Untitled Document

عدد المشاهدات : 2578

الفصل الواحد والثلاثون: نزول سورة المدثر وفيها الأمر بتبليغ الرسالة

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة (مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة)

الفصل الواحد والثلاثون

نزول سورة المدثر

وفيها الأمر بتبليغ الرسالة

 

*********************************

خديجة القدوة حسنة لزوجة كل صاحب رسالة

قبل أن نستكمل حديثنا نقول أن السيدة خديجة كانت مثال رفيع، وقدوة حسنة لزوجة كل صاحب رسالة في الحياة

ولا أقول -كما يقول البعض- أنها مثال لزوجة كل داعية، ولكن أقول أنها مثال لزوجة كل صاحب رسالة، لأن كل صاحب رسالة سيواجه الكثير جدًا من الصعوبات، وهو في حاجة الى من يثبت قلبه، وهذا كان هو الدور الهام جدًا الذي قامت به أمنا العظيمة السيدة خديجة

 

وقد رأينا كيف أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رأي جبريل لأول مرة في غار حراء، وخشي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكون قد أصيب بشيء في عقله، فترد عليه السيدة خديجة فورًا وبمنتهي الثقة وتقول "كَلَّا وَاللَّهِ ‏‏مَا يُخْزِيكَ ‏اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ ‏ ‏الْكَلَّ، ‏وَتَكْسِبُ ‏ ‏الْمَعْدُومَ، ‏ ‏وَتَقْرِي‏ ‏الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى ‏ ‏نَوَائِبِ ‏ ‏الْحَقِّ" ورأينا كيف تصرفت السيدة خديجة بايجابية وانطلقت بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى ابن عمها "ورقة بن نوفل" والذي كان لكلامه أثر كبير في تهدئة نفس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

وأنا أتوجه برسالة لكل زوجة: اذا رأيت أن زوجك صاحب هم ورسالة في الحياة، فاجعلنى من أهم أدوراك في الحياة هو تثبيت زوجك، والوقوف الى جواره

 

ليكن من أهم أدوراك في الحياة هو تثبيت زوجك

أذكر أن أحد العلماء له اسهامات كثيرة في الدعوة من دروس وكتب وبرامج قال لي أنه ما كان يستطيع ان ينجز أي شيء لولا أن زوجته كانت تحاول دائمًا أن تحمل عنه مسئوليات كثيرة في البيت وتربية الأبناء

أذكر أيضًا أني ذهبت لزيارة صاحب نوبل العظيم "نجيب محفوظ" في بيته، واستقبتني زوجته، ووجدت بالفعل انسانة عظيمة جدًا، وقلت لا شك أن هذه المرأة من اسباب نجاح نجيب محفوظ، وأقول أنه لا شك أن الدكتور زويل، أو الدكتور مجدي يعقوب، أو أي انسان ناجح لابد ان زوجته لها دور مهم جدًا في تحقيق هذا النجاح

الرسالة الثانية أوجهها الى كل شاب مقبل على الزواج، ولك رسالة في الحياة -ولا بد أن تكون لك رسالة في الحياة- أن تجعل من معايير اختيار الزوجة، أن تختار الزوجة التى تعينك علي تحقيق رسالتك

 

اختار الزوجة التى تعينك على تحقيق رسالتك

الرسالة الثالثة: اذا كانت زوجتك ليس من هذا النوع الذي يقف الى جوار زوجها وتساعده في تحقيق هدفه، فليس معنى هذا أن تتوقف عن أداء رسالتك، بل اعتبر هذا أحد المعوقات التى يواجهها كل صاحب رسالة، وتذكر أن زوجة نوح –عليه السلام- كانت كافرة وكانت من أكبر المعوقات لأداء نوح لرسالته، وكذلك زوجة لوط كانت كافرة، وكانت أيضًا من المعوقات لأداء لوط –عليه السلام-  لرسالته

 

اذا كانت زوجتك ليست من هذا النوع فلا تتوقف عن أداء رسالتك

*********************************

نزول سورة المدثر

انتهينا في الفصل السابق حين رأي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل –عليه السلام- في صورته الحقيقة التى خلقه الله تعالى عليها، وعاد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى بيته وهو يرتجف، ويقول "دثروني، دثروني" ودخل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى فراشه حتى يهدأ وينام، ولكن ينزل عليه قول الله تعالى

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ

 

هذه الآيات السبعة من سورة المدثر، فيها ستة رسائل للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي رسائل قصيرة، كل رسالة آية، وكل آية كلمتين فقط، وهي ليست رسائل للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط ولكنها رسائل ومنهج لكل صاحب رسالة في الحياة

 

تقول الآيات الكريمة:

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ: يعنى ليس هناك وقت للنوم ولا وقت للراحة، ولكن جهاد وكفاح، وأقول لكل صاحب رسالة: الحياة لم تخلق للنوم والراحة والفسح، فغدًا سننام كثيرًا جدًا في قبورنا، ولكن لكي تحقق رسالتك عليك بالجهاد والكفاح والصبر

 

وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ: أي وأنت في طريقك لتحقيق رسالتك، لا تعظم شيئًا من أمور الخلق، ولا تتهيب أي أحد، ولا تخشي أي انسان، ولا تعظم الى ربك، ولا تخشي الا الله

وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ: يعنى طهر ثيابك يا محمد من النجاسات، لأن المشركون كانوا لا يصونون ثيابهم عن النجاسات، ولأن بعد ذلك مباشرة سيأتي الأمر بالصلاة، فلابد أن تكون الثياب طاهرة كشرط لصحة الصلاة

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ: يعنى اهجر جميع المعاصى والآثام، والهجر أبلغ من التوبة، لأن التوبة برغم أن من شروطها العزم على عدم العودة للذنب مرة أخري، ولكن المعلوم أن الله تعالى برحمته يقبل التوبة من عبده مرات ومرات، ولكن هجران المعصية يعنى أن يتركها للأبد

 

وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ: يعنى لا تمن على الله تعالى بما تحمل من أثقال النبوة، ولا تستكثر عملك في جناب الحق سبحانه وتعالى

أحيانًا الانسان يبذل جهدًا في طاعة، ويشعر في نفسه أنه قد بذل الكثير وقد يصيبه من ذلك العجب، وهذا يجب أن يتذكر قول الله تعالى "لَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ" يعنى لا تمن بعملك على الله، ولا تستكثر عملك في جناب الله تعالى، فهذا العمل ليس من نفسك ولكنه من توفيق الله تعالى لك

وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ: والأمر بالصبر أمر بالصبر على أذي المشركين، وصبر عن المعصية، وصبر على الطاعة، وصبر على الابتلاءات في نفسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كالمرض وفقد الولد وغير ذلك

 

هذه الآيات السبعة الأولى من سورة المدثر هي ثاني ما نزل من القرآن العظيم، بعد أول خمسة آيات من سورة القلم، وهي الآيات التى أمر فيها الحق –سبحانه وتعالى- الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبدأ في تبليغ الرسالة

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا 

*********************************