Untitled Document

عدد المشاهدات : 3134

الفصل العشرون: خَدِيجَة أمنا العظيمة الطاهرة النقية رمز الإخلاص والتضحية

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الثاني: من ولادة الرسول حتى مبعثه –صلى الله عليه وسلم 
الفصل العشرون
أمنا العظيمة الطاهرة النقية رمز الإخلاص والتضحية
خَدِيجَة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انتهينا في الفصل السابق حين تزوج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السيدة خديجة، وكان عمر النبي حين تزوج السيدة خديجة خمسة وعشرون عامًا، وعمر السيدة خديجة أربعون عامًا
الفارق العمري بين الرسول وبين خديجة يلجم ألسنة الحاقدين
وهذا الفارق العمري بين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين السيدة خديجة، فيه ما يلجم ألسنة وأقلام الحاقدين على الإسلام، الذين تصوروا أن تعدد زوجات الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدف يلقون اليه سهامهم، أو يصاب منه الاسلام
لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش حتى بلغ عمره خمسة وعشرين عامًا، في بيئة جاهلية، وقد انتشر فيها الزنا والانحلال الخلقي، ولكنه لم يقترب ولو لمرة واحدة من هذه الأمور
ثم تزوج بعد ذلك من السيدة خديجة، وهي أكبر منه بخمسة عشر عامًا، وظل هذا الزواج قائمًا حتى توفيت –رضى الله عنها- وعمرها خمسة وستون عامًا، وعمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد تعدي الخمسين عامًا، أي أنه قد تجاوز مرحلة الشباب والكهولة ودخل في سن الشيخوخة، ولم يفكر طوال هذه المدة في الزواج بأي امرأة أخري
ومابين العشرين والخمسين من عمر الانسان هي الفترة التى تتحرك فيها رغبة الاستزادة من النساء للدوافع الشهوانية
وسنجد بعد ذلك أن كل زواج للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له حكمة وسبب تزيد من ايماننا بعظمة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفعة شأنه وكمال أخلاقه
*********************************
في بيت خديجة
انتقل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى بيت السيدة خديجة، وعاش في هذا البيت 28 سنة حتى هاجر الى المدينة، وهو أكثر مكان أقام فيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
ومكان هذا البيت الآن في منطقة المروة، فعندما تذهب لأداء العمرة، وبعد أن تنتهي من السعي وتخرج من باب المروة، توقف قليلًا في هذا المكان، وتذكر أن بيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والسيدة خديجة كان في هذه المنطقة، وأنها أكثر مكان اقام فيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

بيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والسيدة خديجة
أجمل كلمة في الحب
أحبت أمنا خديجة –رضى الله عنها- النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حبًا شديدًا، حتى قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث رواه مسلم: إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا
سمعت يومًا شابًا يقول أن هذه الجملة "إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا" هي أجمل عبارة سمعها عن الحب

ونقول: مادام الحب رزق من الله تعالى، فلا يطلب بمعصية الله تعالى، وانما يطلب بطاعته
ونقول: قد تكون المرأة زوجها قليل المال، ولكنه يحبها، فعليها أن ترضى وأن تدرك أن هذا الحب رزق يعدل كل كنوز الدنيا، والعكس صحيح
*********************************
وفاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كانت السيدة خديجة -كما قلنا- غنية كثيرة المال، فكان أول شيء فعله الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد زواجه من السيدة خديجة أن استأذنها وأرسل للسيدة حليمة –التى أرضعته- أربعين رأسًا من الضأن ترعاها في ديار قومها وتستغنى بها الى آخر ما قدر لها من العمر

أرسل الرسول لحليمة أربعين رأسًا من الضأن
حسن خلق خديجة مع حماتها 
وكانت السيدة خديجة تكرم كذلك "ثويبة الأسلمية" جارية عمه أبو لهب، لأنها كانت قد أرضعت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهي احدي امهات الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاعة، وتعتبر حماتها من الرضاعة
فكان من كمال السيدة خديجة وأدبها وحسن خلقها أنها كانت تكرم جدًا "ثويبة" مع أنها جارية عند عمه أبو لهب، وحاولت أن تشتريها من أبو لهب لكي تعتقها، ولكنه كان يرفض
اقول لكل زوجة، اذا أردت أن تستقيم حياتك مع زوجك، أحسنى معاملة أمه، حتى لو أسائت هي اليك، التمسي لها ألف عذر، لا أقول لك التمسي لها مائة عذر، ولكن التمسي لها ألف عذر
لو أحسنت الى حماتك فلن ينسي لك زوجك هذا الجميل حتى آخر لحظة في حياته، ولو أسئت لها فأيضًا لن ينسي لك زوجك هذه الاساءة طوال حياته

بيت الرسول وخديجة اثناء اكتشافه
*********************************
خديجة السيدة الكاملة
واستمر زواج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع السيدة "خديجة" خمسة وعشرون عامًا، كانت فيه السيدة خديجة نعم الزوجة، خلقًا وأدبًا ومعرفة لقدر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 
وكانت بعد ذلك حين نزلت عليه الرسالة هي 
حصنه الداخلي، وركنه الشديد، والوزير الصادق له، والرفيق الساعي له، تخفف عنه، وتواسيه، وتسعى في قضاء حوائجه
خمسة وعشرون عاماً لم يسمع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السيدة خديجة كلمة تغضبه، ولم يحدث موقف واحد اختلف فيه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع السيدة خديجة 
كانت السيدة خديجة سيدة كاملة، يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث رواه البخاري ومسلم: لم يكمل من النساء إلا: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد

بيت الرسول وخديجة بعد اكتشافه
حب الرسول لخديجة 
ولذلك أحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السيدة خديجة حبًا شديدًا، وتعلق بها تعلقًا شديدًا، ومن حب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للسيدة خديجة أنه لم يتزوج عليها طوال حياتها، صيانة لقلبها من الغيرة
وكان للسيدة خديجة غلام من زوجها الأول اسمه "هند" وغلام من زوجها الثاني اسمه "هالة" فكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحسن جدًا تربيتهما، ويحسن معاملتهما، وكان "هالة" ربما يدخل على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو نائم، فيستيقظ الرسول ويبتسم له ويضمه الى صدره وهو يقول هالة هالة
من عنده في بيته ابن لزوجته، ومن عندها في بيتها ابن لزوجها، انظروا كيف يعامل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أبناء خديجة

مكان الاستقبال في بيت الرسول وخديجة
ووفائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العظيم لها
وبعد وفاة السيدة "خديجة" أتت صحابية اسمها "خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ" وتقول له ألا تزوج يا رسول الله ؟ فيقول لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهل بعد خديجة أحد ؟
وفي يوم بعد وفاة خديجة كانت تأتي "هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ" أُخْتُ السيدة خَدِيجَةَ وتطرق الباب، فيعرفها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن طريقة طرقها على الباب هي نفس طريقة خديجة، فيفرح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرحًا شديدًا ويقول "اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ" يعنى: يا رب تكون هالة هي التى تطرق على الباب
من منا بتعامل مع أقارب زوجته هكذا ؟ ومن الآن تتعامل مع أقارب زوجها هكذا ؟
وبعد وفاتها –رضى الله عنها – كذلك كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  عندما يذبح شاة كان يحرص على أن يوزع من لحمها على صاحبات خديجة، ويقول "اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ" فتقول السيدة عائشة: من هذه يا رسول الله ؟ فيقول:" إنّ خَدِيجَةَ أَوْصَتْنِي بِهَا" ثم يقول "اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ" فتقول السيدة عائشة: من هذه يا رسول الله ؟ فيقول "كَانَتْ صَدِيقَةً لخَدِيجَةَ" ثم يقول "اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ"  فتقول السيدة عائشة: من هذه يا رسول الله ؟ فيقول "إِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةً" وكان يقول "إني لأحب حبيبها
فتقول  السيدة عَائِشَةُ "لَكَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةَ

مدخل غرفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 ولا يتوقف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذكر السيدة خديجة وذكر فضلها-رضي الله عنها- حتى قالت السيدة عائشة يومًا 
" ما غرتُ على نساءِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا على خديجةَ، وإني لم أدركها"
 وفي يوم بدر في السنة الثانية من الهجرة، يقع " الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ" زوج السيدة زينب بنت الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأسري، لأنه كان لا يزال على كفره، وترسل كل عشيرة الأموال في فداء أسراها، وترسل السيدة زينب في فداء زوجها، فترسل قلادة (عقد) كانت قد أهدتها اليها أمها السيدة خديجة في يوم زواجها
ويري الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه القلادة، ويقلبها بين يديه، ويرَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً،، ويتأثر تأثرًا شديدًا، ويقول لصحابته
"إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا، فَافْعَلُوا" فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ
وفي يوم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، أراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيت، وكان يمكن ان يبيت في أي بيت، وجميع البيوت ترحب به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنه ضرب خيمته الى جوار قبر خديجة، وكأن لسان حاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول صدقت يا خديجة حين قلت "والله لا يخزيك الله أبدً 

اختار الرسول أن يبيت الى جانب قبر خديجة
ثم تأتي أحد صديقات خديجة واسمها "جثامة المزنية" فيرحب بها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترحيبًا شديدًا، ويجلس يتحدث اليها ويقول لها "كَيْفَ حَالُكُمْ ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟" وتسأله السيدة عائشة: من هذه يا رسول الله ؟ فيقول لها: هذه صاحبة خديجة، فتقول له: وفيم كنتم تتحدثون يارسول الله ؟ فيقول لها: كنا نتحدث عن ايام خديجة
فتغار السيدة عائشة وتقول: هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها؟ فيتغير وجه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  ويغضب غضبًا شديدًا ويقول
"لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنتْ بي إذْ كفرَ الناس، وصدَّقتني إذ كذّبَني الناس، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء" وتري السيدة عائشة غضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتعتذر اليه وتقول له:  إستغفر لى يا رسول الله فيقول لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  : إستغفرى لخديجة حتى أستغفر لك

قبر خديجة في مكة قبل أن تزال القبة

قبر خديجة في مكة بعد أن تم ازالة القبة
*********************************
دروس عظيمة وهامة
أحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السيدة خديجة كل هذا الحب برغم أنها توفيت وعمرها خمسة وستون عامًا، أي أن جمالها كان قد ذهب، لقد ذكرنا أن السيدة خديجة كانت أكثر نساء قريش جمالًا، ولكن وقد وصل عمرها الى خمسة وستون عامًا، ومرت بتجربة حمل وولادة ثمانية مرات، فلابد أن كثير من جمالها قد ذهب
ماذا تريد أن تقول ؟
أولًا: درس لكل فتاة أن الذي يهم الرجل في زوجته ليس الجمال ولكن حسن العشرة، وجمال الزوجة زائل يومًا لا محالة، أو سيعتاد عليه الرجل، والذي سيبقي هو حسن العشرة
ثانيًا: درس لكل شاب يبحث عن زوجة، أن أهم معيار لاختيار الزوجة ليس هو جمال الفتاة ولا جسدها، فكل هذا زائل وستعتاد عليه، ولكن أهم معيار هو أخلاق الفتاة وعشرتها
ثالثا: درس لكل رجل تقف زوجته الى جواره حتى ترتقي معه الى حياة أفضل، وتربي أولاده، وتشاركه حياته، ثم عندما يتقدم بها العمر ويذهب جمالها، يبحث عن زوجة أخري أو علاقة أخري، تعلم من نبيك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد بلغت زوجته خمسة وستين سنة، ولم يفكر على الاطلاق في أن يتزوج عليها، مع أن هذا كان شيئًا عاديًا في ذلك الوقت، وذلك صيانة لقلبها من الغيرة 

*********************************
سنظل في الفصل القادم –ان شاء الله- في هذا البيت المبارك وهو أعظم بيت في التاريخ، وسنقترب منه أكثر