Untitled Document

عدد المشاهدات : 5511

الفصل التاسع والعشرون بعد المائة: مقتل خالد بن سفيان الهذلى

                 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ العاشر: الأحداث من "أحد" الى "الأحزاب"

الفصل التاسع والعشرون بعد المائة

*********************************

مقتل "خالد بن سفيان الهذلى"

 *********************************

 

 *********************************

صعوبة موقف المسلمين بعد "أحد"
تحدثنا عن غزوة "أحد" ثم غزوة "حمراء الأسد" وقلنا كان من نتائج "أحد" السلبية أن اهتزت كثيرًا هيبة المسلمين في الجزيرة العربية، وهي تلك الهيبة التى اكتسبها المسلمون بعد "بدر"
ولذلك أصبح موقف المسلمون بعد "أحد" في غاية الصعوبة، لأن "بدر" جائت ولفتت نظر الجزيرة العربية كلها للمسلمين كقوة اقليمية جديدة متصاعدة، ثم جائت بعدها أحد وأضاعت هيبة المسلمين، بينما ظلت أنظار الجزيرة مركزة على المسلمين في نفس الوقت
ولذلك –كما ذكرنا- كان قرار الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد "أحد" وفي اليوم التالي مباشرة لأحد، هو الخروج لمطاردة المشركين، وقلنا أن الهدف الأول كان هو تخويف قريش حتى لا تعود لمهاجمة المدينة، وهناك هدف آخر هام جدًا هو استعادة بعض الهيبة التى فقدها المسلمون بعد أحد
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سرية "أبو سلمة"
من آثار اهتزاز هيبة المسلمين بعد "أحد"، وصل الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد "أحد" بثلاثة أشهر فقط، أخبار أن بعض العرب من قبيلة "بنى أسد" تستعد للإغارة على المدينة، فلم يمهلهم الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانما أرسل اليهم سرية قوامها مائة وخمسون من الصحابة، وجعل عليهم أميرًا "أبو سلمة" أخيه في الرضاعة، فلما انتهوا اليهم تفرقوا وتركوا بعض الأنعام، غنمها
المسلمون وعادوا الى المدينة، وسميت هذه السرية "سرية أبو سلمة"
 


"خالد بن سفيان الهذلي" يدعو لغزو المدينة
من آثار اهتزاز هيبة المسلمين بعد "أحد" كذلك، أن فارس مغامر هو "خالد بن سفيان الهذلي" أراد أن يستغل اهتزاز هيبة المسلمين بعد أحد، وأن يستغل حالة الكراهية الموجودة في الجزيرة العربية ضد المسلمين، وبدأ يدعو لغزو المدينة، واتخذ لنفسه مقر في وادي "عرنة" وهو مكان قريب من مكة، يبعد عن الحرم حوالى 20 كم، وبدأ بالفعل يتجمع عنده المقاتلين من المرتزقة الذين طمعوا في نهب خيرات المدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول يقرر قتل "خالد بن سفيان"
وصلت هذه الأخبار الى الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرر ألا يمهل هذا الرجل حتى يكثر جمعه، وأن يرسل له من يقتله، وكان ذلك أيضًا في "محرم" من السنة الثالثة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فراسة الرسول في اختيار الرجال
واختار الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذه المهمة الصعبة شاب عمره 28 عام اسمه "عبد الله بن أنيس الجهني"
وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتمتع بفراسة عظيمة في اختيار الرجال فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يختار لكل مهمة من يناسبها، فيختار للقيادة من يتمتع بسداد الرأي وحسن التصرف، ويختار للدعوة والتعليم من يتمتع بغزارة العلم، والمهارة في اجتذاب الناس، ويختار للوفادة على الملوك والأمراء من يتمتع بحسن المظهر وفصاحة اللسان، وفي الأعمال الفدائية يختار من يجمع بين الشجاعة وقوة القلب والقدرة على التحكم في المشاعر، ولذلك اختار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عبد الله بن أنيس الجهني" للقيام بهذه المهمة الصعبة والخطيرة جدًا، وهي مهمة قتل "خالد بن سفيان الهذلي" وهي أشبه بالعمليات الفدائية التى تقوم بها الآن قوات الصاعقة أو قوات الكوماندوز، لأن "خالد بن سفيان الهذلي" كان من أشد وأقوي وأشرس المقاتلين العرب، وسنجد ان الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيختار بعد ذلك "عبد الله بن أنيس الجهني" في مهمة فدائية أخري 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرَسُولِ يخبر "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" بمهمته
دعا الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الجهني" وقال له: 
- إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِيَ النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي فَائْتِهِ فَاقْتُلْهُ
فقال له عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: 
- يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : 
- إِذَا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً
انطلق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ حتى وصل الى "عرنة" فلما رآه وجد مَا وَصَفَ له رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" يصلى صلاة الطالب والمطلوب
ثم خشى "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" أن يكون هناك قتال طويل بينه وبين "خالد بن سفيان" وتضيع منه الصلاة، فصلى وهو يمشي نحوه وأخذ يومأ برأسه في الركوع والسجود، لأنه لا يستطيع أن يصلى أمام الناس ويراه أحد فيعلم أنه مسلم، وقد أقر بعد ذلك الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك هذه الصلاة التى صلاها "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" وعرفت في كتب الفقه بصلاة الطالب والمطلوب 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نجاح "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" في قتل "خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ"
فلما وصل "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" الى "خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ" قال له خالد:
- مَنِ الرَّجُلُ ؟
قال له عبد الله:
- : رَجُلٌ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجَاءَكَ فِي ذَلِكَ
فقال له خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ:
- أَجَلْ أَنَا فِي ذَلِكَ
فمشي معه "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" قليلًا ثم حمل عليه بالسيف وقتله، ثم عاد الى المدينة

حمل عليه "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" بالسيف وقتله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مكافأة الرسول لعبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ
لما دخل على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَفْلَحَ الْوَجْهُ" يعنى وجهك وجه من نجح في مهمته، فقال عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْس: - قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقام الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودخل بيته وأعطاه عصًا وقال:
- أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَاعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ
فخرج "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" ومعه العصا، فقال له الصحابة: : مَا هَذِهِ الْعَصَا ؟ قال: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسِكَهَا، قَالُوا: أَوَلَا تَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا ؟ قَالَ: "آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وظلت هذه العصا مع "عبد اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ" حتى ضمت معه في كفنه، ودفن معها  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
دلائل سرية "أبو سلمة" وحادثة قتل "خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ"
سرية "أبو سلمة" ثم حادثة قتل "خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ" تدل على مدي يقظة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة
وتدل على حزم وحسم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التعامل مع الأخطار التى يمكن أن تتعرض لها المدينة، ولذلك ربما تكون هذه هي أول مرة تسمع عن سرية "أبو سلمة" أو حادثة قتل "خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ" لأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعامل مع المشكلة في بدايتها، وانهاها، ولو كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد انتظر في المدينة حتى يحدث هجوم عليها لكانت مشكلة كبيرة
 وأخيرًا انظر الى تربية الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصحابته الكرام أن يكون ثوابهم يوم القيامة، لا أن تكون لهم جوائز دنيوية زائلة، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبي وليس ملك 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************