Untitled Document

عدد المشاهدات : 1959

الفصل السادس والأربعون بعد المائة: حديث الإفك
أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة
الجُزْءُ العاشر: الأحداث من "أحد" الى "الأحزاب"
الفصل السادس والأربعون بعد المائة
*********************************
حديث الإفك
 
*********************************

*********************************
قلوب المنافقون تمتلأ بالحقد على المسلمين  بعد فضيحتهم
قلنا أنه أثناء عودة المسلمين من "غزوة المُصْطَلق" وقعت مشكلة بين المهاجرين والأنصار، وعمل المنافقون على استغلال الموقف لإحداث فتنة في المدينة بين المهاجرين والأنصار، ولكن تغلب الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحكمته على هذه المشكلة، ونزلت سورة المنافقون وهي السورة التى تكاد تكون مقصورة على الحديث عن المنافقين
دخل المنافقون المدينة بعد فضيحتهم ونزول القرآن في شأنهم، وقلوبهم ممتلئة بالغيظ والحقد على الإسلام والمسليمن، ولذلك بمجرد دخولهم المدينة افتعلوا مشكلة جديدة حاولوا بها أن ينفثوا عن أحقادهم تجاه المسلمين، وتجاه الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذه الحادثة هي التى أطلق عليها القرآن العظيم "الأفك" واستغرق الحديث عنها في كتاب الله صفحة كاملة
والإفك هو الكذب والإفتراء، وهو أشد أنواع الكذب
ما الذي حدث ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تخلف السيدة عائشة عن الجيش
كانت السيدة عائشة مع الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة "بنى المُصْطَلق"
ومن الهدي النبوي أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان اذا سافر يصطحب معه بعض زوجاته
وأنت اذا سافرت فاجتهد أن تصحب معك زوجتك لأن ذلك أحصن لك، واحصن لها
ومن الهدي النبوي أيضًا أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان اذا أراد أن يصطحب بعض زوجاته معه يقرع بينهن، فالقرعة أسلوب نبوي يرضى الجميع
وفي طريق العودة، وبعد أن اقترب الجيش من المدينة، وقف الجيش في أحد الأماكن ليستريح وكان ذلك في الليل، وذهبت السيدة "عائشة" لتقضى حاجتها، وعندما عادت وجدت أنها قد فقدت عقد كانت قد أعطتها لها أمها عند زواجها، وكان العقد ثمين به حجر من العقيق، ومصنوع في بلد في اليمن اسمها "ظفار" كانت مشهورة بصناعة العقود، فعادت السيدة عائشة مرة أخري الى المكان الذي كانت فيه لتبحث عن العقد
تأخرت السيدة "عائشة" بعض الوقت، وبدأ الجيش يتحرك وجاء الذين يحملون هَوْدَجَها، فحملوا الهودج -والهودج هو غرفة صغير من الخشب توضع فوق الجمل وتركب فيه المرأة حتى لا يراها أحد- ووضعوه على بعيرها، وهم يعتقدون أن السيدة عائشة بداخل الهودج، لأنها -رضى الله عنها- كانت في ذلك الوقت خفيفة الوزن
عادت السيدة عائشة فوجدت الجيش قد تحرك، فخافت أن تسير خلف الجيش فتفقد طريقها وكان الوقت ليلًا، فجلست مكانها وقالت في نفسها أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما يكتشف عدم وجودها فسيعود مرة أخري، خاصة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان من شأنه أن يسير بجوار بعيرها ويتحدث اليها، ثم غلبتها عيناها فنامت في مكانها 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" يجد السيدة "عائشة" ويصحبها الى المدينة
في ذلك الوقت كان أحد الصحابة واسمه "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" يسير خلف الجيش متأخرًا عنه، وكان "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" من خيرة الصحابة، وقد استشهد بعد ذلك في أحد الغزوات في خلافة عمر، وكانت هذه هي عادة العرب في ذلك الوقت، أن يسير أحد افراد الجيش -أصحاب الخبرة في طرق الصحراء- خلف الجيش، حتى اذا وقع أي شيء من متاع الجيش أخذه معه 
فكان "صفوان" لا يسير بالليل وانما يسير في الصباح حتى يظهر له ما وقع من الجيش 
تقدم "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" مع طلوع الصبح، فرأي سواد انسان فاقترب فوجد السيدة "عائشة" نائمة، فأراد أن يوقظها فقال "إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون" فاستيقظت وغطت وجهها بجلبابها، وهذا من الأدلة على أن من شروط حجاب المرأة تغطية الوجه، ثم أناخ "صفوان" راحلته، أي أبركها أوأجلسها، ووضع رجله على ساق البعير، وركبت عليه السيدة عائشة، وأنطلق "صفوان" يقود الراحلة، الجمل خلفه عليه السيدة عائشة، وهو يسير أمام الجمل،  حتى وصلا الى الجيش في وقت وصوله الى المدينة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ضبط العلاقة بين الرجل والمرأة
تقول السيدة عائشة:
- وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ 
اذن لم يكن بينهما أي كلام، ولا حتى سألها ما الذي خلفك عن الجيش، أو ما الذي حدث، ولم تسمع منه غير كلمة واحدة، وهي "إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون" وهو ليس حديثًا موجهًا اليها، وانما ذكر لله تعالى بقصد أن يوقظها من نومها
وهذا كلام هام جدًا يضبط العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع
كثير من الشباب يسأل: هل اذا تحدثت مع زميلتى في المدرسة أو الكلية أو العمل هل هذا يجوز أم لا؟ أقول أنه يجوز في حدود الزمالة فقط، يعنى في حالة زميل العمل يكون الكلام في حدود العمل، وفي حدود ما يقتضيه العمل من كلام، ولذلك في قصة موسى –عليه السلام- عندما تحدث مع ابنتى شعيب لم يقل لهما الا كلمة واحدة ((مَا خَطْبُكُمَا)) وبعد أن سقي لهما، قال تعالى ((فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ)) اذن هو تحدث لهما، لم يقل أحد أنه حرام أن يتحدث لهما، لم يقل أحد ان صوت المرأة عورة، ولكن حديثه لهما كان في حدود ما يقتضيه الموقف
ولذلك السؤال الذي يتكرر كثيرًا هو: هل الشات بين الولد والبنت على النت حلال أم حرام، وأجد اجابات مائعة من العلماء، "أصل ممكن الكلام يتطرق الى كذا وكذا" نقول أن هذا الشات حرام حرام حرام، والكثير من المصائب تحدث بسبب عدم ضبط العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع والقصص في ذلك كثيرة لا حصر لها

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"عبد الله بن أبي" والمنافقون يبدؤن حديث الإفك
انطلق "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" بالسيدة عائشة حتى وصلا الى الجيش، وشاهد المسلمون السيدة "عائشة" على راحلتها يقودها "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" فكان أول من تحدث هو رأس النفاق "عبد الله بن أبي بن سلول" فنظر اليهما وقال: من هذه ؟ امرأة نبيكم، ومن هذا الذي معها "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" ؟ ثم أخذ يتحدث عن الزنا وبشاعته، هو لم يوجه اتهام مباشر ولم يذكر أسماء، وهذا من زكائه الشرير حتى لا يؤخذ عليه أي شيء، وسمع حديثه أصحابه المنافقون فأخذوا يرددون هذا الكلام في المدينة بالتلميح دون التصريح حتى لا يؤخذ عليهم أي شيء
وكانت محاولتهم اثارة الفتنة بين المهاجرين والأنصار وقول "عبد الله بن أبي" لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" وقوله "لا تنفقوا على من عند رسول الله" كان ذلك لا يزال حديثًا جدًا، ونزول سورة "المنافقون" التى فضحت نفاقهم، كل ذلك كان من أيام قليلة، فكان المنافقون لذلك في حالة خوف شديد وفي حالة غيظ وحقد شديد في نفس الوقت، ولذلك تحدثوا في هذا الأمر، وهو "حديث الإفك" كثيرًا لينفثوا عن حقدهم وغيظهم، ولكن تلميحًا لا تصريحًا 

من هذه ؟ امرأة نبيكم، ومن هذا الذي معها "صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ" ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مرض السيدة "عائشة" وتغير الرسول معها
ولكن بمجرد دخول السيدة عائشة المدينة مرضت، وظلت مريضة شهرًا كاملًا، والناس في المدينة يتحدثون وهى لا تعلم شيئًا، كل الذي لاحظته أن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان اذا دخل عليها فانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يتطلف لها كما اعتاد أن يفعل كلما كانت مريضة، فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول مثلًا "كيف عويش" ولكن في ذلك الوقت كان اذا دخل عليها يقول لأمها وهي عندها تمرضها:
- كَيْفَ تِيكُمْ
يعنى "أخبارها ايه" أو "هي عاملة ايه" ولا يزيد عن ذلك كلمة واحدة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حديث الإفك من الإبتلاءات التى مر بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ظلت السيدة عائشة مريضة –كما ذكرنا- شهرًا كاملًا، وكل المدينة تتحدث عن هذا الأمر، وكان هذا الموقف من أشد الإبتلاءات التى مر بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطعن في شرفه، وهذا من أشد الأمور على أي رجل، ليس هذا فحسب بل يطعن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أحب زوجاته اليه، وابنة أقرب أصدقائه، وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان رجلًا غيورًا
وكل ذلك في وقت هو أحرج لحظات الدعوة الإسلامية، لأنه في ذلك الوقت كانت الأخبار تصل الى المدينة بأن القبائل تتجمع لغزو المدينة، وهي التى عرفت بغزوة الأحزاب، التى سنتحدث عنها في الفصل القادم –ان شاء الله تعالى-  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
السيدة عائشة تعرف لأول مرة حديث الناس عنها
اقتربت السيدة عائشة من الشفاء، ودخلت في دور النقاهة، فخرجت لقضاء حاجتها مع أحد النساء من المهاجرين من قرابتها واسمها "أُمُّ مِسْطَحٍ" وبينما هما في الطريق عثرت "أُمُّ مِسْطَحٍ" في ملابسها فقالت: 
- تَعِسَ مِسْطَحٌ
فتعجبت السيدة عائشة، وقالت لها:
- بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا
قالت لها أُمُّ مِسْطَحٍ
- أَيْ هَنْتَاهْ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟
كأن "أُمُّ مِسْطَحٍ" كانت تتوقع أن تتحدث اليها السيدة "عائشة" عن هذا الأمر، ولكنها وجدتها لا تتحدث فيها، فأرادت أن تفتح الموضوع بقولها "تَعِسَ مِسْطَحٌ"
و"هنتاه" يعنى يا بلهاء، واستعملت أداة النداء "أي" وهي تستخدم للنداء على البعيد، مع أنها كانت تسير الى جوارها، كأنها تنسب لها البعد عن معرفة مكائد الناس بها
قالت عائشة:
- وما قال ؟
فأخبرتها "أُمُّ مِسْطَحٍ" بكل ما يقوله الناس عنها، وبكل ما خاضوا فيه طوال شهر كامل
ولم تستطع أمنا "عائشة" أن تقضى حاجتها من هول ما سمعته، فعادت الى بيتها، تقول السيدة عائشة "فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي" ودخل عليها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وسلم عليها ثم قال "كَيْفَ تِيكُمْ"
فقالت له السيدة عائشة:
- أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ؟
كانت السيدة عائشة تريد أن تتأكد من الكلام الذي قالته "أُمُّ مِسْطَحٍ" وفي نفس الوقت تريد أن يتمسك بها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنها –رضى الله عنها- فوجئت بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لها:
- لا عليك
يعنى "ما فيش مشكلة" 
ذهبت السيدة "عائشة" الى بين أبيها "أبو بكر الصديق" وقالت لأمها:
- يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ؟
فقالت لها أمها "أم رومان:
- يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا
تأكدت السيدة "عائشة" من المعلومة، فأغشى عليها، فلما أفاقت ظلت طوال الليل تبكي وزاد عليها المرض 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستشير في طلاق "عائشة" ويستجوب الخادمة
كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كرب ربما أكثر من السيدة عائشة، لأنه يطعن في شرفه، وهذا –كما ذكرنا- أقصى شيء على أي رجل، فما بالك برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو رجل غيور، وهو يتهم في أحب زوجاته اليه 
وفكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلاق السيدة "عائشة" واستشار في ذلك "أسامة بن زيد" و"على بن ابي طالب" لأنهما من أهل بيته، وهذا أمر عائلي
فقال أسامة بن زيد:
- يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا
ثم قال على:
- يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ
اذن كان رأي "أسامة" عدم تطليق السيدة "عائشة" لأنها مظلومة، ولا نعلم عنها الا خيرًا
أما رأي "على" فهو تطليق السيدة "عائشة" ليس لأنها قد وقعت في هذا الأمر، ولكن لإنهاء هذه المشكلة المعلقة منذ شهر، والمدينة تتعرض لخطر الأحزاب
ثم كأن "على" تراجع عن هذا الإقتراح، وأشار على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن يستجوب الخادمة التى في البيت مع "عائشة" فان كان هناك أي شيء فلابد أن تعلمه هذه الجارية، فقال
- وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ
فدعا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخادمة، وكان اسمها "بريرة" فقال لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
- أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ ؟
فقالت:
- لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، وَاللَّهِ لَعَائِشَةُ أَطْيَبُ مِنَ الذَّهَبِ 

يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول يخطب في الناس ووقوع مشكلة بين الأوس والخزرج
قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
- يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي
ومعنى "من يعذرني مِنْ رَجُلٍ" يعنى من ينصرني على هذا الرجل وهو "عبد الله بن ابي بن سلول" الذي كان سببًا في هذه الفتنة
وقد قلنا من قبل أن مشكلة "عبد الله بن أبي" أن له مكانة كبيرة في المدينة، وخاصة عند قومه من الخزرج
فقام سعد بن معاذ سيد الأوس وقال:
- يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ
فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -سَيِّدُ الْخَزْرَجِ- فقال لِسَعْدٍ:
- كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ
فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ -ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ-  فَقَالَ:
- كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ

فقام الأوس والخزرج، وسل "سعد بن معاذ" سيفه، وكاد أن يقع قتال بين الأوس والخزرج، كادت أن تقع حرب أهلية بين الأوس والخزرج، وهو ما كان يريده ويسعي اليه اليهود والمنافقون، ودائمًا هذا هو هدف أعداء الأمة 
كل ذلك والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على المنبر، وأخذ يهديء الناس حتى هدئوا وسكتوا جميعًا، ونزل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من على المنبر واجمًا حزينًا

يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحدث الى السيدة عائشة
وباتت السيدة "عائشة" ليلة ثانية تبكي، ثم دخل عليها والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجلس اليها، وكانت هذه هي أول مرة يجلس اليها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ بدأ الناس حديث الإفك ثم تشهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال:
- يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْه
فلما قال لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك توقفت عن البكاء، وكانت في بكاء لا ينقطع منذ يومين وليلتين ثم قالت لأبيها أبي بكر:
- أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
فقال أبو بكر:
- مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت السيدة عائشة لأمها:
- أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت أم السيدة عائشة:
- مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت السيدة عائشة:
- وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نزول الوحي بتبرئة السيدة "عائشة"
قالت السيدة عائشة هذا الكلام، ثم ما لبث أن نزل الوحي على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان اذا نزل الوحي على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجهد جهدًا شديدًا ويعرق، فلما سري عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتسم في وجه السيدةعائشة، وقال:
- يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ
وقالت "أم رومان" للسيدة عائشة:
- قومي اليه 
فقالت السيدة عائشة:
- والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي 
وأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيد السيدة "عائشة" فانتزعت السيدة "عائشة" يدها فنهرها "أبو بكر" 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سورة النور
نزلت آيات من سورة النور تناولت هذه القضية الهامة، وهي قضية اتهام الناس في شرفهم بالباطل، ووضعت لذلك عقابًا دنيويًا رادعًا وهو الجلد ثمانين جلدة، وطبق هذا العقاب بالفعل في ثلاثة من الذين ثبت بالفعل تناولهم هذا الأمر بكلمات صريحة واضحة لا تأويل فيها وهم:
- مسطح بن أثاثة
- حسان بن ثابت
- حمنة بنت جحش
أما "عبد الله بن أبي بن سلول" فلم يطبق عليه الحد، لأنه –كما ذكرنا- من زكائه الشرير لم يتكلم في هذا الأمر بكلمات صريحة، بل كان يقول مثلًا: أما سمعتم ما قيل عن "عائشة" قيل كذا وكذا، ثم يتحدث عن بشاعة الزنا، وهكذا
ولكن توعده الله تعالى هو أصحابه من المنافقين بالعذاب الشديد يوم القيامة، فقال تعالى ((وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) أي الذي تكبير الأمر وتعظيمه فله يوم القيامة عذاب عظيم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عتاب الله تعالى لأبو بكر
وكان أبو بكر الصديق ينفق على " مسطح بن أثاثة" لأنه كان فقيرًا وكان من قرابته، فلما تحدث عن السيدة عائشة، قطع "أبو بكر" نفقته عن "مسطح" فنزلت آية في سورة النور تعاتب "أبو بكر" عن قطعه نفقته على "مسطح" يقول تعالى:
((وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ: أبو بكر الصديق
وَالسَّعَةِ: السعة في الأموال لأن "أبو بكر" كان تاجرًا غنيًا
أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وهو "مسطح بن أثاثة" لأن "مسطح" كان من قرابة "أبو بكر" وكان فقيرًا، وكان من المهاجرين
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: الجزاء من جنس العمل، تغفر هنا يغفر هناك، تعفو هنا يعفو هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك
وعندما نزلت هذه الآيات، بكي أبو بكر الصديق تأثرًا بعتاب الله تعالى له، وقال "بلى أحب أن يغفر الله لى، بلى أحب أن يغفر الله لي" وأعاد النفقة على مسطح، بل وزادها الى الضعف
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويقول تعالى في سورة النور أيضًا ((إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)) أياك أن تظن أن أي بلاء هو شر، فالله تعالى لا يأتي الا بخير، " بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" سواء تمحيص ذنوب، أو رفع درجات، أو تمييز بين الخبيث والطيب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تجمع القبائل لغزو المدينة
انتهت هذه القضية، والتفت المسلمون فوجدوا أن الدولة الإسلامية تتعرض لأعظم خطر تتعرض له في تاريخها، وهو أن القبائل العربية قد تجمعت لغزو المدينة، وهو ما يعرف بغزوة الأحزاب، أو غزو ة الخندق، وهذا سيكون حديثنا في الفصل القادم

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************