Untitled Document

عدد المشاهدات : 552

الحلقة (455) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآية (137) من سورة "الأَعْرَاف" (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ ….

الحلقة رقم (455)
تفسير وتدبر الآية (137) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 166)

        

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) 

        

تحدثت الآيات السابقة عن ارسال موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- الى فرعون وملئه، وقلنا أن مهمة -عَلَيْهِ السَّلامُ- مع آَلَ فِرْعَوْنَ أمرين: 
الأول: أن يدعوهم الى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأوثان، وترك عبادة فرعون.
والثاني: أن يحرر بنى اسرائيل من عبودية فرعون، وأن يتركهم فرعون حتى يخرجوا مع موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- من مصر.
وكان رد فرعون أن رفض دعوة موسي، واتهمه بالسحر، واقترح عليه رجال دولته أن يجمع له السحرة، وحدثت المواجهة بين موسي وبين السحرة، والتي انتهت بهزيمة السحرة هزيمة نكراء وايمانهم جميعًا، بينما استمر فرعون وملئه في كفرهم وعنادهم، بل واشتد ايذائهم لبنى إسرائيل، وعادوا الى قتل أولادهم واستحياء نسائهم، فأصاب الله تعالى آَلَ فِرْعَوْنَ بأنواع العذاب، لعلهم يعودون إلى رشدهم؛ ويرجعون عما هم فيه من الكفر والعصيان، فأصابهم الله تعالى: بِالسِّنِينَ أي بالقحط والجفاف، وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، ثم اصابهم بالطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ، وأخيرًا الرِّجْز، وهو الطاعون، فلما جائهم الطاعون وكثر فيهم الموت، لجئوا الى موسي واعتذروا له ، وقالوا له لو رفعت عنا العذاب سنؤمن بك، ونرسل معك بَنِي إِسْرَائِيلَ، فلما رُفع عنهم العذاب، اصروا على كفرهم، فأمر الله تعالى مُوسَى بالخروج ببنى إِسْرَائِيلَ، فاتبعهم فِرْعَوْنَ وجيشه، وانتهي الأمر بغرق فرعون وجيشه وهلكوا جميعًا.


        

ثم يقول تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
يعنى تحقق وعد الله تعالى لبنى إسرائيل، يقول تعالى (وَأَوْرَثْنَا) يعنى وملكنا ومكنا (الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) وهم بنو إسرائيل. 
(مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) فيها أربعة آراء: 
اما المقصود بمَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا هي أرض الشام.
أو المقصود بها ارض مصر.
أو المقصود بها أرض الشام ومصر.
أو المقصود بها أكثر من أرض الشام ومصر.

        

عن الحسن البصري وقتادة وكثير من المفسرين أن المقصود بمَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا هي أرض الشام، لأن الله تعالى ذكر في أكثر من موضع في القرآن أن الأرض التي بارك فيها هي أرض الشام.
قال تعالى في سورة الأنبياء (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها) 
وفي سورة الأنبياء أيضًا (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها)
وفي سورة الأسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)

فأصحاب هذا الراي -وهم غالب المفسرون- أن مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا هي أرض الشام، شرقها وغربها.
وكان ذلك التمكين في ارض الشام في عهد "يوشع بن نون" وهو النبي الذي جاء بعد موسي، لأن بنى إسرائيل بعد خروجهم من رفضوا وجبنوا عن دخول الأرض المقدسة في عهد موسي وهارون، فعاقبهم الله تعالى بالتيه في أرض سيناء أربعين سنة، ومات هارون خلال هذه الفترة، ومات موسي بعده بعام خلال هذه الفترة أيضًا، وجاء بعد موسي "يوشع بن نون" نبيًا، وفي عهده دخل بنو إسرائيل بيت المقدس، فهذا هو المقصود بقوله تعالى
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)


        

الراي الثاني وهو رأي "الليث بن سعد" وغيره أن مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا هي أرض مصر، واحتجوا بقول الله تعالى في سورة الشعراء (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم) يعنى في أرض مصر (كذلك وأورثناها بني إسرائيل)
وفي سورة الدخان: (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين) في أرض مصر (كذلك وأورثناها قوما آخرين) وهم بنى إسرائيل.

وأصحاب هذا الراي يتبنون نظرية تاريخية تقول ان بعد غرق فرعون وجيشه عاد موسي الى مصر مرة أخري، لأنه يعتبر انتصر على جيش فرعون وسحقه تمامًا، وحكم موسي مصر فترة يطلق عليها الفترة الموسوية، وقيل أن هذه الفترة استمرت ثلاثة عشر عامًا، وخلال هذه الفترة استطاع الفراعنة تجميع أنفسهم واعادوا بناء الجيش، ففضل موسي عدم الدخول معهم في مواجهة، وترك مصر واتجه الى بيت المقدس كما أمره الله تعالى، وعادت مصر الى الفراعنة مرة أخري.
فقوله تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) المقصود بها أرض مصر التي ملكها موسي وبنى إسرائيل بعد هلاك فرعون وحيشه.


        

الرأي الثالث أن المقصود بمَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، هي أرض مصر وأرض الشام معًا، يعنى تشمل فترة ملك موسي لأرض مصر بعد هلاك فرعون وجيشه، ثم فترة فتح بيت المقدس في منطقة الشام بعد ذلك في عهد "يوشع بن نون".
        

الرأي الرابع أن المقصود بمَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، هي عموم الأرض، وأن هذا حدث في زمن داود -عليه السلام- وكانت مملكة إسرائيل في عهده مملكة قوية، قال تعالى (وشددنا ملكه) يعنى قوينا ملكه، ثم في عهد نبي الله سليمان -عليه السلام- والتي وصلت فيه مملكة بنى إسرائيل الى ذروة مجدها، وسليمان هو أحد أربعة ملوك ملكوا الأرض، اثنين مؤمنين واثنين كافرين، فالمؤمنين هما سليمان وذو القرنين، والكافرين هما النمروذ وبختنصر، ولا شك أن سيمان هو أعظم هؤلاء الأربعة وأوسعهم ملكا.


        

يقول تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) يعنى بالخصب والأنهار والأشجار والثمار.
        

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) 
يعنى تم وتحقق وعد الله لبنى إسرائيل بالتمكين في الأرض والنصر على عدوهم.
وكلمته الحسنى هي قوله تعالى في سورة القصص (َونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
يعنى
(بِمَا صَبَرُوا) يعنى بِمَا صَبَرُوا على أذى فرعون وعذابه.
(وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)
وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من الأبنية والقصور والمعابد (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) من الجنات والمزارع.
مع أن الله لم يدمر هذه القصور والمعابد وانما الذي دمر هو جيش فرعون، وهذه لها تفسيرين: 
اما لأن فرعون وجيشه ورجال دولته هلكوا فلم ينتفعوا بهذه القصور وهذه الأبنية فكأنها دمرت بالنسبة لهم.
الرأي الثاني: على اعتبار أن موسي لم يرجع الى مصر، وانما اتجه مباشرة الى بيت المقدس، ثم دخل بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة، فلما ترك موسي مصر، ودمر جيش فرعون بالكامل، وأصبح في مصر فراغ سياسي وعسكري واداري كامل، أصبحت مصر نهبًا لغيرها من الدول، أو لبعض الرعاع من أهل مصر، فنهبوا ودمروا الأبنية والقصور والمزارع.
تستكمل الآيات بعد ذلك الحديث عن بنى إسرائيل
ولكن هنا تنتهي قصة موسي مع فرعون.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇