Untitled Document

عدد المشاهدات : 396

الحلقة (450) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (97) الى (102) من سورة "الأَعْرَاف" (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ ….

الحلقة رقم (450)
تفسير وتدبر الآيات من (97) الى (102) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 163)

        

(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)


        

بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن هلاك قوم نوح، وعن هلاك عاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب، يقول تعالى للمشركين المصرين على تكذيب نبيه محمد ﷺ 
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) 
الهمزة للاستفهام وهي تفيد الانكار
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى) هل أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى الذين كذبوا محمد ﷺ
(أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا) أَنْ ينزل عليهم عذابنا، وكلمة (بَأْسُنَا) تدل على شدة العذاب.
(بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ) يعنى ليلًا وَهُمْ نَائِمُونَ
        

(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) 
(أَوَأَمِنَ) الواو واو العطف دخلت عيها همزة الاستفهام.
وقرأت َ
(أَوْ أَمِنَ)
(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى) يعنى: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى الذين كذبوا محمد ﷺ
(أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى) يعنى أن ينزل عليهم عذابنا في وقت الضُحًى، وهو أول النهار وقت طلوع الشمس.
(وَهُمْ يَلْعَبُونَ) اللعب هو الأمر الذي لا فائدة منه.
والمقصود وقت انشغالهم بالدنيا.
فجعل انشغالهم بالدنيا كاللعب، لأن الانشغال بالدنيا لا فائدة منه، كما ان اللعب لا فائدة منه.
اذن البعيد عن منهج الله اما في ليله نائم أو في نهاره لاعب.

        

فيكون معنى الآيتين: أن الله تعالى يسال سؤال انكار، هل أمن هؤلاء الكفار، أن ننزل عليهم عذابنا ليلًا وَهُمْ نَائِمُونَ؟ أم أمنوا أن ننزل عليهم عذابنا في وقت الضحى وهم منشغلون بالدنيا؟ 
يقول مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ: لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ لَا أَنَامُ لَمْ أَنَمْ، مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ وَأَنَا نَائِمٌ.
وروي عن الرَّبِيعِ بن خثيم: أن ابنته قالت له: يا ابت ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟ فقال: يا ابْنَتَاهُ ان أباك يخاف النوم، ألم تسمعي الى قوله تعالى (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ)


        

(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) 
المكر لغة هو: التدبير بخفاء.
ولذلك في قوله تعالى (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) يعنى هم يدبرون في خفاء، ونحن ندبر في خفاء، والله خير من يدبر في خفاء، لأنه لا يستطيع أن يطلع على تدبيره أحد، ولذلك فهو خير الماكرين.


        

هنا يقول تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ) و(مَكْرَ اللَّهِ) في هذه الآية يعنى استدراج الله لأهل المعاصي، وذلك بأن يعطي الله العبد على معاصيه ما يحب، حتى يفرح ويغتر، ثم يأتيه عقاب الله على حين غفلة، يقول الرسول ﷺ "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج"
وهذا مثل قوله تعالى في سورة الأنعام (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)
هذا هو المقصود بمكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة، يعنى استدراج الله تعالي للعبد العاصي، المُصر على كفره، بأن يفتح له تعالى أبواب الرزق، حتى اذا كان في قمة تكبره وظلمه وفرحه بالدنيا واغتراره بها أخذه الله بغتة ولم يفلته (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)


        

فقوله تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ)
يعنى أَفَأَمِن هؤلاء الذين كذبوا الله ورسله، أن يستدرجهم الله بما أنعم عليهم من المال والصحة والقوة، كما استدرج الذين ذكر قصصهم من الأمم السابقة.   
(فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)
فَلَا يَأْمَنُ استدراج اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، لأنهم لا يعرفون قدر الله تعالى.
روي أن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِلْمَلائِكَةِ: مَا هَذَا الْخَوْفُ الَّذِي قَدْ بَلَغَكُمْ وَقَدْ أنزلتكم المنزلة الذي لم أنزلها غيركم؟ قالوا: رَبَّنَا لَا نَأْمَنُ مَكْرَكَ، لَا يَأْمَنُ مَكْرَكَ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.


        

(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) 
كانت العرب تقول هدى له الشيء بمعنى بينه له، ونحن نقول هداه الى الطريق يعنى بين له الطريق، فقوله تعالى (أَوَلَمْ يَهْدِ) أَوَلَمْ يتبين.
(لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا) لِلَّذِينَ ورثوا الْأَرْضَ وسكنوا فيها مِنْ بَعْدِ هلاك أَهْلِهَا.
(أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أَنْ لَوْ نَشَاءُ عاقبناهم بسبب بِذُنُوبِهِمْ، كما عاقبنا الأمم السابقة الذين ورثوا أرضهم وسكنوا ديارهم.
كما قال تعالى في سورة السجدة (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون)

        

يقول تعالى (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)
الطبع تأتي بمعنى الغلق، ولذلك تقول طبعت الكتاب أو طبعت الورقة يعنى لا يمكن أن تمحو شيء أو تزيد عليه شيء، ومنه طبع الانسان، لأنه لا يتغير.
فمعنى
(وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) يعنى ونغلق قلوبهم فلا تدخل اليها هداية، ولا يخرج منها الكفر. 
(فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) يعنى لا يستجيبون لأني موعظة أو تذكير، كما تقول فلان مهما تحدثت اليه فانه لا يسمع الكلام.
وهذا -أيضًا- في معرض التهديد لهؤلاء المشركون المعاندون، يعنى ألا يخشى هؤلاء المشركون المعاندون المكذبون أن نطبع على قلوبهم كما طبعنا على قلوب الأمم السابقة الهالكة.

        

(تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) 
(تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا) هذه الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ يا محمد (مِنْ) أخبارها، يعنى "بعض" أخبارها، وهم قوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط وشعيب.
(وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) 
وَلَقَدْ جَاءَتْ هذه الأمم الهالكة رُسُلُهُمْ (بِالْبَيِّنَاتِ) بالحجج الواضحة، والمعجزات التي تدل على صدق نبوتهم.
(فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) يعنى فَمَا كَان الكفار من قومك لِيُؤْمِنُوا، بِمَا كَذَّبُوا به مِنْ قَبْلُ، فجعل تعالى الكفار من قريش كأنهم كفار الأمم السابقة، لتشابه قلوبهم مع قلوب الكفار من الأمم السابقة
لأن قلوب الكفار واحدة، وعقولهم واحدة، كما قال تعالى في سورة البقرة (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون)
وقال تعالي في سورة الذاريات (كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون) 

(كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ) 
يعنى كما طبع الله وأغلق هذا الغلق الشديد على قلوب الأمم السابقة المهلكة، طبع الله وأغلق قلوب هؤلاء الكفار الذين جاءوا من بعدهم، فلا يدخل اليها الايمان ولا يخرج منها الكفر.


        

(وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)  
يعنى وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِ أهل القري السابقة 
(مِنْ عَهْدٍ) يعنى مِنْ وفاء بالعَهْدٍ الذي أخذه الله من بنى آدم وهم في عالم الذر.
لأن الله تعالى أخذ علينا جميعًا العهد ونحن في صلب أبينا آدم، على أن نعبده لا نشرك به شيئًا، وأن نطيعه ولا نعصاه.
قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا)

(وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) 
يعنى وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ عاصين، خارجين عن طاعته، ناقضين لعهده تعالى.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇