Untitled Document

عدد المشاهدات : 720

الحلقة (492) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات (52) و(53) و(54) من سورة "الأنْفًال" (كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ ……

الحلقة رقم (492)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات (52) و(53) و(54) من سورة "الأنْفًال" ص 183
        

(كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴿٥٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم ﴿٥٣﴾ كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ ﴿٥٤﴾

        

يقول تعالى (كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴿٥٢﴾
ما معنى (كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) ؟
 وأصل الدأب في اللغة: إدامة العمل والاستمرار فيه.
نقول: فلان دؤوب في كذا، يعنى: منكب عليه، ومصر على انجازه.
فقوله تعالى
(كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) يعنى كفار قريش مصرون على الكفر، مثل اصرار ءَالِ فِرۡعَوۡنَ على الكفر.

        

(كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ) 
يعنى: وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب.

        

(كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) 
الآيات في القرآن لها ثلاثة معاني:
الآيات الكونية الدالة على وجوده -تعالى- ووحدانيته: (وَمِنْ آيَاتِهِ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ)
الآيات تأتي بمعنى المعجزات التي يؤتيها الله لرسله لإثبات صدق بلاغهم عن الله.
والآيات تأني بمعنى الآيات التي في كتبه المنزلة، مثل آيات التوراة، وآيات الانجيل، وآيات القرآن.
قوله تعالى
(كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) 
هؤلاء كفروا بكل ذلك: كفروا بآيات الله الدالة على وجوده ووحدانيته، كفروا بمعجزات الرسل، وقالوا أن هذا سحر، كفروا بكتبه وقالوا أن الرسل جاءوا بها من عند أنفسهم.

        
يقول تعالى (فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ) يعنى فعاقبهم الله تعالى وعذبهم بسبب ذنوبهم.
والأخذ تدل على الشدة، وتدل على المفاجأة والسرعة في الأخذ.

(إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ)
ٱللَّهَ تعالى (قَوِيّ) لا يعجزه شيء، وكل قوة في الكون هي مستمدة من قوته تعالى.
(إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ)
توعدهم الله تعالى بعقاب شديد، وهذا دليل على شدة ظلمهم.


        

(ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ﴿٥٣﴾
(ذَٰلِكَ) يعنى ٰذَٰلِكَ العذاب الذي نزل بهم.
(بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ) يعنى لأن الله تعالى من سننه في خلقه ولطفه ورحمته، لا يسلب نعمة أنعمها علي قوم، الا بسببهم هم، لأن الله تعالى كريم، والكريم لا يأخذ ما أعطاه.
(حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ) حَتَّىٰ يكفروا بهذه النعمة، ولا يؤدوا شكرها.

        
ومثال ذلك نعمة الله على قريش: أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وبعث فيهم الرسول ﷺ وكل هذا نعم عظيمة من الله تعالى، ولكنهم غيروا هذه النعم، فبدلًا من شكرها، والإيمان بالرسول ﷺ كفروا بالرسول ﷺ وآذوه وحاولوا قتله، فغير الله تلك النعمة، ونقل الله تعالى الرسول ﷺ من مكة الى المدينة وأنزل بهم عقابه.
        
وهذا مثل قوله تعالى في آية أخري في سورة الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
ولكن هناك فرق بين الآيتين:
الآية التي معنا:
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ) يعنى هم في نعمة، ثم لم يؤدوا شكرها، فسلبهم الله هذه النعمة.
أما الآية الأخرى
(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) يعنى هم في نقمة وعذاب بسبب ذنوبهم، ولن يرفع الله -تعالى- عنهم هذا العذاب، حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، ويتوبوا ويعودوا الى 

        

يقول تعالى (كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ ﴿٥٤﴾
(كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ) يعنى كفار مكة الذين يحاربون الرسول يفعلون نفس فعل، ويسيرون في نفس طريق ءَالِ فِرۡعَوۡنَ، وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ، من كفار الأمم السابقة. (كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ)
فانظروا كيف كانت نهايتهم؟ (فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ) 
(َأهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ) أي بسبب ذُنُوبِهِمۡ.
والإهلاك هي الإبادة التي لا تترك أي أثر.

(وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ) أي في البحر. 
(وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ) يعنى: وَكُلّٞ هذه الأمم كانوا ظالمين لأنفسهم بالكفر والمعصية، وظالمين لغيرهم بالإيذاء والفتنة، ولذلك أهلكهم الله تعالى حتى يطهر الأرض من شورهم وفتنتهم.


        

قوله تعالي (كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ) يعتقد البعض أنها تكرار للآية السابقة، ولكن هناك اختلاف بين الآيتين:
في الآية الأولي قال تعالى:
(فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ)
وفي الآية الثانية ذكر تفصيل هذا الأخذ، وهو الإغراق.

        
في الآية الأولي قال تعالى: (كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) يعنى كفروا بآياته الدالة على وجوده تعالى ووحدانيته. 
وفي الثانية قال تعالى:
(كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ) يعنى كَذَّبُواْ بالمعجزات التي جاء بها رسله، وكَذَّبُواْ بالآيات المنزلة في كتبه.

        
ولذلك ناسب في الأولى أن يقول: "آيَٰتِ ٱللَّهِ" لأنهم أنكروا ألوهية الله.
وناسب في الثانية أن يقول
"ايَٰتِ رَبِّهِمۡ" لأنهم أنكروا نعم الله عليهم، ولم يؤدوا شكرها.

        
أخيرًا نلاحظ أن الآيات الكريمة ذكرت اهلاك آل فرعون تخصيصًا، ولكنها ذكرت الأقوام السابقة اجمالًا، فقال (كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ)
لماذا التركيز على
(ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) ؟
لأن آثار الفراعنة لا تزال باقية الى الآن، ويأتي السياح لمشاهدتها من كل أنحاء العالم، بل ان هذه الأثار منتشرة في عشرات المتاحف في كل أنحاء العالم، وهناك عدد كبير من المسلات الفرعونية في ايطاليا وفي فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة وتركيا.
أما الحضارات القديمة بخلاف الحضارة الفرعونية فانها قد زالت تمامًا ولم يبق لها أي أثر، أو بقي لها أثر بسيط، قوم عاد مثلًا، طمست آثارها ولم نعثر على شيء منها حتى الآن، آثار ثمود بقي منها شيء قليل، قوم لوط ليس لهم أي أثر.
اذن التركيز على ذكر (ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) تخصيصُا، وذكر الأقوام الكافرة الأخري اجمالًا
لأن الله -تعالى- علم أن آثار الفراعنة ستبقي لتكون عبرة، بينما آثار هذه الأمم لن يبقي لها اثر، أو ستبقي لها آثار بسيطة.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇