Untitled Document

عدد المشاهدات : 5085

الفصل السابع: قصة أصحاب الفيل
 
أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

 الجزء الأول: أحداث قبل بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم

الفصل السابع
 
 ((قصة أصحاب الفيل))

احتلال الحبشة لليمن
تحدثنا في فصل سابق عن قصة أصحاب الأخدود، وقلنا أن "ذو نواس" والذي كان ملكًا على منطقة "نجران" وهي المنطقة الموجودة في جنوب المملكة السعودية في حدودها مع اليمن، قام هذا الملك الطاغية بقتل عِشْرِينَ أَلْف من النصاري حرقًا، وهي القصة التى ذكرها الله تعالى في سورة "البروج" ولم ينج من هذه المذبحة الا رجل واحد اسمه "دَوْس ذُو ثُعْلُبَان" واتجه "دَوْس" مباشرة الى روما،  واستطاع أن يصل الى مقابلة قيصر، وكان اسمه في ذلك الوقت "جستنيان الأول" وقص عليه ما حدث، وكان قيصر وروما على النصرانية، فغضب قيصر غضبًا شديدًا، ولكنه لم يستطع أن يحرك جيشًا الى جنوب الجزيرة العربية 
وكانت الحبشة في ذلك الوقت على النصرانية وتابعة للإمبراطورية الرومانية، فأرسل قيصر مع "دَوْس" رسالة الى "النجاشي" ملك الحبشة يأمره بأن يتحرك الى أرض نجران وينتقم لما حدث للنصاري هناك، وتحرك الجيش بالفعل تحت قيادة رجل اسمه "أرياض" وكان من قادة الجيش رجل طموح اسمه "أبرهة"
حدث القتال بين جيش الحبشة تحت قيادة "أرياض" وجيش نجران تحت قيادة "ذو نواس" وانهزم جيش "ذو نواس" وانتحر "ذو نواس" 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أبرهة ينقلب على أرياط
أصبحت منطقة نجران واليمن تابعة للحبشة، وأصبح "أرياط" هو حاكم اليمن أو والى النجاشي على اليمن، وكان ذلك في عام 525 م وظل "أرياط" حاكمًا على اليمن لمدة سبعة أعوام 
كما قلنا كان من قادة الجيش الذي فتح اليمن قائد طموح اسمه "أبرهة" Abramus واسمه كاملًا: أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح
أبرهة قام -بما يطلق عليه الآن- بانقلاب عسكري ضد "أرياض" حيث قاد "أَبْرَهَة" مجموعة من الجيش وأراد أن يستولى على الحكم، ولكن تصدي له "أرياض" ومجموعة أخري من الجيش موالية له، وتقابل الجيشان
خشى "أَبْرَهَة" على نفسه الهزيمة، فأرسل الى "أرياط" يقول له بدلًا من قتال الجيشين، تكون بيننا مبارزة فمن يقتل الآخر يستقل بالملك، فوافق "أرياط" وكان أقوي من "أَبْرَهَة" 
ولكن "أَبْرَهَة" كان يضمر الخداع، فجعل أحد أتباعه الأقوياء خلفه، فاذا كاد "أرياط" أن ينتصر يحمل عليه تابعه ويقتله
بدأت المبارزة، وحمل "أرياط" على "أَبْرَهَة" وكاد أن يقتله، وضربه بالسيف في وجهه ضربة قطعت أرنبة أنفه، ولذلك أطلق عليه بعد ذلك "أَبْرَهَة الأشرم" لأن "شَرِمَ" في اللغة يعني: قطع، فيقال: شرم أنفه يعنى قطع أرنبة أنفه
فلما رأي تابعه ذلك حمل على "أرياط" وقتله، وأصبح أَبَرْهَة حاكمًا على بِالْيَمَنِ
ولكن "أَبْرَهَة" كانت عنده مشكلة أخري، وهي النجاشي في الحبشة، لأن "أَبْرَهَة" يعتبر قد قتل واليه على اليمن، والنجاشي لم يعين بنفسه "أَبْرَهَة" حاكمًا على اليمن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أبرهة يطمح في حكم الجزيرة
وبالفعل عندما وصلت الأخبار الى النجاشي بما حدث استشاط غضبًا وأقسم أن يطأ أرض اليمن بقدمه، ويجز ناصية "أَبْرَهَة" يعنى أنه سيخرج بنفسه لقتال "أَبْرَهَة" وسيحلق مقدمة رأسه اذلالًا له
علم "أَبْرَهَة" بهذا فأرسل اليه بهدايا كثيرة ورسالة فيها الكثير من الاعتذار، وأرسل اليه أيضًا جراب فِيهِ مِنْ تُرَاب الْيَمَن وَجَزَّ نَاصِيَته فَأَرْسَلَهَا مَعَهُ، وَيَقُول فِي كِتَابه لِيَطَأ الْمَلِك عَلَى هَذَا الْجِرَاب فَيَبَرّ قَسَمه، وَهَذِهِ نَاصِيَتِي قَدْ بَعَثْت بِهَا إِلَيْك
أعجب النجاشي ما فعله "أَبْرَهَة" فرَضِيَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَله
وواجه "أَبْرَهَة" ثورات وحروب وتحديات تغلب عليها ووسع سلطانه، ووصل الى مرتبة كبيرة حتى أن ملوك فارس وروما كانوا يرسلون مبعوثين اليه
وكان "أَبْرَهَة بْن الصَّبَّاح" - كما قلنا- رجلًا طموحًا، فلم يقنع بحكم اليمن فقط، ولكن أراد أن يكون له الزعامة في الجزيرة العربية كلها، وحتى يحقق هذا كان لابد أن يحمل العرب على اعتناق المسيحية 
وهدي "أَبْرَهَة" تفكيره الى أن يبني كنيسة عظيمة وأن يدعو العرب للحج اليها بدلًا من الحج للكعبة
بالفعل قام "أَبْرَهَة" ببناء كنيسة عظيمة في عاصمة بلده "صنعاء" وكانت الكنيسة هَائِلَة عالية بها كثير من الزخارف لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا، حتى أطلق عليها "الْقُلَّيْس" لِارْتِفَاعِهَا لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا
أرسل "أَبْرَهَة" وفود من عنده الى قبائل الجزيرة العربية يدعوهم الى الحج الى كنيسته "الْقُلَّيْس" ولكن لم يستجب اليه أحد من العرب
ومرة أخري "أَبْرَهَة" يهديه تفكيره الى أن يهدم الكعبة، وبذلك سيصرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس" أو أن هدمه للكعبة هو انتقام من العرب لرفضهم الحج الى كنيسته وتمسكهم بالحج الى الكعبة
انتهز "أَبْرَهَة" فرصة أن أحد العرب دخل الى الكنيسة وقضى فيها حاجته، فافتعل الغضب وأَقْسَمَ لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا 
وهكذا كان هذا الحادث هو الحجة والسبب المباشر لقرار "أَبْرَهَة" هدم الكعبة، بينما كان السبب الحقيقي هو صرف العرب عن الحج الى كعبة والحج بدلًا من ذلك الى الكنيسة
وهكذا دائمًا تفعل الدول الإستعمارية الغازية، تقوم باعلان سبب للغزو تجمل به نفسها، ولتخفي به أطماعها الاستعمارية وأسبابها الحقيقية
فمثلًا انجلترا عندما احتلت مصر عام 1882 كان السبب المعلن هو حماية حقوق الدائنين، بينما السبب الحقيقي هو الطمع في خيرات مصر وفي قناة السويس والحد من توسعات مصر في أفريقيا
وكذلك كانت مشكلة الديون هي السبب المعلن لفرنسا لاحتلال الجزائر، وهكذا دائمًا المستعمر له سبب معلن، وسبب آخر حقيقي
اذن "أَبْرَهَة" كان عنده سبب معلن وهو الرد على أن أحد العرب أحدث داخل كنيسته "الْقُلَّيْس" بينما السبب الحقيقي هو العمل على صرف العرب الى الحج الى "الْقُلَّيْس" بدلًا من الكعبة المشرفة، حتى يحقق لنفسه الزعامة الروحية، ثم بعد ذلك الزعامة الكاملة على الجزيرة العربية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خروج أبرهة لهدم الكعبة
أعد "أَبْرَهَة" جيشًا كثيفًا ضخمًا قوامه عشرون ألف مقاتل، وهذا بالنسبة للعرب عدد ضخم جدًا، واستصحب معه أيضًا فِيلًا ضخمًا كَبِير الْجُثَّة لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَال لَهُ "مَحْمُود" كان مشهورًا عندهم، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشة لِذَلِك،َ وَيُقَال كَانَ مَعَهُ أَيْضًا ثَمَانِيَة أَفْيَال وَقِيلَ اِثْنَا عَشَر فِيلًا غَيْره، ليستعين بهم في هدم الْكَعْبَة بِأَنْ يَجْعَل السَّلَاسِل فِي الْأَرْكَان وَتُوضَع فِي عُنُق الْفِيل ثُمَّ يُزْجَر لِيُلْقِيَ الْحَائِط جُمْلَة وَاحِدَة
لما سمع العرب في الجزيرة بهذا الأمر، خرج رجل من أشراف اليمن اسمه "ذو نفر" ودعا قومه والعرب الى حرب "أَبْرَهَة" والدفاع عَنْ بَيْت اللَّه، فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "ذو نفر" أسيرًا
ثم مضى لوجهه فخرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ" في قومه، وقاتلوه فهزمهم "أَبْرَهَة" وأخذ "نُفَيْل" أسيرًا
والحقيقة أن هزيمة العرب أمام "أَبْرَهَة" بهذه السهولة كان بسبب ما ذكرناه عندما تكلمنا عن الجزيرة العربية وقت مولد وبعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- من أن القبائل العربية كانت قبائل متفرقة، والقتال بين هذه القبائل منتشرًا جدًا، ولذلك قل شأن العرب جدًا سياسيًا، وأصبحوا يعيشون على هامش التاريخ
نلاحظ هنا مثلُا أن "ذو نفر" ومعه بعض العرب قاتلوا "أَبْرَهَة" ثم خرج اليه "نُفَيْل بْن حَبِيب الْخَثْعَمِيّ" ولو كان هناك تنسيق أو تعاون أو اتحاد بين "ذو نفر" وبين "نفيل" وبين "قريش" مثلًا و"الطائف" ةغيرهم من القبائل القوية في الجزيرة، لربما كانوا قد استطاعوا هزيمة "أَبْرَهَة" ولما كانوا قد انهزموا أمامه بهذه السهولة
اقترب "أَبْرَهَة" من أَرْض الطَّائِف، والطائف بينها وبين مكة حوالى 100 كيلو متر، وكانت الطائف تحت سيطرة قبيلة "ثَقِيف" 
كانت أنباء هزيمة "ذو نفر" ثم "نفيل" قد وصلت الى مسامع جميع العرب، فهاب العرب "أَبْرَهَة" جدًا، وجيشه الضخم، وفيله، ولذلك قررت "ثَقِيف" الاستسلام لأبرهة، ليس هذا فحسب بل أرسلت معه رجل اسمه"أَبَا رِغَال" ليدله على الطريق الى مكة، ولكن مات "أبو رغال" في الطريق قبل أن يصل الى مكة في مكان اسمه "الْمُغَمِّس" وهذا المكان بينه وبين مكة حوالى 20 كم، فظلت العرب بعد ذلك ترجم قبر "أبو رغال" وأصبحًا علمًا ومضرب الأمثال على من يخون قومه
أقترب "أَبْرَهَة" كما قلنا بجيشه من مكة، ووصل الى مكان الذي ترعي فيه ابل مكة، فأغار الجيش على الأبل وأخذها، وكان في هذه الإبل مِائَتَا بَعِير لِعَبْدِ الْمُطَّلِب
 
لقاء "عبد المطلب" وابرهة
وبعث "أَبْرَهَة" يطلب أن يأتيه سيد قُرَيْش، وبالفعل جاء اليه "عبد المطلب" فلما دخل "عبد المطلب" على "أَبْرَهَة" هابه "أَبْرَهَة" لأن "عبد المطلب" كان رَجُلًا جَسِيمًا وسيمًا حَسَن الْمَنْظَر، حتى أن "أَبْرَهَة" نزل من على عرشه، وجلس مع "عبد المطلب" عَلَى الْبِسَاط
ثم قال أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟ فَقَالَ "عبد المطلب" لِلتُّرْجُمَانِ: إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي، فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك، ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك، وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب: إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ، قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ
رد "أَبْرَهَة" الى عَبْد الْمُطَلِّب المائتي بعير التى كان قد أصابها، ورَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش، فَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة، وَالتَّحَصُّن فِي الْجِبَال، خَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَيْش، ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة، وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش، يَدْعُونَ اللَّه فكان مما قاله عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة 
لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْنَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك
 لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ  وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك
 أمر "عبد المطلب" قريش بالخروج من مكة والتحصن بالجبال
هزيمة جيش أبرهة
 
تَهَيَّأَ أَبَرْهَة لِدُخُولِ مَكَّة وَهَيَّأَ فِيله ووَجَّهُوا الْفِيل نَحْو مَكَّة، فبرك الفيل وأبي أن يتحرك من مكانه، فأخذوا يضربونه لكي يتحرك وهو لايتحرك، فلما وجهوه جنوبًا ناحية اليمن، قام يهرول، ووجوه ناحية الشام ففعل مثل ذلك
طال الوقت وهم يحاولون ارغام الفيل على دخول مكة، و"أَبْرَهَة" ينهر سَائِس الْفِيل وَيَضْرِبهُ لِيَقْهَر الْفِيل عَلَى دُخُول الْحَرَم بلا أي فائدة
ثم أحضروا بقية الفيلة، فرفضت كل الفيلة دخول مكة، الا فيل واحد فتشجع الجيش وتأهب للدخول، فبعث الله تعالى على الجيش قبل أن يدخل مكة طيرًا أبابيل، أي طيرًا متتابعة، روي أن حجم الطائر كان أصغر من الحمامة، ولون هذا الطائر أصفر وأرجله حمراء، وكل طائر يحمل ثلاثة حجارة: حجر في منقاره، وحجرين في رجليه، وحجم الحجر الواحد في حجم العدسة، ولكنه - كما قال تعالى- حجر من سجيل، يعنى شديد صلب، فساد الهرج والمرج في الجيش، وهاجت الفيلة، ومزقت هذه الأحجار رؤسهم وأجسادهم، فمات أغلب الجيش، وأصيب البعض الآخر اصابات بالغة، وفروا في الصحراء، وكان مما أصيب وفر "أَبْرَهَة" نفسه
 
فحمل حتى وصل الى "صنعاء" عاصمة ملكه فمات هناك ذليلًا 
 
 
 
  هجوم الطير الأبابيل على جيش أبرهة
واستكمالًا لقصة أَبْرَهَة
 
بعد أن مات "أبرهة" مَلَكَ بَعْده اِبْنه "يَكْسُوم" ثُمَّ اِبْنه الآخر "مَسْرُوق بْن أَبَرْهَة" وفي ذلك الوقت ذهب "سَيْف بْن ذِي يَزَن" وكان من أحفاد ملوك اليمن قبل أن يستولي عليها الحبشة، ذهب "سَيْف بْن ذِي يَزَن" إِلَى كِسْرَى فَاسْتَعَانَهُ عَلَى الْحَبَشَة، فأرسل معه جيشًا، استطاع أن يهزم الحبشة، وعادت اليمن الى العرب بعد أن ملكها الحبشة اثنين وسبعين سنة
أما في مكة، فقد كانت موقعة الفيل من أعظم الأحداث التى مرت بها، حتى أن العرب أصبحت تؤرخ بهذا العام، فكانت تقول حدث كذا بعد سنة من عام الفيل أو بعد عشرة أعوام من عام الفيل، أو حدث كذا قبل عامين من عام الفيل وهكذا 
ورفعت موقعة الفيل جدًا من هيبة قريش بين العرب، كما رفعت من شأن "عبد المطلب" جد النبي –صلى الله عليه وسلم-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سورة الفيل
وقد سجل القرآن العظيم حادثة الفيل في سورة الفيل فقال تعالى
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟ فالحق –سبحانه وتعالى- يخاطب الرسول –صلى الله عليه وسلم- ويقول له: ألم تر يا محمد ما فعل ربك بأصحاب الفيل، وهو أبرهة وجيشه، مع أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم ير هذه الأحداث، لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولد بعد هذه الأحداث، وكأنه تعالى يقول له أن اخبار الله تعالى له في القرآن أصدق من عينه اذا رأت 
ثم يقول تعالي: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ أي ألم يجعل الله تعالى "كيدهم" وهو تدبيرهم في "تضليل" اي في ضلال فلم يحققوا هدفهم من تدمير الكعبة، مثل الذي يضل طريقه فلا يصل الى هدفه، فكذلك أبرهة وجيشه ضل تدبيرهم فلم يحققوا هدفهم وهو تدمير الكعبة
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ: أي بعث عليهم طيرًا في جماعات متتابعة يتبع بعضها بعضًا، فلا يري أولها من آخرها
فكما أن الحبشة جاءوا بأقوي الحيوانات وهي الفيلة ليهدموا الكعبة، سلط الله تعالى عليهم أضعف المخلوقات، وهي طيور أقل في حجمها من الحمام
وكما أرادوا هدم احجار الكعبة، عذبهم الله تعالى بالحجارة، يقول تعالى:
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، أي حجارة شديدة صلبة قاسية
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ، وهذا هو وصف الجيش بعد أن رمتهم الطيور بالحجارة، فمزقت أجسادهم، بأنهم كالعصف المأكول، أي كفتيت ورق الشجر الجاف، فالعصف هو ورق الشجر الجاف اليابس، والمأكول هو
 
الذي أكلته الحشرات ومزقته، أو أكله الحيوان وطحنه 
 

ولد الرسول –صلى الله عليه وسلم- كما نعلم جميعًا في عام الفيل، وهو عام 570 ميلادية، وكانت ولادته بعد موقعة الفيل بخمسين يومًا فقط، وقريش لا تزال تحتفل بنصرة الله تعالى لها