ذلك، فكان عندهم صَنَمٌ اسمه صُدَاءٌ؛ وصنم اسمه صُمُودٌ، وَصَنَمٌ اسمه الْهَبَاءُ.
وكان قوم "عاد" طوال القامة، أقوياء الأجساد، كثيري الأعداد، وكانت قبائلهم هم أقوي شعوب الأرض، ولكنهم أفسدوا في الأرض،وقهروا أهلها بفضل قوتهم، وقد جاء في القرآن العظيم ما يدل على ما كان لهم من قوة وجبروت وبطش، فقال تعالى في سورة الشعراء (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ويقول تعالى في سورة فصلت (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)

فلما زاد قوم عاد في كفرهم وظلمهم وطغيانهم بعَثَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إليهم هُود –عليه السلام- فَأَمَرَهُمْ أَنْ يتركوا عبادة الأصنام، وأن يعبدوا الله وحده، وأن يكفوا عن ظلمهم، وكان ذلك في حدود 3000 سنة قبل الميلاد، يعنى من حوالي 5000 سنة من الآن.


❇        

يقول تعالى (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) 
(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) 
يعنى وأرسلنا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا.
وقوله تعالى
(أَخَاهُمْ) يعنى واحد منهم، يعرفون نسبه ويعرفون صدقه وأمانته. 
قيل إن هود –عليه السلام- كان تاجرًا، وقيل إنه كان صبيح الوجه، وأنه كان أشبه الخلق بآدم –عليه السلام-

(قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) هذه هي دعوة هود -عليه السلام- الى قومه وهي نفس دعوة نوح –عليه السلام- وهي عبادة الله وحده. 
(أَفَلَا تَتَّقُونَ) يعنى أَفَلَا تَتَّقُونَ عذابه وعقوبته كما فعل مع قوم نوح.
❇        

عندما تحدثت الآيات السابقة عن قصة نوح قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)
أما عن هود قال تعالى (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)
يعنى في قصة نوح قال تعالى
(فَقَالَ يَا قَوْمِ) بالفاء وفي قصة هود قال (قَالَ يَا قَوْمِ) بدون فاء، لماذا ؟
الفاء في قصة نوح تفيد الحاح نوح على قومه، وهذا واضح في سورة نوح (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) 
وهذا الالحاح من نوح -عليه السلام- استمر تسعمائة وخمسون عامًا، ولذلك قال تعالى عن نوح (فَقَالَ يَا قَوْمِ) بالفاء، أما بالنسبة لهود (قَالَ يَا قَوْمِ) بدون فاء، لأنه لم يكن شديد الالحاح في دعوته مثل نوح –عليه السلام-

❇        

(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) 
(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)
(الْمَلَأُ) هم السادة والرؤساء والقادة.
(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) يعنى ليس كل السادة قالوا هذا الكلام، وانما كان هناك من السادة من آمن مع هود.
وقيل أن واحد فقط من السادة واسمه "مرثد بن سعد بن عفير" آمن مع "هود" وكان يكتم ايمانه.
بعكس قصة نوح قال تعالى (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) يعنى كل السادة كانوا كفارًا.

(إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ) يعنى في حمق وخفة عقل 
كانت العرب تقول "ثوب سفيه" يعنى نسيجه خفيف

(وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) الظن هنا ليس بمعنى الشك، وانما بمعنى اليقين، وقد ورد في القرآن الظن بمعنى العلم في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى في سورة البقرة (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)
والمعنى: رأينا فيك يا هود أنك تكذب، سواء في ادعاء النبوة، أو في نزول العذاب بنا.

❇        

(قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)
(أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) 

رد عليهم هود -عليه السلام- في حلم وصبر وسعة صدر  
(قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ) كما تقولون
(وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ولكن الحقيقة والصدق أني رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي) وظيفتي كرسول أن أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ الله تعالى لكم. 
(وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (نَاصِحٌ) أقول لكم ما فيه صلاحكم، و(أَمِينٌ) أي أَمِينٌ على الوحي وأَمِينٌ على رِسَالَاتِ الله تعالى لكم، أبلغها لكم كما أنزلت اليَ.
❇        

والله تعالى أورد لنا إجابات الرسل على الكفار، وما فيها من لين وشفقة، حتى يعلمنا كيف نخاطب السفهاء، وكيف لا نقابل جهالتهم بجهالة، وانما نقابل هذه الجهالة بالحلم والصبر والتغاضي.
لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا
لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ


❇        

(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) 
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) 
هل تعجبون أن ينزل الله وحيه على واحد مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ويخوفكم من بأسه وعقابه.
وهذا يدل على أنهم كانوا يطلبون أن ينزل الله وحيه على ملك من الملائكة وليس عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ.

❇        

(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) 
يعنى وَاذْكُرُوا أنكم جئتم خلفًا لقَوْمِ نُوحٍ، فاذكروا ما حل بهم من عذاب بعد أن كفروا بربهم وعصوا رسوله.
(وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) 
يعنى وقد زاد الله في أجسامكم طولًا وعرضًا وقوة، قيل إن أقصرهم كان طوله ستة أمتار، وقيل أكثر من ذلك.
(فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَاذْكُرُوا نعم اللَّهِ عليكم في قوة أجسامكم وفي غيرها من النعم، وقد قلنا إن قوم عاد كانوا يعيشون في أكثر المناطق خصبًا ونعيمًا في العالم.
(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يعنى كي تُفْلِحُونَ.
❇        

(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) 
قال قوم هود له في استنكار: هل جئتنا يا هود حتى نعبد الله وحده (وَنَذَرَ) يعنى ونترك (مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا) من الأصنام والأوثان.
(فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فَأْتِنَا بِمَا تتوعدنا به من العقاب والعذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) يعنى إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في ادعاء النبوة، وكُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في ان العذاب سينزل بنا.
❇        
(قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) 
قَالَ لهم هود –عليه السلام- بعد أن أصروا على كفرهم، وبعد أن قالوا (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) قَالَ لهم (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) 
(قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ) 

يعنى نزل بكم قضاء الله.
(رِجْسٌ وَغَضَبٌ) الرجس هو العذاب
نزل بكم عذاب الله وغضبه وسخطه.

❇        

(أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ) 
نحن نعلم أن كل اسم له مسمي 
وقد يكون اسم على مسمي، وقد لا يكون الاسم على مسمي.
قد يكون شخص اسمه كريم، وهو فعلا كريم، فتقول له أنت فعلاً اسم على مسمي.
وقد يكون شخص اسمه كريم، وهو ليس كريمًا، بل بخيل، فتقول هذا ليس اسمًا على مسمي، هو مجرد اسم.
واحدة اسمها قمر، وهي ليست جميلة، فتقول هل هي قمر فعلًا، فيقال: هو مجرد اسم.
فقوله تعالى
(أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ) 
يعنى أنتم تُجَادِلُونَنِي فِي أصنام، أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ سَمَّيْتُمُوهَا آلهة، وهي مجرد اسماء، وليس فيها من الإلهية شيء، ولو بمثقال ذرة، وانما هي مجرد حجارة لا تضر ولا تنفع. 
(مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) 
ما أنزل الله لكم أي دليل أو حجة في عبادتها.
❇        

(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)
فانتظروا حكم الله فيكم وعذابه –تعالى- الذي سيقع بكم (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) حكمه –تعالى- فيكم
❇        

(فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)
فَأَنْجَيْنَا هود وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين بِرَحْمَةٍ مِنَّا 
(وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) 
دابر الشيء هو آخره
فكانت العرب تقول "قطع دبره" يعنى استأصله بالكلية ولم يبق له أي أثر.
فقوله تعالى (
وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) يعنى استأصلناهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد.
وكان هلاكهم برياح سخرها الله تعالى عليهم.

(وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ)

❇        

يقول المؤرخ الإسلامي الكبير "محمد بن إسحاق": عندما أصر قوم هود على كفرهم وتكذيبهم لنبيهم، أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاثة سنوات كاملة، وكان الناس في ذلك الوقت اذا نزل بهم بلاء يتوجهون الى بيت الله الحرام، ويطلبون من الله تعالى أن يرفع عنهم هذا البلاء، لأن تعظيم بيت الله الحرام منذ آدم -عليه السلام- فلما حبس عنهم المطر، خرج وفد من قبائل عاد، وكان عددهم سبعون رجلًا من أعيانهم، وعلى رأسهم زعيمهم "قيل بن عثر" وكان فيهم "مرثد بن سعد" والذي كان مؤمنًا مع هود ولكنه كان يكتم ايمانه خوفًا من بطش قومه به، فذهبوا الى مكة، وكانت مكة في ذلك الوقت تحت حكم العماليق، وهم نسبة الى: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيدهم "معاوية بن بكر" وكانت أم معاوية أخت لرجل من سادة "عاد" فكان قوم عاد أخوال "معاوية بن بكر" وأصهاره، وكانت العلاقة بين قوم عاد وبين العماليق جيدة، بالرغم من بطش قوم عاد بمن حولهم من القبائل وذلك لمكانة العماليق من الحرم. 
❇        

فلما قدم وفد (عاد) على "معاوية بن بكر" وكان في خارج الحرم، أكرم نزلهم، وجاء لهم بالطعام والشراب، وجاء لهم بمغنيتان اسمهما الجرادتان، وكان ذلك أول ما عُرف الغناء، فاستمرأوا الأمر، وظلوا شهراً يأكلون ويشربون ويلهون، ولم يدخلوا مكة ليدعوا الله تعالى حتى يسقيهم، فلما راي "معاوية بن بكر" ذلك أهمه الأمر، وقال: هلك أخوالى وأصهاري، ولكنه استحيا أن يكلمهم في ذلك لأنهم ضيوف عنده، وشكا ذلك الى الجرادتان، فقالا له: قل شعرًا نغنيه لهما، لا يدرون من قاله، لعل ذك يحركهم، فعلم الجرادتان شعرًا يغنيانه لهم، وكان فيه:
❇        

أَلا يَــا قَيْـلَ ويْحَـكَ! قُـمْ فَهَيْنِـمْ
 لَعَــلَّ اللــهَ يُصْبِحُنَــا غَمَامَــا

قَيْـلَ هو"قيل بن عثر"
فَهَيْنِـمْ: يعنى ادعو الله.

فَيَسْــقِي أَرْضَ عَــادٍ إنَّ عَــادًا
 قَــدَ امْسَــوا لا يُبِينُــونَ الكَلامَـا

لا يُبِينُــونَ الكَلامَـا: يعنى بلغ بهم الجهد أنهم لا يبينون الكلام.
مِــنَ الْعَطَشِ الشَّـدِيدِ فَلَيْسَ نَرْجُـو
 بِــهِ الشَّــيْخَ الكَبِـيرَ وَلا الغُلامَــا

***
وَقــدْ كَــانَتْ نِسَــاؤُهُمُ بِخَــيْرٍ
 فَقَــدْ أَمْسَــتْ نِسَــاؤُهُمُ عَيَـامَى

***
وَإنَّ الْوَحْـــشَ تَــأتِيهِمْ جِهَــارًا
وَلا تَخْشَـــى لِعَـــادِيٍّ سِــهَامَـا

***
وَأنْتُــمْ هَــا هُنَـا فِيمَـا اشْـتَهَيْتُمْ
نَهَــــارَكُمُ وَلَيْلَكُـــمُ التَّمَامَـــا

***
فَقُبِّــحَ وَفْــدُكُمْ مِــنْ وَفْـدِ قَـوْمٍ
 وَلا لُقُّـــوا التَّحِيَّـــةَ وَالسَّــلامَ
ا
❇        

فلما غنتا هذا الشعر، والغناء فيه ترديد، تنبه "قيل" وتنبه وفد "عاد" وهموا بدخول مكة، فقام "مرثد بن سعد" والذي كان يكتم ايمانه، وقال لهم: والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى الله سبحانه وتعالى سقيتم ، فقالوا لمعاوية : احبسه عنا لا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم دخلوا مكة، وأخذوا يدعون الله تعالى، ويقولون: اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيهم، فأنشأ الله تعالى ثلاثة سحابات: بيضاء وحمراء وسوداء، ثم سمع رئيسهم (قَيْـلَ) هاتفًا من السماء يقول: اختر لنفسك ولقومك، فقال اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء، وعاد الى قومه، وساق الله السحابة الى منازل قوم عاد، فلما رأوا السحابة مقبلة فرحوا واستبشروا، قال تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) فسخر الله تعالى عليهم ريح عاصفة سبع ليال وثمانية أيام حسوما، يعنى دائمة لا تنقطع، فلم تدع أحد من عاد الا أهلكته، واعتزل هود وما معه من المؤمنين في مكان فلم تصبهم الريح كما اصابت قومهم.


❇        

أصدر أحد مراكز البحوث في كاليفورنيا في الولايات المتحدة تقريرًا بعنوان "الرحلة عبر الجزيرة العربية" وتحت هذا الاسم كتبوا "ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها في البلاد"
وقصة هذا البحث أن بعض المفكرين قالوا أن الحروب القادمة ستكون حروب على المياه، لأن كمية المياه ثابتة وعدد البشر يزداد، فلابد أن يقتتل الناس على الماء في النهاية، فبدأ الأمريكان يهتموا بالبحث عن المياه، وأرسلت وكالة "ناسا" الفضائية مكوك فضاء للبحث عن المياه في أماكن كثيرة من العالم، فوجدوا تحت رمال الربع الخالي -وهي كما ذكرنا من أكثر المناطق جفافًا في العالم- وجدوا فيها مجريين لنهريين جافين، وهذان النهران يصبان في بحيرة عملاقة، وأن هذه المناطق كانت خصبة جدًا، وكانت مغطاة بالخضرة، بل وجدوا فيها رسوم لأسود مما دل على وجود غابات في جبال هذه المنطقة، وقدر العلماء عدد الذين عاشوا في هذه المنطقة بـ 200.000 شخص وهو عدد كبير جدًا بالنسبة لهذا الوقت من تاريخ العالم، وقال البحث أن هناك آثار في هذه المنطقة لحضارة هي من أعظم وأغني الحضارات القديمة. 

❇        

واستعانت وكالة "ناسا" بعلماء التاريخ وعلماء الآثار وعلماء الجيلوجيا وعلماء الدين، للبحث عن إجابة لسؤال هو: ماذا يمكن أن تمثل هذه الآثار ؟ فأجمعوا على أنها آثار قوم عاد الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، مع العلم أن قوم عاد وقوم ثمود الذين جاءوا بعد قوم عاد، لم يأت لهم ذكر لا في التوراة ولا في ولا في غير ذلك من كتب البوذيين والهندوس، ولذلك كتبوا تحت عنوان التقرير (ارم ذات العماد التى لم يخلق مثلها في البلاد)
بل الأعجب أن التقرير ذكر أن هذه الحضارة العظيمة طمرتها عاصفة رملية غير عادية، وأن العلم لا يستطيع أن يفسر لنا من أين جاء هذا الكم الهائل من الرمال السافية في الربع الخالي، والذي يمثل 1000 كم من الرمال شديدة النعومة والتي يتراوح سمكها من 4 أمتار الى 20 متر.


❇        

ولكن الأمر السيء، أن التقرير ذكر في نهايته أن هناك عدد من العلماء يزيد عددهم عن ثلاثين عالمًا، قد كلفوا بالبحث عن المدينة صاحبة هذه الحضارة والتى ذكرت في القرآن العظيم.
وعندما اطلع الدكتور الفاضل والعالم الكبير/ زغلول النجار على أسماء هذه القائمة من الباحثين، وجد أنهم كلهم من اليهود، فارسل الى السلطات السعودية يحذرهم من السماح لهذا الفريق بالقيام بالبحث في صحراء الربع الخالي، وبالفعل استجابت السلطات السعودية ومنعتهم من الدخول، ولكنهم تحركوا من طريق سلطنة عمان، خصوصًا أن الحدود بين السعودية وعمان في هذه المنطقة غير محددة، لأنها منطقة خالية ولا فائدة منها، وللأسف استجابت لهم السلطات في "عمان" وبدأت البعثة في العمل، وهي تعمل في هذا المكان منذ أكثر من 20 سنة، والملفت للنظر أنه ليس عندهم أي أبحاث منشورة عن اكتشافاتهم الا مقالين أو ثلاثة في بعض الجرائد، وهذا يدل على أن ما يتم التوصل اليه لا يتم الاعلان عنه، لأن الكشف عن مدينة عاد هو دليل واضح جدًا على صدق القرآن وعلى ضياع أصول التوراة والانجيل. 
بقي أن نقول أن ما ينشر على صفحات الانترنت من صور لمدينة (ارم) أو صور لهياكل عظمية عملاقة، هذه الصور غير حقيقية.
وفي النهاية نرجو ان يتولى المسلمون بأنفسهم البحث عن آثار حضارة قوم عاد، ومدينة (ارم ذات العماد) والتي أطلق عليها المدينة المفقودة او المدينة الضائعة، لأن هذا الأمر يعنينا نحن كمسلمون، والآثار في بلادنا، والبحث عن هذه الآثار لا يحتاج الى تقنيات متقدمة. 

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇