Untitled Document

عدد المشاهدات : 1837

الفصل التسعون: سرية "عبد الله بن جحش" أو سرية "نخلة" - السرايا والغوات بعد الهجرة وقبل بدر

        أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ السادس: من الهجرة حتى غزوة بدر الكبري

الفصل التسعون

*********************************

السرايا والغزوات بعد الهجرة وقبل بدر

سرية  "عبد الله بن جحش"

سرية "نخلة"

 *********************************

بعد شهرين من غزوة ذي العُشيرة وفي شهر رجب من السنة الثانية من الهجرة،أراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسل ما يطلق عليه الآن "دورية استطلاعية" وأراد أن تكون قريبة جدًا من مكة، فارسل تسعة من المهاجرين، على رأسهم "عبد الله بن جحش"

و"عبد الله بن جحش" هو ابن عمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أخ "زينب بنت جحش" التى سيتزوجها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك

صلي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء ثم طلب من "عبد الله بن جحش" أن يأتيه في صلاة الصبح ومعه سلاحه، وبعد أن صلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبح وجد "عبد الله بن جحش" واقفًا عند بابه

أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عبد الله بن جحش" على سرية قوامها ثمانية أفراد، ودفع اليه كتابًا، وأمره ألا ينظر فيها حتى يسير يومين، ثم لا يستكره أحدًا من أصحابه

وبالفعل سار "عبد الله بن جحش" ثم فتح الكتاب وقرأه فاذا فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة، فترصد بها قريش وتعلم لنا من أخبارها"                           

وكانت هذه الطريقة التى اتبعها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طريقة فريدة لم يتبعها من قبل، ولم يستخدمها بعد ذلك، والسبب هو  صعوبة وخطورة هذه السرية، فهي صعبة لأنها تبعد عن المدينة 480 كم، وهي خطيرة جدًا لأنها قريبة جدًا من مكة، فاذا تم اكتشاف أمرهم فانه من السهل القبض عليهم، واذا قبض عليهم فسيتم قتلهم لا محالة

ولذلك كان هذا المسلك الفريد لأن التكليف اذا كان في المدينة فقد يتردد البعض، ولكن اذا جاء التكليف بعد أن ساروا يومين، يعنى خُمْس الطريق تقريبًا، فانهم يكونون أقرب الى الاستجابة، بل على العكس تكون العودة الى المدينة بعد ذلك أصعب على نفوسهم من استكمال الطريق

وبالفعل عندما قرأ "عبد الله بن جحش" الكتاب على أصحابه، وقال لهم:

"من أحبَّ الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض" فنهضوا جميعًا معه، واتجهوا إلى منطقة "نخلة" وهي موضع بين مكة والطائف

وَصَلَ الصحابة الى منطقة نخلة، ووجدوا قافلة لقريش في طريقها من الطائف الى مكة، تحمل زبيب وجلود وتجارة، وكانت القافلة في حراسة أربعة رجال فقط، لأن قريش لم تكن تتصور أن يصل المسلمون الى هذه النقطة البعيدة جدًا عن المدينة

وتردد الصحابة في مهاجمة القافلة لأن هذه الليلة الى اكتشفوا فيها هذه القافلة هي آخر ليلة في شهر رجب، وهو شهر حرام كانت العرب والمسلمون يحرمون فيه القتال، وأغلب الفقهاء أن هذا الحكم قد نسخ، ولكن حتى ذلك الوقت كان القتال في رجب أمر تعظمه جدًا كل العرب والمسلمون أيضًا

وفي نفس الوقت لا يستطيعون تتبع القافلة حتى انقضاء هذه الليلة، ودخول الليلة الأولى من شعبان، لأن تلك القافلة على بعد ليلة واحدة من حرم مكة، فاذا لم يقوموا بمهاجمتها الآن فستدخل الحرم وتفلت منهم

        

ومع ذلك فقد رغب الصحابة جدًا في مهاجمة القافلة لأكثر من سبب:

أولًا: أنها ستكون الضربة الأولى لقريش، لأن كل الغزوات والسرايا السابقة لم تسفر عن أي غنائم

ثانيًا: أن هذه الضربة في عقر دار قريش، وهي تحمل جرأة لا تَخْفى على أحد، وسيكون لها أثر سلبي كبير في نفوس المشركين، وفي نفس الوقت دعاية عظيمة للمسلمين، ترفع من هيبة المسلمين في الجزيرة

ثالثًا: حراسة القافلة ضعيفة جدًا، لا تتكون الا من أربعة رجال، بينما عدد المسلمين تسعة، تخلف منهم اثنين لأنهما اضلا بعيرهما الذين كانا يتعاقبانه فذهبا يتتبعانه، اذن عدد المسلمين سبعة في مقابل أربعة، ومعهم عنصر المفاجأة

        

تشاور الصحابة وكان القرار هو مهاجمة القافلة، وبالفعل تمت مهاجمة القافلة، وقتل في هذا الهجوم أحد المشركين، وأُسِر اثنان منهم، بينما فرَّ الرابع، وغنم المسلمون القافلة بأكملها، وعادوا بها وبالأسيرين إلى المدينة المنورة

 

تشاور الصحابة وكان القرار هو مهاجمة القافلة

وكان هذا هو أول قتيل قتله المسلمون في الإسلام، وكان هذان هما أول أسيرين في الإسلام، وكانت هذه هي أول غنائم ذات قيمة في الإسلام

واستغلت قريش هذه الحادثة أسوأ استغلال في الدعاية ضد المسلمين، وتشويه صورة المسلمين في كل الجزيرة العربية، وقالت أن محمد ينتهك الشهر الحرام، ويستحل القتل في الشهر الحرام، واخذوا يعيرون ضعفاء المسلمين الذين في مكة

وأما الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد أنكر على الصحابة هذا التصرف، وقال لهم "مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشَّهْرِ" وأوقف التصرف في القافلة والأسيرين، حتى يأتيه وحي يرشده الى القرار

أما الصحابة أصحاب تلك السرية فقد أسقط في أيديهم، وشعروا أنهم قد أخطئوا خطئًا كبيرًا، وأخذ بقية الصحابة يلومونهم

وهكذا كان الجو العام في الجزيرة كلها يحمل هذه الفرقة الإسلامية كل الخطأ في هذا التصرف، وتتفق على ذلك آراء أهل مكة والمدينة، بل ورأي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه، ولكن نزل القرآن العظيم  ليمثل مفاجأة للجميع أنه أقر ما قام به اصحاب السرية، يقول تعالى في سورة البقرة ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ))

يعنى القتال في الشهر الحرام أمر كبير وعظيم، ولكن ما فعلته قريش سواء بالـ (َصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي منع الناس من الدخول في دين الله (وَكُفْرٌ بِهِ) أي بكفرهم بالله، (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي صد المسلمين عن دخول المسجد الحرام والصلاة فيه والطواف والعمرة (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ)  يعنى واضطهادهم المسلمين حتى اضطروهم الى الخروج من مكة وهم أهلها، كل هذه الجرائم التى ارتكبتها وترتكبها قريش هي أكبر عند الله تعالى من قتل المشركين في الشهر الحرام (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وفتنة الناس عن دينهم بتعذيبهم حتى يردوهم الى الكفر بعد الإيمان أكبر عند الله تعالى من قتل المشركين في الشهر الحرام

اذن حكم الله تعالى في هذه القضية أن القتال في الشهر الحرام أمر كبير وعظيم، ولكن ما فعلته قريش وتفعله أكبر وأعظم

        

لقد كانت هذه الآيات هامة جدًا في ذلك الوقت حتى يوضح الله تعالى للمسملين أنه لا مكان للمثاليات في هذا العالم الظالم، ولا يمكن التعامل بمثالية مع عدو يتعامل بخسة، وأن هذه المرحلة التى هم مقبلون عليها تحتاج الى التعامل بواقعية والى التعامل بالمثل، والى مقابلة القوة بالقوة

ولذلك فهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمر فورًا، وعندما أرسلت قريش في فداء الأسيرين، لم يقبل الفداء حتى يعود كل من "سعد بن أبي وقاص" و"عتبة بن غزوان" الذين كانا قد انفصلا عن السرية وذهبا يبحثان عن بعيرهما الذي فقداه في الطريق، وذلك مخافة أن تكون قريش قد ألقت القبض عليهما وقتلوهما

وكان قرار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو قتل هذين الأسيرين اذا قامت قريش بقتل "سعد بن أبي وقاص" و"عتبة بن غزوان"

ثم عاد الصحابيان بعد ذلك، فقبل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الفداء، ودفع الغنيمة الى أفراد السرية

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************