Untitled Document

عدد المشاهدات : 2388

الفصل التاسع: وُلِّدَ الهدي

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الثاني: من ولادة الرسول حتى مبعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

الفصل التاسع

وُلِّدَ الهدي

أهمية حب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 

من أهم أهداف دراسة السيرة النبوية أنها تحقق حب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قلوبنا، وحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر في غاية الأهمية، لأن حب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرط من شروط الايمان، يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"

وحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبب لبلوغ الدرجات العلا من الجنة، لقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "المرء مع من أحب"

دراسة السيرة تحقق حب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

وحتى نحقق حب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قلوبنا لابد من دراسة السيرة، ولذلك تجد الصحابة كانوا يحرصون حرصًا شديدًا على تعليم أولادهم السيرة، يقول سعد بن أبي وقاص –رضى الله عنه-: كنا نعلم أبناءنا مغازي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما نعلمهم السور من القرآن

قصة رائعة عن حب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

سمعت هذه القصة مباشرة من أحد العلماء، يقول: كنت في رحلة للعمرة، وكان معنا في الرحلة رجل فلاح أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعرف في حياته الا أن يذهب الى حقله ويعود منه، ويؤدي ما فرضه الله عليه، يقول: فكنت كلما تحدثت عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجده يبكي، فسألته عن ذلك، فقال أنه يبكي كلما ذُكِر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يقول: فلما ذهبنا الى المدينة المنورة، ترك الفندق وذهب مباشرة الى المسجد النبوي مع أن الوقت كان ليلًا والمسجد مغلق

يقول: ثم ذهبنا جميعًا لزيارة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة الفجر، فلما مر هذا الرجل أمام قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أغشيى عليه، ثم ظل هذا الرجل ثلاثة أيام كاملة في الروضة الشريفة لا يفارقها الا عند اغلاق المسجد في الساعة الحادية عشر ليلًا، ولا يأكل شيئًا الا أنه يشرب من ماء زمزم، وفي اليوم الثالث مات هذا الرجل وهو في الروضة الشريفة بعد صلاة العصر، ودفن في البقيع

يقول: واتصلت بابنه لأبلغه نبأ وفاة أبيه، فلما أبلغته ضحك، فقلت له متعجبًا: أقول لك أن أباك قد مات وتضحك، فقال لي: ان أبي يدعو الله تعالى منذ عشرين سنة أن يزور الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يموت في الروضة، ويدفن الى جواره في البقيع، صدق الله فصدقه الله

كيف عصم الله –تعالى- الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لا يزال جنينًا

تحدثنا في الفصل السابق عن زواج "عبد الله بن عبد المطلب" من السيدة "آمنة بنت وهب" وقلنا أن عُمر "عبد الله" عندما تزوج كان ثمانية عشر سنة، بينما عمر "آمنة" ثلاثة عشر عامًا، وظل "عبد الله" مع عروسه عشرة أيام، ثم كان عليه أن يسافر الى قافلة متجهة الى الشام، ثم عاد مع القافلة، واتجه الى "يثرب" ولكنه مرض هناك، ورقد عند أخواله "بنى النجار" في يثرب، وظل مريضًا شهرًا كاملًا حتى مات ودفن هناك

عندما مات "عبد الله بن عبد المطلب" كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يزال جنينًا في بطن أمه، وكان في شهره السادس، ونحن نعلم أن حزن الأم يؤثر على الجنين، ولكن من ترتيب الحق –سبحانه وتعالى- أن موت "عبد الله" كان في الشهر السادس، أي بعد مرور الأشهر الثلاثة الأولى، وهي أكثر الشهور التى يتأثر فيها الجنين بحزن أمه، حتى عندما علمت السيدة آمنة بوفاة زوجها "عبد الله" كانت أحداث "حادثة الفيل" في أوجها، وكأني بها وقد التهت بهذه الحادثة عن حزنها، ثم صعدت مع أهل مكة الى شعاب الجبال وهي في شهرها السابع هربًا من جيش أبرهة، ورأت معجزة اهلاك الجيش بعينها، وعاشت أفراح مكة بنجاتهم ونصرة الله لهم

وهكذا عصم الله تعالى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه، من أن يتأثر بحزنها على وفاة زوجها

السيدة "آمنة" لا تكتشف حملها بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

المرأة بعد حدوث الاخصاب، يحدث في جسدها بعض التغيرات الفسيولوجية، وهو ما يطلق عليه "اعراض الحمل" أو "الوحم" مثل الشعور بالتعب والرغبة في النوم، والرغبة في الأكل، أو الغثيان الصباحي، وكثرة التبول، ولكن السيدة "آمنة" عندما حملت بالرسول –صلى الله عليه وسلم- لم تشعر بأي عرض من هذه الأعراض، حتى عندما انقطعت عنها الدورة لم تشك أنها حامل

وبدأت السيدة "آمنة" تجد البركة في حياتها والتيسير في كل شيء، تقول السيدة آمنة "إني حملت به فلم أجد حملا قط كان أخف عليّ ولا أعظم منه بركة"

وبدأت "أمنة" تري رؤي جميلة، وكان مما رأته رته رأرأت أن نورًا يخرج منها يضىء العالم

ولادة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  

وجاء موعد الولادة فكانت الولادة يسيرة لم تجد لها أي مشقة، وكانت الولادة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، الموافق ابريل سنة 571 ميلادية، وكانت الولادة بعد واقعة الفيل بخمسين يومًا فقط، وكانت "قريش" لا تزال تحتفل بحادثة الفيل، وهي حادثة فريدة في التاريخ كله، وكانت الوفود لا تزال كلها تأتي الى مكة من الجزيرة لتهنئة قريش وتهنئة "عبد المطلب"

وكان ممن حضر الولادة "فاطمة بنت عبد الله" تقول: حضرت ولادة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي

 

مكان ولادة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

الولادة كانت في دار "أبي طالب" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مدخل شعب أبي طالب، و"الشعب" هو الطريق بين جبلين، لأن مكة –كما ذكرنا- محاطة بالجبال، فشعب أبي طالب هو المكان الذي كان يسكن فيه "بنو هاشم" بمكة، ومكان ولادة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الآن معروف، وقد بنى فوق هذا المكان مسجدًا، ولكن السلطات السعودية اختارت أن تهدم هذا المسجد لكثرة تبرك الناس به، ثم جاء رجل اسمه "عباس قطان" أراد صيانة الموضع الذي ولد فيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الإهمال، وتكريم هذا المكان باقامة عمل نافع فيه، فأقام في هذا المكان المبارك مكتبة، أطلق عليها مكتبة "مكة المكرمة" ولا يزال الآلاف يتوافدون الى هذا المكان يوميًا للتبرك به

 

 

 مكتبة "مكة المكرمة" أقيمت في نفس موضع ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

أحداث صاحبت ولادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

عندما ولد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صرخ ابليس صرخة عالية، وقد ورد في حديث رواه أحمد أن ابليس صرخ في حياته كلها أربعة صرخات: صرخة حين لعن، وصرخة حين اهبط من الجنة، وصرخة حين ولد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصرخة رابعة حين نزلت فاتحة الكتاب

وعندما ولد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهتز وارتج "ايوان كسري" وهي غرفة عرش كسري ملك الفرس، حتى سقطت منه أربعة عشر شرفة، وانطفأت نار الفرس التى كانوا يعبدونها، وقد كانت لم تنطفأ منذ ألف سنة

 

 بقايا "ايوان كسري" وهي موجودة الى الآن

أيضًا روي أن مكة كان بها يهودي اسمه "يوسف" رأي هذا اليهودي في ليلة ولادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النجوم تقذف وتتحرك، وقذف النجوم هو رجم للشياطين، فقال: هذا نبيٌّ قد وُلِد في هذه الليلة؛ لأنّا نجد في كتبنا أنّه إذا وُلِد آخِر الأنبياء رُجمت الشياطين، وحُجِبوا عن السماء.
ولما أصبح ذهب الى قريش وأخذ يسألهم: هل وُلِد فيكم الليلةَ مولود
قالوا: قد وُلد لعبد الله بن عبدالمطّلب ابنٌ في هذه الليلة.

فمشي هذا اليهودي الى بيت أبي طالب الذي ولد فيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلب أن يري المولود، فأخرجوا له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنظر هذا اليهودي بين كتفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأي خاتم النبوة بين كتفيه، وهي شامة سوداء عليها شُعَيرات، فلما رأي اليهودي هذا أغشي عليه، فتعجبت منه قريش وأخذوا يضحكون، فلما أفاق ووجدهم يضحكون، قال: أتضحكون يا معشر قريش، ذهبت النبوّة عن بني إسرائيل إلى آخِر الأبد
وتفرّق الناس يتحدّثون بخبر اليهوديّ!

عبد المطلب يسمي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محمدا

نعود الى دار "أبي طالب" حيث ولد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ان علم "عبد المطلب" بالولادة حتى أسرع الي بيت ابنه "أبي طالب" ونظر الى وجه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  المشرق، وفرح به فرحًا شديدًا، وحمله حتى دخل به الكعبة، وأخذو يدعو له

وفي اليوم السابع ذبح "عبد المطلب" لحفيده، وأقام وليمة لقريش، وسألوه عن اسمه، فقال سميته "محمد" فتعجبوا لأن الاسم كان غريبًا بالنسبة للعرب، وقالوا له: لم رغبت عن أسماء أهل بيته؟  قال: أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض

رؤيا "عبد المطلب" العجيبة

وكان سبب تسمية "عبد المطلب" للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الاسم أنه رأي رؤيا عجيبة: رأي كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره ولها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها، فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه، يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدا
لأن معنى كلمة "محمد" هو الذي يحمد مرة ومرة ومرة، يحمد كثيرًا لجميل أفعال

 ولم يكن أحد من العرب قد تسمي هذا الاسم قبل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الا ثلاثة فقط، وقد تسموا بهذا الاسم لأن آبائهم قد سمعوا من أحبار اليهود والنصاري أن هذا الاسم هو اسم آخر الأنبياء، وأن هذا زمن ظهوره، فسموا أبنائهم بهذا الاسم طمعًا في أن يكون هذا المولود هو ذلك النبي

والآن اسم "محمد" هو أكثر الأسماء انتشارًا في العالم كله، وحيب موسوعة "جينيس" في عام 2006 كان عدد الذين يحملون اسم "محمد" 70 مليون شخص، وكل هذا للحب الذي يحمله المسلمون لرسولهم وحبيبهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

 

 اسم محمد الأكثر انتشارًا في العالم حسب موسوعة "جينيس"