Untitled Document

عدد المشاهدات : 196

الحلقة (611) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآية رقم (3) من سورة "الرَعد"(وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ.....

الحلقة رقم (611)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
        

.تفسير وتدبر الآية (3) من سورة "الرَعد"- ص 249
        

( وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۡهَٰرٗاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ   (3)
        

ما زالت الآيات الكريمة تتحدث عن مظاهر قدرة الله تعالى، والتى تدل على وجوده ووحدانيته، وبعد أن ذكر - سبحانه-  في الآية السابق  بعض مظاهر قدرته فى عالم السماوات، أتبع ذلك بذكر بعض مظاهر قدرته فى عالم الأرض، فقال تعالى:
(وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ)
يعنى وَهُوَ ٱلَّذِي جعل ٱلأَرْضَ متسعة ومبسوطة وممهدة.
ولو كانت الأرض كلها جبالًا أو وديانًا لما صلحت للعيش عليها.

        

والبعض فهم المَدَّ قديمًا على أن الأرض مسطحة.
وهذا غير صحيح، بل على العكس،
 كلمة المَدَّ تشير الى كروية الأرض.
لأن المَدَّ بلا نهاية لا يكون الا في حالة التكوير.
وقد أشار القرآن الكريم الى كروية الأرض، في عدة آيات منها هذه الآية الكريمة.
ولكنها كلها إشارات ضمنية رقيقة لا تصدم أو تفزع العقول في وقت نزول القرآن، والتي كانت لا يمكن أن تقبل أو تتصور أن الأرض كروية، وفي نفس الوقت تكون هذه الإشارات القرآنية من الناحية العلمية دقيقة دقة مطلقة.


        

(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً)
الرَوَاسِىَ هي للجبال، وهو من الرسو وهو الثبات،
الأجسام الثقيلة اذا ثبتت يقال لها رست، كما نقول رست السفينة
والحقائق العلمية التي توصل اليها العلماء حديثًا أن قارات العالم السبع تطفو على سطح يطلق عليه "نطاق الضعف الأرضي" وهذا السطح توجد فيه الصخور في حالة لدنة شبه منصهرة، ومع السرعة العالية لدوران الأرض حول نفسها، فان كتل قارات العالم لابد تتحرك وتتزلج على هذا السطح، بحيث يستحيل معها الاستقرار أو العيش عليها.
لذلك جعل الله تعالى الجبال لتثبيت كتل قارات العالم في أماكنها.
فتقوم الجبال بربط كتلة القارة بقاع المحيط، أو يربط كتلة القارة بقارة أخري، وبذلك تتوقف حركة القارات، أو تهدأ هدوءًا شديدًا، وتكون صالحة للحياة عليها.
ووصف الله تعالى الجبال في موضع آخر بالأوتاد، فقال تعالى (والجبال أوتادا) لأن الوتد أغلبه مدفون تحت الأرض، وأقله ظاهر فوق سطح الأرض، ووظيفته التثبيت.
وجاء هذا التعبير القرآني في غاية الدقة، فقال تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ)  كلمة "الرسو" من الثبات، والجبال تقوم –كما قلنا- بتثبيت الأرض التي نعيش عليها.
وفي نفس الوقت تشبيه الجبال بالسفينة الراسية في الميناء، 
لأن الجبال تطفو في نطاق الضعف الأرضي تمامًا كما تطفو السفينة الراسية في الميناء.


        

يقول تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً)
وجعل في الأرض الأنهار، حتى ينتفع الإنسان والحيوان والنبات بمياهها.
وجمع -تعالى- في هذه الاية بين الرَوَاسِىَ والأنهار، وعلق بهما فعل واحد وهو (جَعَلَ) لأن هناك علاقة بين الجبال وبين الأنهار، لأن كل أنهار العالم تنبع من الجبال.
لأن المطر ينزل على الجبال، ثم يتجمع، وينزل من الجبل وتتكون الوديان وتنشأ الأنهار.
ولم يكن أحد وقت نزول الوحي له معرفة بهذه الحقيقة.


        

(وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ)
يعنى جعل كل أنواع النبات تتألف من ذكر وأنثي حتى تتكاثر.
وهذه حقيقة علمية لم تعرف الا قريبًا، فلم يكن معروفًا أن النباتات فيها أعضاء تذكير وتأنيث، وأن الثمار تنتج من تلقيح حبوب اللقاح والبويضات في زهرة النبات.


        

(يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ)
كلمة (يُغْشِي) من الغشاء، وهو الغطاء، نحن نقول "على عينك غشاوة" يعنى غطاء يجعلك لا تري الحقيقة، وهناك سورة "الغاشية" وهو أحد أسماء يوم القيامة، لأنها تغشي الناس أي تغطي وتعم الناس بأهوالها، ومر بنا قول الله تعالى (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ (أي أغطية من نار جَهَنَّمَ.
فقوله تعالى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ)
يعنى أن الله تعالى يغطي بظلمة الليل نور النَّهَارَ.
وهذه إشارة لطيفة من القرآن العظيم الى كروية الأرض والى دوران الأرض أمام الشمس دورة كاملة كل يوم.
لأنه لو لم تكن الأرض كروية، ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار.
هات أي شكل من الأشكال، ولا يكون  كرة.ولا يدور حول نفسه، ويتعاقب الليل والنهار.

ودائمًا الإشارات القرآنية الى الحقائق العلمية التي كانت خافية على الناس وقت نزول الوحي تأتي بصيغة لطيفة رقيقة مجملة غير مباشرة حتى لا تصد الناس عن قبولها، وهذا من رحمة الله تعالى، وفي نفس الوقت تأتي الصياغة بالغة الدقة في التعبير عن هذه الحقيقة الكونية.
اذن فقوله تعالى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) يعنى أن الله تعالى يغطي بظلمة الليل نور النَّهَارَ، 
وهذا من دلائل قدرته وتدبيره تعالى.

        

ولولا تبادل الليل والنهار ما استقامت الحياة على سطح الأرض
قرأت أن إحدى شركات الإعلان أنشأت إعلانا ضوئيا كبيرًا بالقرب من إحدى المزارع، فلاحظ المزارع أن محصول الأرز في المنطقة المحيطة بالإعلان الضوئي قد انخفض، وتقدم للمحكمة بدعوى ضد شركة الإعلان، فانتدبت المحكمة خبيرًا للتحقيق في الأمر، وأيد الخبراء دعوي المزارع من أن الضوء الليلي هو سبب انخفاض محصول الأرز.


        

(إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
إِنَّ فِي ذٰلِكَ الذي ذكر من عجائب صنع الله تعالى (لآيَاتٍ) لعلامات ودلائل (لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يعنى لِّقَوْمٍ يستدلوا بها على أن العبادة لا تصح ولا تجوز الا لله وحده، وليس لغيره -تعالى- من الأصنام والأوثان التي لم تخلق شيئًا وهم يخلقون.

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇