Untitled Document

عدد المشاهدات : 462

الحلقة (571) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات (15) و(16) و(17) من سورة "هًود" )مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ….

الحلقة رقم (571)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات (15) ,(16) (17) من سورة "هًود"- ص 223
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ ﴿١٥﴾ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِل مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿١٦﴾ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِد مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَاما وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَة مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴿١٧﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ ﴿١٥﴾
تتحدث الآية الكريمة عن الذي يعمل أعمال صالحة، سواء صلة رحم، أو بر والدين، إعطاء سائل، أو غير ذلك من أعمال البر، ولكنه لا يؤمن يوم القيامة، لا يؤمن بالبعث والثواب والعقاب، والجنة والنار، مثل كفار العرب، (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) وكذلك الملاحدة الآن لا يؤمنون بوجود حياة أخري بعد الموت، ويقولون أن هذه فكرة طفولية، وليس هناك دليل علمي على وجودها
وتتناول الآية أيضًا من كان مسلمًا ويعمل عملًا صالحًا، ولكن لا يريد بعمله وجه الله، يعنى يقوم بعمله الصالح رياءًا، مثل الذي يتصدق حتى يكون له دور في المشاركة الاجتماعية، فهذا يتصدق رياءًا، وكلمة رياء من الرؤية، يعنى هو يتصدق حتى يراه الناس وهو يتصدق.
فكل هؤلاء يعملون أعمال صالحة، ولكن لا يريدون بها وجه الله.
سواء هذا أو ذاك، يعنى سواء الملحد الذي لا يؤمن بوجود يوم القيامة، أو المسلم الذي يرائي بعمله، هو يعمل العمل الصالح والله تعالى ليس في باله، هو يعمل هذا العمل من اجل الدنيا
ولذلك يقول تعالي:
(مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا) يعنى مَن كَانَ يُرِيدُ بعمله الصالح ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا
ودائمًا "متاع الدنيا" يعبر عنها بالزينة، لأنها تظهر الدنيا على غير حقيقتها.
مثل الزينة التى تضعها المرأة، تجعلها تظهر على غير حقيقتها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا)
(فِيهَا) يعنى في الدنيا، سيأخذ ثواب عمله الصالح في الدنيا
بأن يوسع له في رزقه، أو يدفع عنه مكروه، يكون تيسير في أموره، يترقي في عمله، 
يعيش بصحة جيدة، أولاده يكونوا كويسين.
والمسلم الذي يريد بعمله الرياء والسمعة، حاز الثناء الذي كان يطلبه من الخلق، سمينا شارع باسمك واتعملك تمثال، وأخذت جائزة الدولة التشجيعية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ضربنا مثل: رجل طرق عليك باب بيتك، وقال لك أريد أجرة نقاشة الشقة في الدور الأسفل منك، 
فستقول له، بل تأخذ أجرتك من صاحب الشقة وليس منى.
ولله المثل الأعلى: هؤلاء عملوا لغير الله، فكيف يطلبون أجرهم من الله؟


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال "قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ. "
روي الترمذي وغيره في الحديث الصحيبح عن شُفَيُّ بْنُ مَاتِعٍ، وكان مصريًا ومن علماء التابعين، يقول: دخلت المدينةَ، فإذا برجُلٍ قدِ اجتمعَ عليْهِ النَّاسُ، فقلت: مَن هذا ؟ فقالوا: أبو هُريرةَ، فدنوتُ منْهُ حتَّى قعَدتُ بينَ يديْهِ، وَهوَ يحدِّثُ النَّاسَ، فلمَّا سَكتَ وخلا، قلتُ: أنشدُكَ بحقٍّ وحقٍّ حدَّثتني حديثًا سمعتَهُ مِن رسولِ اللَّهِ ﷺ، فقالَ أبو هريرةَ: أفعلُ لأحدِّثنَّكَ حديثًا حدَّثنيهِ رسولُ اللَّهِ ﷺ، وأنا وَهوَ في البيتِ ما معنا أحدٌ غيري وغيرُهُ، قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ اللَّهَ تبارَكَ وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ نزلَ إلى العبادِ ليَقضيَ بينَهم، وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ، فأوَّلُ من يدعو بهِ رجلٌ جمعَ القرآنَ، ورجلٌ يُقتلُ في سبيلِ اللَّهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولِي ؟ قالَ: بلى يا ربِّ قالَ: فماذا عمِلتَ فيما عُلِّمتَ ؟ قالَ: كنتُ أقومُ بهِ أثناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، فيقولُ اللَّهُ لهُ: كذبتَ، وتقولُ الملائِكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ قارئٌ، فقَد قيلَ، ويؤتى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللَّهُ: ألم أوسِّع عليْكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ؟ قالَ: بلَى قالَ: فماذا عملتَ فيما آتيتُكَ؟ قالَ: كنتُ أصلُ الرَّحمَ، وأتصدَّقُ، فيقولُ اللَّهُ: كذبتَ، وتقولُ الملائِكةُ: كذبتَ، فيقولُ اللَّهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوَّادٌ، فقد قيلَ ذاكَ، ويؤتى بالَّذي قتلَ في سبيلِ اللَّهِ، فيقالُ لهُ : فيمَ قُتلتَ؟ فيقولُ: أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِكَ، فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ، فيقولُ اللَّهُ: كذبتَ، وتقولُ الملائِكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- لهُ: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جَريءٌ، فقد قيلَ ذلِكَ، يقول أبو هريرة: ثمَّ ضربَ رسولُ اللَّهِ ﷺ علَى رُكبتيَّ، فقالَ : يا أبا هُريرةَ ، أولئِكَ الثَّلاثةُ أوَّلُ خَلقِ اللَّهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامَةِ.
ولما دخل "شُفَيُّ بْنُ مَاتِعٍ" على معاوية وذكر هذا الحديث، بكي معاوية، وقال صدق الله ورسوله، وتلا هذه الاية الكريمة
(مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ)
(نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ) كلمة (نُوَفِّ) يعنى يأخذون الحق كاملًا.
(نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا) يعنى في الدنيا


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ)
البخس هو نقص الحق ظلما.
كمن يقول: أنت بخستنى حقي، يعنى لم تعطني حقفي كاملًا،
فقوله تعالى
(وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ) يعنى سيأخذون مقابل عملهم كاملًا لن ينقص منه أي شيء
لأن الله -تعالى- هو العدل.
بل جيتس كانت ثروته 60 مليار دولار، وتبرع بمليار دولار، وفي العام التالى بلغت ثروته 100 مليار دولار.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وأما المؤمن فيجازى في الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الآخرة.
يقول تعالى
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ 
"إِنَّ اللهَ تعالى لا يِظْلِمُ المؤمِنَ حسَنَةً، يُعْطَى علَيْها في الدنيا و يثابُ عليها في الآخِرَةِ، وأمَّا الكافِرُ فيُطْعَمُ بِحَسَناتِهِ فِي الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرِةِ لم تكنَ لَهُ حسنةٌ يُعْطَى بِها خيرًا."
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كانت هناك امرأة خرج ابنها في تجارة، وفي يوم كانت جالسة تأكل، وما ان كسرت لقمة ورفعها الى فمها، طرق على الباب سائل، فأخرجت اللقمة من فيها، وحملتها مع الرغيف وأعطتها للسائل، ونامت جائعة، فلما جاء ابنها من السفر، قال لها قد مررت بأمر عجيب، قال لها خرجت في ارض فلاة، فاذا باسد ينقض على، وبرك على ليفترسنىن وبينما أنا كذك فاذا برجل عيم الخلقة أبيض الوجه والثياب، حمل الأسد من رقبته ورمي به، وقام الأسد يهرول، ثم نر الرجل الى وجهي وقال "لقمة بلقمة" ثم لم أجد الرجل، فسألته أمه متى حدث ذلك، فوجدت أن ذلك كان في نفس الوقت الذي أخرجت فيه اللقمة من فمها لتتصدق بها على هذا المسكين.
اذن المؤمن يأخذ ثواب عمله الصالح في الدنيا وفي الآخرة.
ألا تري البار بأبوية موفق في حياته؟ ألا تري الذي يكثر الصدقة هناك بركة في رزقه، ألا تري من يبدا يومه بصلاة الفجر واذكار الصباح يكون هناك تيسير في يومه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِل مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿١٦﴾
هؤلاء ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُ، لأن ثواب أعمالهم الحسنة أخذوها في الدنيا كاملة، لم ينقص منها شيئا، 
ولم يبق الا سيئاتهم، وسيدخلون بسببها الى النار.

(وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) والحبط هو أن تأكل الماشية البرسيم قبل أن ينضج، ويؤدي ذلك الى انتفاخ بطنها، فيراها صاحبها ويعتقد أنها سمنت ويفرح بذلك، ولكن مع ازدياد الإنتفاخ تسقط البهيمة، ويطلق على ذلك "الحبط" وأخذ منها الإحباط، يعنى شخص كان عنده أمل في شيء ثم لم يتحقق، لأن صاحب الماشية كان عنده طموح في بهيمته ثم فوجيء أنها ماتت.
وكذلك الكافر الذي يعمل أعمالًا صالحة في الدنيا، أو المسلم الذي يعمل أعمالًا صالحة رياء وسمعة، وهو يعتقد أنه سيجد ثواب هذه الأعمال يوم القيامة، ثم يأتي يوم القيامة ولا يجد لها وزنًا.
يقول تعالى
(وَبَٰطِل مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ)
بطل يعنى فسد، كما نقول "عقد باطل" يعنى فاسد ولا يترتب عليه أي شيء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ﺭﻭﻯ ﻋﻦ شيخ اسمه "ﺃﺣﻤﺪَ ﺑﻦِ ﻣﺴﻜﻴﻦ" ﺃﺣﺪِ ﻋﻠﻤﺎﺀِ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻗﺎﻝ:
أصابنى فقر شديد حتى لم يعد عندي أي شيء أطعم به زوجتى وطفلى، حتى قررت بيع الدار الذي نسكن فيه، فخرجت أبحث عن شخص يشتريه، ولفينى أخ لى في الله، أسمه "أبو نصر" وأخبرته برغبتى في بيع البيت، 
يقول فأعطاني رغيفين من الخبز، وقطعة حلوي، وقال أطعمها أهلك.
فانطلقت الى داري مسرعًا أريد أن أطعم زوجتى وطفلي، فبينما أنا في الطريق لقيتنى امرأة معها صبي.
فنظرت المرأة الى الرغيفين وقال: يا سيدي هذا طفل يتيم، ولا صبر له على الجوع، ﻓﺄﻃﻌﻤﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺮﺣﻤﻚ ﺍﻟﻠﻪ، 
ﻭﻧﻈﺮ ﺇﻟﻲّ ﺍﻟﻄﻔﻞُ ﻧﻈﺮﺓ ﻻ‌ ﺃﻧﺴﺎﻫﺎ
ﻭﺧُﻴِّﻞ ﺇﻟﻲّ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻷ‌ﺭﺽِ ﺗﻌﺮﺽ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﻳُﺸﺒِﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﺃﻣﻪ
يقول: فدفعت ما في يدي للمرأة، وقلت لها: خذي وأطعمي ابنك.
يقول: والله ما أملك شيئًا، ، ﻭﺇﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺭﻱ ﻟﻤَﻦ ﻫﻮ ﺃﺣﻮﺝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ.
يقول: ﻓﺪﻣﻌﺖ ﻋﻴني الأم، وابتسم الصبي.
يقول ﻭﻣﺸﻴﺖ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻬﻤﻮﻡ، ﻭﺟﻠﺴﺖ ﺇﻟﻰ جانب الطريق لا أستطيع أن أعود الى داري وأري ابنى وهو يتلوي من الجوع
وبينما أنا كذلك ﺇﺫ جاء ﺃﺑﻮ ﻧﺼﺮ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻄﻴﺮ ﻓﺮﺣًﺎ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪ، ﻣﺎ ﻳُﺠﻠﺴﻚ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭﻙ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻐﻨﻰ؟! ﻗﻠﺖ : ﺳﺒﺤﺎﻥ الله ، ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻧﺼﺮ؟! ﻗﺎﻝ : ﺟﺎﺀ ﺭﺟﻞ مِن ﺧُﺮﺍﺳﺎﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻚ ﺃﻭ ﺃﺣﺪٍ ﻣِﻦ ﺃﻫﻠﻪ ، ﻭﻣﻌﻪ ﺃﺛﻘﺎﻝٌ ﻭﺃﺣﻤﺎﻝٌ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻷ‌ﻣﻮﺍﻝ ، ﻓﻘﻠﺖ : ﻣﺎ ﺧﺒﺮﻩ؟!
ﻗﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﺗﺎﺟﺮ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻙ ﺃﻭﺩَﻋﻪ ﻣﺎلًا ﻣِﻦ ﺛﻼ‌ﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ، ثم ترك البصرة الى خراسان، وتاجر هناك وكسب مالًا كثيرًا، ثم أراد أن يتحلل فعاد بالمال، وما كان يربحه في ثلاثين سنة.
ﻳﻘﻮﻝ الشيخ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻜﻴﻦ : ﺣﻤﺪﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺷﻜﺮﺗﻪ ، ﻭﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺟﺔ ﻭﺍﺑﻨﻬﺎ ، ﻓﻜﻔﻴﺘﻬﻤﺎ، ﺛﻢ ﺍﺗّﺠﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻝ، حتى كثر مالى جدًا، وصرت أتصدق بالآلاف، وكلما تصدقت يزداد مالى، فأزيد في الصدقة، فيزيد مالى، 
يقول: ﻭﻛﺄﻧﻲ ﻗﺪ ﺃعجبتني ﻧﻔﺴﻲ ، ﻭﺳﺮَّﻧﻲ ﺃﻧﻲ ﻗﺪ مُلأَﺕْ ﺳِﺠِﻼ‌ﺕُ ﺍﻟﻤﻼ‌ﺋﻜﺔِ ﺑﺤﺴﻨﺎﺗﻲ ، ﻭﺭﺟﻮﺕ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻗﺪ ﻛُﺘِﺒﺖُ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ، ثم ﻨﻤﺖُ ﻟﻴﻠﺔً ؛ ﻓﺮﺃﻳﺘُﻨﻲ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ، ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ ﻳﻤﻮﺝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ، ﺛﻢ ﻭﺿﻌﺖ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ، ﻭﺟﻲﺀ ﺑﻲ ﻟﻮﺯﻥ ﺃﻋﻤﺎﻟﻲ ، ﻓﺠُﻌِﻠﺖ ﺳﻴﺌﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﻛِﻔﺔ ، ﺛﻢ ﺟﻌﻠﻮﺍ يضعون حسناتي ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺤﺖ ﻛﻞ ﺣﺴﻨﺔٍ "ﺷﻬﻮﺓٌ ﺧﻔﻴﺔٌ" ﻣِﻦ ﺷﻬﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ : ﻛﺎﻟﺮﻳﺎﺀ ،ِ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭِ ، ﻭﺣﺐِ ﺍﻟﻤَﺤْﻤﺪﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻠﻢُ ﻟﻲ ﺷﻲﺀ ﺻﻮﺗًﺎ : ﺃﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ ﺷﻲﺀ ؟
ﻓﻘﻴﻞ : بقي ﻫﺬﺍ ، ونظرت ﻓﺈﺫﺍ الرعيفين اللذين ﺃﺣﺴﻨﺖ ﺑﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺍﺑﻨﻬﺎ ، ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ ﺃﻧﻲ ﻫﺎﻟﻚ ، ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺃُﺣﺴِﻦُ بالف دينار ﺿﺮﺑﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ، ﻓﻤﺎ ﺃﻏﻨَﺖْ ﻋﻨﻲ ، ﻓﺎﻧﺨﺬﻟﺖ ﺍﻧﺨﺬﺍلًا ﺷﺪﻳﺪًﺍ ، فوضع الرغيفان ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻜﻔﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﺗﻨﺰﻝ قليلًا ﻭﺭﺟﺤﺖ ﺑﻌﺾَ ﺍﻟﺮﺟﺤﺎﻥ ، ثم ﻭُﺿﻌﺖ ﺩﻣﻮﻉ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻜﺖ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ، فاذا بالكفى ترجح وترجح، ثم وضعت ابتسامة الصبي اليتيم فاذا بالكفى ترجح وترجح حتى  ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﻘﻮﻝ : "ﻗﺪ ﻧﺠﺎ .. قد نجا".


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِد مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَاما وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَة مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴿١٧﴾
(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ)
وهو الرسول ﷺ وأتباعه المؤمنون والبينة هو الأمر الواضح، وهو الإسلام.
(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّهِ) على نور من ربه

(وَيَتۡلُوهُ شَاهِد مِّنۡهُ)
يعنى وَيَتۡلُوا الرسول ﷺ القرآن الكريم، شَاهِد من الله تعالى على صدق نبوته ﷺ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَاما وَرَحۡمَةً)
يعنى وَمِن قَبۡلِ القرآن الكريم ( كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ) وهو التوراة تشهد للرسول ﷺ بصدق النبوة، 
لأن صفة الرسول موجودة في التوراة.

(إِمَاما وَرَحۡمَةً) صفة للقرآن الكريم أو للتوراة .
وكلمة
(إمام) يعنى تتبع أوامره  كما يتبع المأموم الإمام،
(وَرَحۡمَةً) يعنى ورحمة من العذاب ان عمل بما فيه.
(أُوْلَٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِ)
(أُوْلَٰٓئِكَ) وهم المؤمنون (يُؤۡمِنُونَ بِه) يعنى بالقرآن الكريم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ)
يعنى: وَمَن يَكۡفُرۡ بِالقرآن (مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ) فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥ
ٱلۡأَحۡزَابِ جمع حزب، وهم الذين تحزبوا وتجمعوا واتفقوا على الكفر ومحاربة الإسلام، 
ولذلك سميت غزوة الأحزاب بهذا الإسم، لأن عدد من القبائل تحزبوا وتجمعوا لحرب المسلمين.

(فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَة مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ)
يعنى: فَلَا تَكُن -أيها العاقل- فِي شك مِّنۡ أن هذا القرآن من عند الله تعالى
(إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ) إِنَّ هذا القرآن حقُّ مِن عند الله تعالى.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ)
حقيقة يذكرها القرآن دائمًا، أن أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ ليسوا على الإيمان، وبدليل أن عدد المسلمين اثنين مليار، 
خمس سكان العالم، اذن الغالبية ليست على الإيمان.
والقرآن الكريم يكرر هذه الحقيقة في اكثر من موضع،
(وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ ) ( وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكُورُ) 
حتى لا يستوحش المؤمن وهو في طريقه الى الله.
أحيانًا ينظر الإنسان الملتزم فيري كل من حوله على باطل، فيشك في اختياره، ويقول هل أنا على حق أم على باطل؟ فتاة كل زميلاتها غير محجبات أو يرتدين نصف حجاب، فتقول هل أنا على حق أم هن؟ شاب كل أصحابه على علاقات مع فتيات، فيشك في نفسه، موظف كل زملائه يتقاضون رشاوي، يقولون إنها اكرامية، ونحن لا نعطي المواطن أكثر من حقه، فيشك في أنه على خطأ.
يقو ابن القيم في "مدارج السالكين" قال بعض السلف:

عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغَضّ الطرف عمن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك.
اذن فالقرآن الكريم في مواضع كثيرة جدًا يقرر أن أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ، وغالبية ٱلنَّاسِ ليسنا على الطريق الحق، 
حتى لا تستوحش وأنت في طريقك الى الله

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇