Untitled Document

عدد المشاهدات : 2048

الفصل السادس والستون: قصة الهجرة- الجزء الخامس- هجرة المسلمون

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الرابع: قصة الهجرة

الفصل السادس والستون

*********************************

قصة الهجرة- الجزء الخامس

هجرة المسلمون

*********************************

 

 

*********************************

وصلت أخبار بيعة العقبة لقريش، فثارت ثائرتها، واشتد جدًا ايذائها للمسلمين، فأمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه بالهجرة، وبدأت قريش تحاول منع المسلمين من الهجرة

وكانت الهجرة في ذلك الوقت فرض على المسلمين، ومن لا يهاجر يأثم بعدم خروجه، يقول تعالى في سورة النساء ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)) وظل هذا الفرض قائمًا حتى فتح مكة، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا هجرة بعد الفتح"

 

وكانت من صور قريش في محاربة المهاجرين، عندما أراد "أبو سلمة" الهجرة ومعه زوجته "أم سلمة" وابنهما "سلمة" جاء قوم "أم سلمة" وأخذوها منه وقالوا"لا نتركك تسير بها الى البلاد" ثم جاء قوم "أبو سلمة" وقالوا لا نترك ابننا عندها اذ نزعتموها من صاحبنا، فأخذوا ابنها "سلمة" وهاجر "أبو سلمة" وحده وكان أول من وصل الى المدينة، وهكذا أصبحت هي في مكان، وزوجها في مكان، وابنها في مكان آخر

فكانت تخرج كل يوم تجلس وتبكي حتى المساء، حتى رق لها قومها، وسمحوا لها بالخروج الى زوجها، ورد قوم زوجها ابنها اليها

هاجرت "أم سلمة" وحدث موقف عجيب في هجرتها: عندما بدأت في السفر، وعندما وصلت الى التنعيم، لقيت "عثمان بن طلحة" وكان لا يزال كافرًا، فقال لها: الى أين ؟ قالت: أريد زوجي بيثرب، قال: أو ما معك من أحد ؟! قالت: لا والله الا الله وابنى هذا: قال لها: والله لا أتركك

تقول "أم سلمة" فأخذ بخطام البعير، وانطلق، فوالله ما صحبت رجلًا أكرم منه، كان اذا بلغ المنزل أناخ البعير ثم استأخر حتى اذا نزلت، أخذ البعير، ثم قيده في شجرة، ثمم تنحي الى شجرة ونام تحتها، فاذا دنا الرواح، قام الى بعيري فقدمه، ثم استأخر عنى وقال: اركبي، ثم يأخذ خطام البعير وينطلق

تقول: فلم يزل كذلك حتى أقدمنى المدينة، فلما نظر اليها قال: زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله، تقول: ثم انصرف راجعًا الى مكة، فما رأيت صاحبًا قط أكرم من "عثمان بن طلحة"

 

زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله

"عثمان بن طلحة" عندما فعل هذا كان مشركًا، وقد تأخر اسلامه حتى قبل الفتح بقليل، ولكنه فعل كل هذا، وقطع هذا المسافة الكبيرة جدًا، 500 كم ذهابًا و500 كم ايابًا وهو مشرك، وللأسف أخلاق بعض المشركين في الجاهلية أفضل ألف مرة من كثير من المسلمين الآن، أين نحن فيما فعل "عثمان بن طلحة" فيمن يتلصص على جارته، وحالات التحرش، حتى أصبحت مصر ثاني دولة على مستوى العالم كله في التحرش، وللأسف أن الدولة الأولى هي دولة اسلامية أيضًا وهي "أفغانستان" والدول الغربية تحذر رعاياها قبل السفر الى بلادنا من التحرش

من صور محاربة قريش المهاجرين حبس من تعلم أنه يريد الهجرة، وتقييده، وقد يتم الحبس في بيت بلا سقف كنوع من التعذيب

كانت قريش كذلك تصادر أموال بعض من اراد الهجرة، مثلما فعلت مع "صهيب الرومي" عندما اراد الهجرة قالت له قريش: أتيتنا صعلوكًا، فكثر مالك عندنا، ثم تنطلق بنفسك ومالك ؟ والله لا يكون أبدًا،  فقال لهم صهيب: أرأيتم إن تركت مالي تخلون أنتم سبيلي؟ قالوا: نعم، فترك لهم كل ماله، فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "ربح صهيب، ربح صهيب"

 

أتيتنا صعلوكًا، فكثر مالك عندنا، ثم تنطلق بنفسك ومالك ؟

ووصل الأمر بقريش أنه حتى الذي نجح في الهجرة والفرار من مكة والوصول سالمًا الى المدينة، كانت قريش تحاول اعادته، ونجحت في ذلك مع بعضهم مثل "عياش بن ابي ربيعة" الذي قدم عليه في المدينة "عمرو بن هشام" و"هشام بن العاص" وقالا له: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، ورق عياش لأمه، وحذره "عمر بن الخطاب" وقال  له: انما يريدك القوم ليفتنوك، فيقول عياش: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه. فقال له عمر: انك تعلم أني لمن أكثر قريش مالًا، فلك نصف مالى ولا تذهب معهما، ولكن "عياش" ذهب معهما وعاد الى مكة، فحبس وتعرض للتعذيب وعاد الى الكفر، وكان المسلمون يعتقدون أن من أسلم ثم عاد الى الكفر لا يقبل الله تعالى توبته، فنزل قول الله تعالى ((( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) فكتبها "عمر بن الخطاب" في صحيفة وبعث بها الى "عياش" واستطاع "عياش" بعد ذلك أن يحتال وينضم الى معسكر المسلمين

 

قال عياش: يا عمر أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه

هكذا كان ذلك الجهد الكبير الذي بذله المسلمون في الهجرة من  "مكة" الى "المدينة" وفي المقابل فتح الأنصار بيوتهم لوفود المهاجرين، وتقاسموا معهم المكان والطعام والمال

أما الوحيد الذي هاجر الى المدينة علانية فهو "عمر بن الخطاب" حيث وضع قوسه على كتفه، وحمل أسهمًا وسيفه، وذهب الى الكعبة فطاف سبعًا، ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم نظر لحلقات المشركين المجتمعة وقال: شاهت الوجوه، ثم قال: من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده، ، وترمل زوجته، فليلقنى خلف هذا الوادي، فلم يتبعه أحد من قريش الا بعض المستضعفين من المسلمين الذين هاجروا معه

 

من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده، فليلقنى خلف هذا الوادي

هكذا هاجر كل المسلمين ولم يبق بمكة الا بعض المستضعفين الذين حبستهم قريش، وهؤلاء كان يدعو لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القنوت في الصلاة، بعد أن يرفع رأسه من الركعة الأخيرة ويقول "اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين"

هاجر المسلمون ولم يبق بمكة الا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعائلته، وأبو بكر الصديق وعائلته، وفكرت قريش أنه طالما أن كل المسلمين هاجروا فلابد أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينتظر أن يطمئن على هجرة كل المسلمين ثم يهاجر بعد ذلك، واجتمعت قريش في دار الندوة للتشاور في هذا الأمر الخطير، وكان القرار هو ضرورة قتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

ما الذي حدث  ؟

هذا ما سنتناوله في الفصل القادم ان شاء الله تعالى

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************