Untitled Document

عدد المشاهدات : 191

الحلقة (616) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيتين (17) و (18) من سورة "الرَعد" )أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا.....

الحلقة رقم (616)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيتين (17) و (18) من سورة "الرَعد"- ص 251
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدا رَّابِياۖ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ ﴿١٧﴾ لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴿١٨﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يضرب الله في هذه الآية الكريمة مثلًا رائعًا للصراع الحق والباطل، هذا الصراع الذي بدأ منذ خلق آدم -عليه السلام- وسيستمر الى قيام الساعة.
وكيف أن الباطل قد يعلوا أحيانًا على الحق، ولكن النهاية ستكون دائمًا لصالح أهل الحق.

يقول تعالى
(أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآء فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا)
هنا يشبه تعالى الوحي أو القرآن بالمطر الذي ينزل من السماء على الجبال، ثم يسيل الى الأودية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا) وقرأت (بقَدْرِها) بإسكان الدال.
يعنى كل وادي خد على أده.
على قدر اتساعه، على قدر طاقته.
لأن الماء إذا زاد على حجم الوادي فسيتحول الى طوفان فيكون مدمر للأبنة وللزراعات.
 والله يضرب هذا المثل بالشيء النافع.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال تعالى (فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدا رَّابِيا) 
يعنى مع نزول الماء واندفاعه في الأودية، تظهر على سطح الماء رغاوي أو فقاقيع يطلق عليها الزبد، ويطلق أيضًا على العناصر القذرة التى يكنسها السيل أثناء اندفاعه.
وكلمة
(رَّابِيا) يعنى مرتفعًا على سطح الماء، وهذه صورة للباطل الذي يكون مرتفعًا ومستعليًا على الحق.
ولكن لا تلبث هذه الفقاقيع أن تختفي، والعناصر القذرة يبقي بها السيل على جانبي الوادي، ويسير بعد ذلك الماء صافيًا.
اذن هذا الاستعلاء للباطل على الحق هو استعلاء مؤقت لا يلبث ان يختفي ويزول ويضمحل.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وهذا المَثَل يدركه أهل البادية؛ لأن البادية صحراء وجبال ووديان؛ 
ثم يضرب مثلًا أخر يراه أهل الحضر، فيقول تعالى: 

(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰع زَبَد مِّثۡلُهُۥۚ)
يعنى الصائغ أو الحداد يضع المعدن -وفي صورته الخام- في النار، حتى يتحول الى سائل مصهور، فيطفو فوق السطح الأشياء التي ليست من المعدن، ويبقي المعدن بعد ذلك صافيًا.
يقول تعالى
(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ) يعنى لطلب الزينة وهو الذهب او الفضة 
(أَوۡ مَتَٰع) يعني الحديد أَوۡ النحاس أو الرصاص أو غيره من المعادن والتي تصهر حتى نصنع منها متاع يعنى أدوات نستخدمها في حياتنا.
وسميت
(مَتَٰع) لأن الإنسان يتمتع بها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَوۡ مَتَٰع زَبَد مِّثۡلُهُۥۚ)
يعنى يطفو فوق السطح الوسخ الذي يكون فيي المعدن، والذي ليس من المعدن.
وكلمة
(مِّثۡلُهُۥۚ) فهو مثل زبد الوادي في عدم نفعه، وفي وساخته.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ)
يعنى هكذا قدر الله أن يكون الصراع بين اهل الحق وأهل الباطل.
وكلمة
(يَضْرِبُ) يشير الى شدة وعنف هذا الصراع.

(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰع زَبَد مِّثۡلُهُۥۚ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً)
هذه هي النتيجة الحتمية للصراع بين الحق والباطل.
أن الباطل وان كان قد ارتفع على الحق بصورة مؤقتة، ولكن النتيجة هو أنه سيَذْهَبُ جُفَآءً.
يعنى يختفي ويضمحل ويتبدد ويصبح أثرًا بعد عين.
كانت العرب تقول جفاه الوادي يعنى رمى به

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ)
وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ من الماء، أو من الذهب او الحديد او غير ذلك، هو الذي سيبقي وهو الذي سينتفع به الناس.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذا هو المثال الذي ضربه تعالى للصراع بين الحق والباطل.
أن الحق هو الذي سيظل ويستقر، والباطل سيذهب جفاء، حتى لو استعلى الباطل على الحق فهو علو مؤقت، لا يلبث أن يٌلفَظ ويعود الحق الى الظهور مرة أخري.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قيل أيضًا في هذا المثل أن نزول الماء من السماء هو القرآن، وقلوب العباد هي الأودية، وهذه الأودية تستقبل من أنوار القرآن على قدر طهارتها او خبثها، فينتفع المؤمن بالقرآن كما تنتفع الأرض بالماء، ولا ينتفع به الكافر فيكون ما حصل عنده من القرآن كالزبد وكخبث الحديد الذي لا ينتفع به.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن دقة أداء القرآن أن الله تعالى قال (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ)
بينما قال تعالى في سورة القصص (فأوقد لى ياهامان على الطين)
هنا قال (فِي ٱلنَّارِ)
هناك قال (على) لأن اذابة المعادن لا تكون بان توضع على النار، وانما توضع فِي ٱلنَّارِ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذا التشبيه القرآني من الناحية العلمية دقيق دقة بالغة.
لأن السيول عندما تنزل على الجبال فإنها تعمل على تفتيت الصخور، والتي يكون فيها عناصر المعادن المختلفة، وعندما ينزل الماء متدفقًا الى الوديان، فانه يكون حاملًا معه هذه الصخور المتفتة، وهذه العناصر من المعادن المختلفة، ومع قلة اندفاع المياه تبدأ هذه العناصر في الاستقرار في قيعان الوديان، 
ويتجمع كل عنصر من هذه العناصر في بقعة خاصة به لأن كل عنصر له الثفل الخاص به.
يعنى مثلًا النحاس أثقل من الحديد والرصاص أثقل من النحاس.
فنجد جزيئات الرصاص تجمعت أولًا لأن هي الأثقل، في بقعة معينة في قاع النهر، وبعدها بمسافة يتجمع النحاس، وبعدها الحديد.
وبذلك تتكون ركازات أو خامات المعادن المختلفة، ولذلك نجد كثيرًا من خامات المعادن العظيمة الفائدة للإنسان في قيعان الأنهار والأودية.
ومن هذا جاء هذا التعبير الدقيق دقة علمية مطلقة، يقول تعالى
(وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ)


(وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴿١٨﴾
(لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ)
يعنى لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ فأمنوا به تعالى وأطاعوه.
(ٱلۡحُسۡنَىٰ) وهي الجنة. 
وقيل
(ٱلۡحُسۡنَىٰ) هي مضاعفة الحسنات.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُ) وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لأمر الله -تعالى- ونهيه.
(لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ) ۡ لو أَنَّهم يملكون كل مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيملكون مِثۡلَهُۥ أيضًا، -وهذا أمر يستحيل أن يكون، يعنى لو تخيلنا أن شخص يملك مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ، فانه يستحيل أن يملك كل مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ.
فلو أن واحد من هؤلاء الكفار بالله تعالى يملك كل مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُ، وقبل منه هذا يوم القيامة، لقدموه فداء لنفسه من العذاب يوم القيامة.   

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ) 
قلنا ان من معاني (ٱلۡحُسۡنَىٰ) هو مضاعفة الحسنات.
وفي المقابل فان الكافر له
(سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ) 
يعنى لن تقبل حسناتهم، ولن تغفر سيئاتهم.
فهو حساب ليس فيه مغفرة ولا رحمة ولا تساهل ولا تجاوز.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل (سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ) يعنى سُوٓءُ المناقشة.
يكون حساب فيه تقريع وتوبيخ وتعنيف.
يقول ابن كثير في تفسيره
(يناقشون على النقير والقطمير والجليل والحقير ومن نوقش الحساب عذب)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) يعنى وبعد ٱلۡحِسَابِ سيكون مصيرهم ومقامهم ومستقرهم هو جَهَنَّمُ.
ثم وصف هذا المأوي فقال:
(وَبِئْسَ المهاد)
وَبِئْسَ أسلوب ذم
يعنى وَبِئْسَ ما أعدوا ومهدوا لأنفسهم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا فيه تهكم بهم أن المأوي هو المكان الذي يأوي اليه صاحبه للراحة، والمهاد هو ما يفرش ويمهد ويوطأ للنوم والراحة فيه.
فقال تعالى تهكما وسخرية بهم
(وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ)

نسأل الله تعالي السلامة والثبات على الأمر.

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇