Untitled Document

عدد المشاهدات : 2404

الفصل السابع والأربعون: اسلام حمزة بن عبد المطلب- أسد الله وأسد رسوله

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة - مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة

الفصل السابع والأربعون

*********************************

اسلام "أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء"

حمزة بن عبد المطلب

*********************************

 

*********************************

متى نحن الآن ؟

نحن الآن في السنة الخامسة من بعثة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم ثلاثة سنوات هي عمر الدعوة السرية، ثم عامين من الدعوة الجهرية

الاسلام -لا يزال- يتعرض لحملات تشويه لا تنتهي

الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم –لا يزال كذلك- يتعرض لحملات تشويه، كما يتعرض للسخرية والاستهزاء والاهانة

المسلمون يتعرضون لكافة أنواع الإيذاء النفسي والبدني، ليس للمستضعفين فقط، ولكن حتى للسادة والأشراف، حتى ترك مكة، وترك صحبة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهاجر الى الحبشة أكثر من مائة من الرجال والنساء

في هذه الظروف شديدة الصعوبة، وفي السنة الخامسة من البعثة، وقع حدثين عظيمين جدًا، وهو أولًا اسلام حمزة، وبعد اسلام حمزة بثلاثة ايام، كان اسلام عمر بن الخطاب

*********************************

حمزة أقوي رجل في قريش

في ذلك الوقت كان "حمزة بن عبد المطلب" عمره 47 عامًا، وهو أسن من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعامين اثنين، وهو كما ذكرنا من قبل عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخوه في الرضاعة في نفس الوقت، وقلنا أرضعتهما "ثويبة" مولاة أبي لهب، كانت قد أرضعت "حمزة" ثم أرضعت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بسنتين، ثم أرضعت "أبا سلمة" فكانوا جميعًا أخوة من الرضاعة من "ثويبة" جارية أبو لهب

وقد كان حمزة هو رفيق طفولة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يحب الرسول، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يحبه حبًا شديدًا، وهناك رواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "خير أعمامي حمزة" وهي رواية ضعيفة وقد يكون المعنى صحيح

اشترك حمزة بن عبد المطلب في بداية شبابه في حرب الفجار، وقد أكسبه اشتراكه في هذه الحرب خبرة جيدة جدًا بالحروب، لأن حرب الفجار كانت تتجدد كل عام في نفس موعدها وتستمر عدة أيام

 

اشترك حمزة بن عبد المطلب في حرب الفجار

 

كان حمزة هو أقوي رجل في قريش، ضخم الجثة، وقد وصف وهو يقاتل في أحد بعد ذلك بأنه كالجمل الضخم يهد المشركين بسيفه هدا

وعندما أصاب سيل كبير مقبرة شهداء أحد، بعد مئات السنين وفيهم حمزة –رضى الله عنه- وتكشفت بعض الجثث، فتم تشكيل مجموعة من كبار العلماء لإعادة دفن هؤلاء الصحابة الكرام، فوجدوا جثث هؤلاء الشهداء –رضى الله عنهم- كما هي لم تتغير، كرامة من الله تعالى لهم، ووجدوا جثة حمزة –رضى الله عنه- واستطاعوا تمييزه، وكان وصفهم له بأنه ضخم الجثة

كان "حمزة بن عبد المطلب" يوصف كذلك أنه كان  سمحًا حسن الخلق، ودائمًا الشخص القوي بدنيًا ويتمتع بالحلم والأخلاق الطيبة يكون محبوبًا بين الناس، وهكذا كان حمزة شخصية محبوبة في قريش

كانت هواية حمزة بن عبد المطلب هي الصيد والقنص، وقد أكسبه هذا مهارة كبيرة في الفروسية والرمي، وكان يخرج كثيرًا في رحلات للصيد والقنص، وقد تستغرق الرحلة عدة أيام

بعد نزول الرسالة، كان حمزة لا يزال مشغولًا بحياته وبهاويته وبرحلات الصيد والقنص

وقد تبعد الهواية الانسان عن أمور كثيرة جادة، كما أبعدت حمزة –رضى الله عنه- هوايته عن اتباع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسة سنوات كاملة، ونحن لا نقول أن الهواية حرام، ولكن الاسلام دين الوسطية، فاذا كانت الهواية تلهي عن الفرائض مثلًا فهي حرام ولا شك، واذا كانت الهواية تأكل أكثر وقتك فأنت تخسر كثيرًا جدًا، لأن الوقت هو رأس مال العبد، فاذا أضعت وقتك فقد أضعت رأس مالك

*********************************

"أبو جهل" يسب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبًا قبيحًا

في السنة الخامسة من البعثة، كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سائرًا عند جبل الصفا فاعترضه "عمرو بن هشام" أبو جهل

و"عمرو بن هشام" كان من سادة "بنى مخزوم" وقد أطلق عليه "أبا الحكم" لأنه الوحيد الذي دخل دار الندوة وسنه خمسة وعشرون عامًا، وقد كانت دار الندوة لا يجتمع فيها الا حكماء قريش وشيوخها الذين تجاوزوا الخمسين من العمر

ولكن بعد الاسلام، كان "عمرو بن هشام" هو أكثر من حارب الاسلام، حتى قال عنه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه "فرعون هذه الأمة" فأطلق عليه المسلمون "أبا جهل" بدلًا من "أبا الحكم"

طبعًا جسدت شخصية "أبو جهل" كثيرًا في السينما والتلفزيون، ولكن هناك خطأ أحب أن أشير اليه، وهو أن المشركين كثيرًا ينادون "عمرو بن هشام" ويقولون له: يا أبا جهل، وهذا طبعًا غير صحيح، فقد كانوا ينادونه يا أبا الحكم، ولكن المسلمين هم الذين كانوا يسخرون منه فيقولون عنه "أبا جهل" وليس "أبا الحكم"

 

اعترض "أبو جهل" الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  عند جبل الصفا

*********************************

غضب حمزة

المهم أن "عمرو بن هشام" اعترض طريق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند جبل الصفا، وشتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسبه سبًا قبيحًا

فلم يرد عليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومضى الى بيته، بينما اتجه "عمرو بن هشام" الى أحد مجالس قريش عند الكعبة وجلس معهم

كان متابعًا لهذا الموقف أحد الجواري في مسكن فوق الصفا، وكانت هذه الجارية مسلمة تكتم اسلامها خوفًا من بطش قريش، فآلمها ما لقي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنها بالطبع لا تستطيع أن تتدخل

في ذلك الوقت أقبل حمزة من أحد رحلات الصيد حاملًا قوسه، وكان معتادًا اذا أقبل من احدي رحلاته أن يطوف بالكعبة، فنزلت هذه الجارية من بيتها واعترضت حمزة، وقالت له:

-        يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنفًا، وجده ههنا فأذاه وشتمه وقال له كذا وكذا وكذا

 

أقبل حمزة من أحد رحلات الصيد وكان معتادًا اذا أقبل من احدي رحلاته أن يطوف بالكعبة

 

فغضب حمزة غضبًا شديدًا وذهب يبحث عن "عمرو بن هشام" حتى وجده جالسًا بين قومه، فرفع القوس وضربه على رأسه فشجه شجة منكرة، وصاح به:

-        أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فرد ذلك علىَّ ان استطعت

 

أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فرد ذلك علىَّ ان استطعت

 

وكان "عمرو بن هشام" كما ذكرنا من بنى مخزوم، فقام رجال من "بنى مخزوم" لينصرون "عمرو بن هشام" فأراد "عمرو بن هشام" ألا تكون هناك مواجهة مع "حمزة" وهو –كما ذكرنا- أقوي رجل في قريش، ومن أشراف قريش، فقال:

-        دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً

*********************************

تردد "حمزة" ثم اسلامه

عاد "حمزة" الى بيته وبات طوال ليله يفكر في أمره لأنه لم يكن يقصد الاسلام، ولكن كان فقط يريد تخويف أبو جهل وأصحابه

فلما كان الصباح ذهب الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له:

-        يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي، شديد ؟

هذه الكلمات هي مفتاح شخصية "حمزة بن عبد المطلب" وهي الحزم والحسم، والشخصية الحازمة هي في مقابل الشخصية المترددة، وصفة الحزم صفة نادرة لا يتحلى بها الا القليل، والشخصية الحازمة الحاسمة لا تحتمل أن تظل في حالة تردد فترة كبيرة، ولذلك قال "حمزة": وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي، شديد

فتحدث اليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووعظه وخوفه وبشره، حتى وقع الايمان في قلب حمزة، فقال له حمزة:

-        أشهد أنك الصادق، فوالله ما احب أن لى ما أظلته السماء وأني على دينى الأول، يعنى الأسلام الآن أحب الىَّ من الدنيا كلها

 كانت هذه هي قصة اسلام حمزة، وقد قويت جبهة المسلمين جدًا باسلام حمزة رضى الله عنه، وكفيت قريش عن بعض ما كانت تنال من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

 

شهداء أحد وفيهم قبر حمزة

 

قبر حمزة

*********************************

وبعد اسلام حمزة بثلاثة أيام فقط كان اسلام عظيم آخر، سيغير حركة التاريخ، وهو الأسطورة الاسلامية "عمر بن الخطاب"

ما العلاقة بين اسلام حمزة وعمر ؟ وما هي قصة اسلام عمر ؟

هذا ما سنتحدث عنه الفصل القادم ان شاء الله تعالى

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************