Untitled Document

عدد المشاهدات : 2623

الفصل الثامن والأربعون: الأسطورة الإسلامية : عـــمـــر

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الثَالِث: مِنْ نُزُول الوَحْي حَتَى الهِجْرَة - مَرْحَلَة الدَعْوَة المَكِيَة

الفصل الثامن والأربعون

*********************************

الأسطورة الاسلامية

عمر

*********************************

 

*********************************

تناولنا في الحلقة السابقة قصة اسلام "حمزة بن عبد المطلب" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقلنا أن الاسلام قد عز كثيرًا باسلام حمزة، لأن حمزة هو أقوي رجل في قريش، وهو فتى قريش، وفارس قريش
بعد ثلاثة أيام فقط من إسلام "حمزة" آمن عظيم آخر، وبإيمان هذا المؤمن الجديد سيغير الله تعالى به حركة التاريخ، هذا المؤمن الجديد هوعمر بن الخطاب
 كان اسلام "عمر بن الخطاب" في السنة الخامسة من بعثة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد اسلام "حمزة" بثلاثة أيام فقط، وكان عمر "عمر بن الخطاب" حين أسلم ستة وعشرين عامًا
وكما ذكرنا حين تحدثنا عن اسلام حمزة، قلنا أن وضع المسلمين في ذلك الوقت كان في غاية الحرج
الاسلام يتعرض لحملات تشويه لا تنتهي
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعرض –كذلك- لحملات تشويه، وقريش تشيع عليه بين العرب أنه ساحر وأنه مجنون 
المسلمون يتعرضون لكافة أنواع الإيذاء النفسي والبدني، ليس للمستضعفين فقط، ولكن حتى للسادة والأشراف، وحتى هاجر الى الحبشة أكثر من مائة من الرجال والنساء

*********************************
دعاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في هذه اللحظات شديدة الحرج يدعو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الله تعالى دعاءًا عجيبًا ويقول
اللهم أعز الاسلام بأحب العمرين اليك: عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب
فالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمنى ودعا الله تعالى أن يدخل في الاسلام اما: عمرو بن هشام- وهو الذي كانت قريش تطلق عليه "أبا الحكم" وأطلق عليه المسلمون "أبو جهل" أو عمر بن الخطاب 
ويستجيب الله تعالى لدعاء نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويكون أحب الرجلين الى الله تعالى هو "عمر بن الخطاب 
لماذا تمنى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يدخل الاسلام "عمرو بن هشام" أو "عمر بن الخطاب" ؟ 
لأن كل من "عمرو بن هشام" و"عمر بن الخطاب" شخصيات ايجابية، والاسلام في هذه المرحلة -وفي كل وقت- في حاجة الى شخصيات ايجابية، ولذلك كان دعاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللهم أعز الاسلام
 
*********************************
وصف عمر بن الخطاب
قبل أن نشرع في قصة اسلام عمر نذكر وصف عمر بن الخطاب
كان "عمر بن الخطاب" معروفًا بالقوة البدنية، وكان طويلًا جدًا، حتى قيل انه اذا ركب فرسه بلغت قدماه الأرض، وكان يمارس رياضة المصارعة، وكان ابيض البشرة، أصلع، طويل اللحية

*********************************
عمر بن الخطاب قبل الإسلام
وقد كان عمر قبل اسلامه من سادة قريش، وعمل بالتجارة، وربح منها وأصبح من أغنياء قريش، وبرغم من سنه الصغيرة، فقد كان له مكانة كبيرة في قريش، فكان يلجأ اليه ليقضى في الخصومات، وكانت قريش ترسله سفيرًا لها اذا كانت هناك مشكلة بينها وبين قبيلة أخري
وعندما جاء الاسلام، كان عمر من أشد قريش عداوة للمسلمين، وكان ممن شارك في تعذيب ضعفاء المسلمين بيده، وكان كثير التضييق على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لدرجة أنه كان يسير خلف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويمنع الناس من الحديث اليه أوالاستماع اليه، ولا يتركه الا عند دخول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى بيته، حتى أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التفت اليه ذات يوم وقال له 
يا عمر ألا تتركنى ليلًا ولا نهارًا  
  
يا عمر ألا تتركنى ليلًا ولا نهارًا  
*********************************
أول مرحلة من اسلام عمر
أول حلقة في قصة اسلام عمر، هي تأثر عمر بصلابة ضعفاء المسلمون في مواجهة بطش قريش، والشخصيات العظيمة تتأثر دائمًا بالشخصيات العظيمة، وتنجذب اليها
تأثر "عمر بن الخطاب" أولًا بلبيبة الجارية، وكانت جارية في "بنى عدي" وعمر من سادة "بنى عدي" فكان "عمر" يضربها بنفسه بيده وبالسوط حتى يتعب هو من كثرة الضرب، ثم يقول لها: والله ما تركتُكِ إلا كلالاً، يعنى ما تركتك الا لأني تعبت من كثرة الضرب، فترد عليه بثبات مذهل وتقول: انظر ما فعل الله بك
وعندما هاجر المسلمون الى الحبشة رأي عمر "ليلى بنت أبى حثْمَة" زوجة "عامر بن ربيعة" وهي تحمل أغراضها خارج بيتها وكأنها تستعد للسفر، فعلم أنها مهاجرة مع زوجها الى الحبشة، فرق عمر لهذا المشهد، فقال لها: انه الانطلاق يا أم عبد الله ؟ فقالت بثبات وبلا خوف:  نعم واللَّه لنخرجنّ فى أرض اللَّه، آذيتمونا وق
هرتمونا؛ حتى يجعل الله لنا مخرجًا، فقال عمر: صحبكم الله، فتعجبت "ليلى بنت أبى حثْمَة" ودخلت الى زوجها وقالت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفًا ورِقَّته وحزنه علينا! قال: أطمعتِ فى إسلامه؟ قالت: نعم، قال: فلا يُسلم الذي رأيت حتى يُسلم حِمَارُ الخطاب

فلا يُسلم الذي رأيت حتى يُسلم حِمَارُ الخطاب
*********************************
المرحلة الثانية من اسلام عمر
الحلقة الثانية من اسلام "عمر" كانت موقف آخر
خرج "عمر بن الخطاب" يتعرض للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما كان يفعل كل يوم، فذهب الى بيته فوجده قد خرج الى الكعبة، ووقف يصلي عندها، فجلس خلفه ينتظر حتى يكمل صلاته، وكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في سورة "الحاقة" يقول عمر: فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا والله
 شاعر كما تقول قريش ، فقرأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *  وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ)) قال عمر في نفسه: كاهن، فقرأ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ((وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ)) يقول عمر: فوقع الاسلام في قلبي

 
*********************************
اسلام "حمزة" وعلاقته باسلام عمر بن الخطاب
ولكن حدث بعد ذلك اسلام حمزة، وقلنا أن حمزة ضرب "عمرو بن هشام" بقوسه فشجه في رأسه، وكان "عمرو بن هشام" هو خال "عمر بن الخطاب" فغضب "عمر بن الخطاب" لذلك، وكان عمر شخصية حاسمة، فقرر أن ينهي هذا الصراع في نفسه بين الاسلام الذي قال أنه وقع في قلبه، وبين دين قريش الذي كان عمر لا يزال عليه في ذلك الوقت، وقرر أن ينهي هذا الصراع في نفسه، وينهي كذلك الانقسام الذي كانت عليه قريش، وأراد كذلك أن ينتقم من اهانة خاله "عمرو بن هشام" على يد "حمزة" عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرر أن يقوم بالأمر الذي لم تستطع قريش كلها أن تقوم به، وهو قتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 
*********************************
محاولة "عمر بن الخطاب" قتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حمل عمر سيفه وانطلق يبحث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقابل رجل اسمه "نُعَيم بن عبد الله" وكان "نُعَيم" من "بنى عدي" وكان من المسلمين الذين يخفون اسلامهم خوفًا من بطش قريش، فلما راي "نعيم" "عمر" هكذا يحمل سيفه والشر يبدو في وجهه،  شعر بالقلق فسأله: الى أين يا عمر ؟ فقال له عمر: أريد محمدًا هذا الصابئ الذي قد فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله، سمع "نعيم" هذا فقرر أن يحمى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن يكشف سرًا خطيرًا، حتى يلهي "عمر بن الخطاب" عن قراره بقتل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا السر هو: اسلام اخته "فاطمة بنت الخطاب" وزوجها "سعيد بن زيد" لأن عمر في النهاية لن يقتل أخته، قد يضربها هي وزوجها و يضيق عليهما، ولكنه لن يقتلهما في النهاية،  فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر, أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدًا, هكذا أظهر "نعيم" خوفه على عمر، ثم يلقي "نعيم" قنبلته المدوية ويقول: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، قال: وأي أهل بيتي ؟! قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد أسلما وتابعا محمدًا على دينه فعليك بهما، فانطلق "عمر بن الخطاب" الى بيت أخته فاطمة بنت الخطاب

أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم 
*********************************
في بيت فاطمة بنت الخطاب
وكان "خباب بن الأرت" مع "سعيد بن زيد" و"فاطمة بنت الخطاب" يتدارسون القرآن، وقد كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قسم المسلمين في مجموعات، كل مجموعة تتدارس القرآن فيما بينها، وكان "خباب" من الموالي وكان هو الذي يعلم "سعيد بن زيد" وزوجته فاطمة بنت الخطاب
وصل "عمر بن الخطاب" الى بيت أخته فاطمة، وعندما وصل الى الباب سمع صوت قراءة القرآن، فطرق الباب بعنف وهو يصيح بصوته الجهوري أن يفتحوا الباب، فاختبأ "خباب بن الأرت" وهو يقول: لئن نجا سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب فلن ينجو خباب، يعنى حتى لو لم يبطش عمر بسعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب فسيبطش به لا محالة
فتح سعيد الباب، ودخل عمر وهو يغلى من الغضب، وصاح في وجه سعيد، ما هذه الهمهمة التى سمعت، فرد عليه سعيد: ما سمعت شيئًا
قال عمر: بلى، والله لقد أُخبرت أنكما تابعتما محمدًا على دينه
ثم ألقى بنفسه على سعيد يبطش به، وزوجته السيدة "فاطمة بنت الخطاب" تدافع عن زوجها، فصفع "عمر" أخته "فاطمة" فسالت الدماء من فمها، وسقطت صحيفة القرآن التى كانوا يقرئون منها، فصاح به زوجا "سعيد بن زيد" : نعم، قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك

نعم، قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك
ليس هذا فحسب وقفت "فاطمة بنت الخطاب" وأمسكت بوجه أخيها، وهي تقول في ثبات: وقد كان ذلك على رغم أنف عمر
يقول عمر وهو يقص قصة اسلامه: فاستحييت حين رأيت الدماء
والرجل الذي لا يستحي أن يعتدي على امرأة ضعيفة ليس برجل، والذي يستغل ضعف زوجته فيضربها أو يهينها ليس برجل 
الرجل القوي الشخصية عندما يعتدي على امرأة أو أي انسان ضعيف، لا بد أن يستحي، واذا لم يستحي فهذا يدل على ضعف شخصيته
ولذلك استحي عمر عندما رأي الدماء تسيل من وجه أخته، وصدق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحياء كله خير 
هدأ غضب عمر دفعة واحدة، وجلس وهو يقول في صوت خفيض: أروني هذا الكتاب
وفي ثبات مذهل تقول له فاطمة بنت الخطاب 
يا أخي، إنك نجسٌ على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر
دائمًا في علم المفاوضات، يقولون اذا كنت الطرف الأضعف قدم بعض التنازلات، ولكن "فاطمة" لم تكن تري أنها الطرف الأضعف، بل تري أنها الطرف الأقوي ولذلك لم تقدم أي تنازل
وفي هدوء عجيب، ودون كلمة واحدة ، يقول عمر ليغتسل، ويمسك بالصحيفة و يقرأ وكان من المعدودين في مكة الذين يستطيعون القراءة 
((طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى* إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى* تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلاَ* الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى* لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى))
تزلزل عمر وقال: ما أحسن هذا الكلام! ما أجمله!
لحظة من أروع لحظات التاريخ الاسلامي، ثماني آيات فقط، صنعت الأسطورة الإسلامية العجيبة عمر
وهنا يخرج "خباب" من مخبئه، ويقول وهو يغالب دموعه: يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللَّهُمَّ أَيِّدْ الإِسْلاَمَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"، فاللهَ اللهَ يا عمر
يقول عمر في حماس: فأين رسول الله؟
 
يقول  خباب: إنه في دار الأرقم
*********************************
عمر في دار الأرقم
انطلق عمر الى دار الأرقم، وهولا يزال يحمل سيفه، وطرق الباب، وكان في البيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه أربعون من الصحابة، ومنهم أسد الله عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمزة بن عبد المطلب 

كان في البيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه أربعون من الصحابة
قام رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونظر من خلل الباب فرأي عمر ومعه سيفه، فعاد الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزعًا وهو يقول: يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحًا سيفه

 يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحًا سيفه
فيقول "حمزة" في صلابة
 
ْذَنْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِها
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ائْذَنُوا لَه
يدخل عمر، فأخذ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمجمع ردائه، ثم جذبه نحوه جذبة شديدة وقال له في قوة
ما جاء بك يابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزل الله بك قارعة
كان سبب هذه الطريقة التى عامل بها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر بن الخطاب أنه وجد كل من في الدار من المسلمين قد خافوا جدًا عندما طرق عليهم عمر الباب، فأراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرفع معنوياتهم، وأن يعطيهم درسًا عمليا في الشجاعة والثبات 
يقول عمر: يا رسول الله، جئت لأُومِنَ بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله
اجتاحت الفرحة قلب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال الله أكبر، فكبر كل من في البيت
*********************************
الفاروق
في أول لحظة من اسلام عمر تظهر أعظم ملامح شخصية عمر وهي الايجابية الشديدة، وقوة الشخصية، فيقول عمر: ألسنا على الحق ؟
فيقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بلى
ثم قال: أليسوا على الباطل ؟
فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بلى
قال عمر: ففيمَ الاختفاء؟
كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جهر بالدعوة قبل هذا التاريخ بعامين، ولكن كان عمر يقصد لماذا الاختفاء في دار الأرقم، ولماذا لا نجتمع علانية ونمارس شعائرنا علانية، طالما أنهم هم على الحق وقريش هي التى على باطل 
ويوافق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن موازين القوي قد تغيرت بالفعل بعد اسلام حمزة وعمر، ويسمي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر منذ هذه اللحظة بالفاروق، لأنه باسلامه فرق بين الحق والباطل

قال عمر: ففيمَ الاختفاء؟
*********************************
خروج المسلمون وتحديهم قريش
ويخرج المسلمون في صفين: عمر على رأس أحد الصفين، وحمزة على الآخر، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسير بينهما، وهم يكبرون ويقولن "الله أكبر ولله الحمد
ومشى المسلمون مشية عسكرية، وهم يضربون الأرض بأرجلهم في قوة، يقول ابن عباس "لهم كديد ككديد الرحى" يعنى يثيرون الغبار من الأرض، كما يثير الرحي غبار الدقيق، واتجه الصفين من دار الأرقم الى المسجد الحرام، حيث أكبر تجمع لقريش
فوجئت قريش بخروج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون في هذا المشهد المتحدي، وفوجئت باسلام عمر، وأخذت تنظر الى المسلمون في ذهول، وقد علت وجوههم كآبة شديدة

فوجئت قريش بخروج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون في هذا المشهد المتحدي
*********************************
عمر يزف خبر إسلامه لأبي جهل بنفسه
أخذ"عمر" بعد ذلك ينظر في أنحاء المسجد الحرام يبحث عن ألد أعداء الإسلام، وهو خاله "عمرو بن هشام" فلم يره، فذهب اليه في بيته، يقول عمر: فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إليّ وقال: مرحبًا وأهلاً يابن أختي، ما جاء بك؟
فقال له عمر في تحدٍ واضح وقال له: جئتُ لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به
قال عمر: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به

قال له: جئتُ لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد
*********************************
عمر ينشر خبر اسلامه
لم يكتف عمر بذلك بل أراد أن يستمر تحديه لقريش، فذهب الى "جميل بن معمر الجمحي" وكان معروفًا بأنه أكثر رجل في قريش ينقل الكلام، يقولون أنقل قريش للحديث، أو كما نقول نحن "ما بيتبلش في بقه فولة" ذهب اليه عمر وقال له: يا جميل، لقد أسلمت، فانطلق جميل وهو ينادي: عمر ابن الخطاب قد صبأ، فمشي عمر خلفه وهو يقول: كذبت ولكنى قد أسلمت
*********************************
كنت ستضيع اباك
ويعود "عمر" الي بيته ويجمع أهل بيته ويدعوهم للإسلام، وكان ابنه "عبد الله بن عمر" عمره في ذلك الوقت لم يتعدي عشرة أعوام، فقال له "عبد الله بن عمر" أنه قد أسلم منذ عام، وكان "عبد الله بن عمر" يخفي اسلامه خوفًا من بطش أبيه، فقام اليه "عمر" وضربه وقال له: كنت ستضيع أباك
وبعد ذلك بسنوات، حتى بعد أن اصبح عمر أميرً للمؤمنين، كان ربما يري ابنه "عبد الله بن عمر" فيوكزه ويقول له: كنت ستضيع اباك
فعل عمر كل هذا في أول يوم من اسلامه، وأنت وأنا مسلمون منذ ثلاثون سنة، فماذا فعلنا للإسلام 
*********************************
قريش تحاول الإعتداء على عمر
استمر "عمر" في تحديه لقريش فكان يقف ليصلى عند الكعبة، ويجمع المسلمين ليصلون عند الكعبة، ولم تحتمل قريش هذا التحدي من عمر فاجتمعوا عليه، وأخذوا يحاولون ضربه ويضربهم، واستمروا على ذلك ساعات طويلة، حتى خارت قوي عمر، فأخذ أحدهم ووضع اصبعيه على عينيه، واقسم لو لم ينصرفوا عنه لفقأ عينيه، فانصرفوا عنه
*********************************
مازلنا أعزة منذ أسلم عمر
تغير وضع المسلمون تمامًا بعد اسلام "عمر" فقد تشجع المسلمون، وبدأ الكثير ممن كان يخفي اسلامه يعلن اسلامه، وأصبح المسلمون يطوفون بالبيت، ويجلسون حلقات حول البيت، وأصبحوا يصلون عند البيت، وأصبحوا يردون على بعض ممن يسخرون منهم 
يقول عبد الله بن مسعود مازلنا أعزة منذ أسلم عمر

 
*********************************
 *********************************