Untitled Document

عدد المشاهدات : 992

الفصل المائة: ملحمة بدر الكبري- الجزء التاسع- أسري بدر

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ السابع: ملحمة بدر الكبري

*********************************

الفصل المائة

ملحمة بدر الكبري- الجزء التاسع

أسري بدر

 *********************************

 

*********************************

عاد المسلمون الى المدينة وسط أجواء من الفرحة والبهجة عمت المدينة كلها

وأتت أم "حارثة بن سراقة" الى النبي وقد استشهد ابنها في المعركة، وسألت النبي:

-        يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب

فيقول لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

-        يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى

 

يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى

الرَسُولُ يوصى بحسن معاملة الأسري

عاد المسلمون الى المدينة، ومعهم سبعون أسيرًا، ومنذ اليوم الأول لوجود الأساري في المدينة قال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اسْتَوْصُوا بِالأُسَارَى خَيْرًا" فكان الصحابة يعطون للأسري أطايب طعامهم، ويأكلون هم الطعام الرديء، وكانوا يجعلونهم يركبون وهم يمشون الى جوارهم، وذلك لوصية الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم

قرار الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأسري

ولم يكن هناك تشريعًا يوضح كيفية التعامل مع أسري الحرب، فجمع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعض صحابته وتشاور معهم في هذا الأمر، فقال أبو بكر الصديق:

-        يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا

اذن رأي "أبو بكر" أن يأخذ فدية من هؤلاء الأسري، لأن الدولة في حاجة ماسة الآن لهذه الأموال، وربما يدخلوا في الإسلام بعد ذلك فيكونون عونًا لهم

 فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر بن الخطاب: مَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ؟

فقال عمر:

-        أرى يا رسول الله، أن تمكِّنني من فلان -وذكر قريبًا له- فأضرب عنقه، وتمكن عليًّا من عقيل بن أبي طالب -أخيه- فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين

فكان رأي "عمر" هو قتل السبعين أسيرًا، بل وأن يقتل كلٌّ قرابته بيده، حتى يربي المسلمون أنفسهم على الولاء الكامل لله تعالى

اذن الرأي الأول هو أخذ الفدية، والرأي الثاني هو قتل الأسري

واختار الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرأي الأول، وهو أخذ الفدية، ولكنه أمر بقتل أسيرين اثنين وهما: عقبة بن أبي مُعَيْط، والنضر بن الحارث؛ لأنهما كانا من رؤساء القريش المؤثرين، ولو كان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أطلق سراحهما، فسيعودان حتمًا لمحاربة الاسلام

ولكن في اليوم التالى نزل قول الله تعالى يعاتب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على اختياره هذا الرأي، ويقول أن الأولى كان هو قتل هؤلاء الأسري، حتى يكون للدولة الاسلامية الناشئة هيبة في قلوب العرب

 

فداء العباس عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

وكان مبلغ الفداء كبيرًا جدًا من ألف دينار ذهب الى أربعة آلاف دينار، كل على حسب مقدرته المالية، وهناك من لم يستطع دفع هذا المبلغ، وكان يجيد القراءة والكتابة فقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطلاق سراحهم مقابل أن يقوم كل واحد منهم بتعليم عشرة من غلمان المدينة القراءة والكتابة، ومنهم من كان فقيرًا ولا يعرف القراءة والكتابة، فمن عليه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأطلق سراحه

وكان العباس عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأسري، وكان غنيًا فكان فداءه أربعة آلاف دينار، فقال العباس "يا رسول الله لقد كنت مسلمًا" فرفض الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  ذلك، وقال له "اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلاَمِكَ، فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا؛ فَافْتَدِ نَفْسَكَ، وَابْنَيْ أَخَوَيْكَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو".

فقال العباس: ما ذاك عندي يا رسول الله.

فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فَأَيْنَ الْمَالَ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ، فَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَهَذَا الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتُهُ لِبَنَيَّ: الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَقُثَمٍ".

فقال العباس: "والله يا رسول الله، إني لأعلم أنك رسول الله؛ إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي ما أصبتم مني: عشرين أوقية من مال كان معي".

فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْكَ"

هكذا كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطبق القانون على الجميع، ولا يقبل الوساطة أو المحسوبية، وأخذ من العباس أعلى قيمة للفداء، وهي أربعة آلاف درهم للرجل

 

والله يا رسول الله، إني لأعلم أنك رسول الله

صاحبة القلادة

من المواقف الانسانية في أسري بدر أن "أبي العاص بن الربيع" زوج السيدة زينب بنت الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقع في الأسر، فأرسلت السيدة زينب في فداء زوجها وبعثت ضمن المال الذي أرسلته قلادة كانت قد أهدتها اليها أمها العظيمة السيدة خديجة، فلما رآها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رق لها رقة شديدة، وقال:

-        إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا

فقالوا: نعم يا رسول الله" فأطلقوه دون فداء، ولكن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ عليه عهد أن يرسل اليه ابنته عندما يصل الى مكة، لأن الله تعالى قد أنزل حكم التفريق بين الزوجين المسلم والكافر

آثار ونتائج بدر