Untitled Document

عدد المشاهدات : 3429

الفصل الواحد والستون بعد المائة: اسلام أبي العاص بن الربيع- أجمل قصة حب في التاريخ

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة  

الجُزْءُ الثاني عشر: الأحداث من "الأحزاب" الى "الحديبية"
الفصل الواحد والستون بعد المائة
*********************************
 اسلام "أبي العاص بن الربيع"
*********************************

*********************************
قصة "أبي العاص بن الربيع" مع السيدة "زينب"
السيدة زينب هي الإبنة الكبري للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد تزوجت السيدة "زينب" في سن مبكرة من ابن خالتها "أبي العاص بن الربيع"
ثم كانت بعثة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلمت السيدة زينب، وكانت –رضى الله عنها- من أوائل من أسلم، ولكن رفض زوجها "أبي العاص بن الربيع" أن يسلم، حتى لا يتحدث قومه أنه ترك دينه ارضاءًا لزوجته (!)
وقد أنجبت السيدة "زينب" ولد وبنت: أنجبت على، وأمامة، ولكن مات "على" وهو طفل صغير، بينما عاشت أمامة، وهي التى كان يحملها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلاة، وتوفيت بعد ذلك في عهد معاوية في سنة 66 هـ
كانت السيدة زينب تحب زوجها "أبي العاص بن الربيع" وكان زوجها يحبها، وكان البيت –كما نقول الآن- بيت سعيد، ولكن تعكر صفو هذا البيت كثيرًا، وتوترت العلاقة بين الزوجين بعد بعثة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واسلام السيدة زينب، بينما أصر "أبو العاص بن الربيع" على أن يظل على الوثنية
وعندما جاء الأمر بالهجرة، بقيت السيدة زينب مع زوجها وابنتها في مكة، حتى كانت غزوة بدر، وخرج زوجها "أبي العاص بن الربيع" مع قريش لمحاربة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهكذا وجدت السيدة زينب نفسها في موقف شديد الدقة لأن زوجها يحارب أبيها
ووقع "أبي العاص بن الربيع" أسيرًا في أيدي المسلمين، فأرسلت السيدة زينب في فداء زوجها قلادة كانت قد أهدتها اليها أمها العظيمة السيدة خديجة، فلما رآها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رق لها رقة شديدة، وقال: 
- إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا
فقالوا: نعم يا رسول الله فأطلقوه دون فداء، ولذلك لقبت السيدة زينب بصاحبة القلادة
ولكن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ على "أبي العاص بن الربيع" عهد أن يرسل اليه ابنته السيدة "زينب" وابنتها "أمامة" عندما يصل الى مكة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اتفق الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع "أبي العاص بن الربيع" أن يوصل "زينب" الى مكان اسمه "بَطْنِ يَأْجَجَ" وهو يبعد عن مكة حوالى 13 كم، وأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "زيد بن حارثة" وصحابي آخر، لينتظرا "زينب" في هذا المكان ، وقال لهما:
- كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ, حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا, حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا
عندما وصل "ابي العاص بن الربيع" الى مكة، وقبل أن تفرح السيدة "زينب" بوصول زوجها ونجاته من الأسر، أخبرها "أبو العاص بن الربيع" بأنه قد عاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن يرسلها الى المدينة هي وابنتها أمامة، ولذلك قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بعد ذلك عن أبي العاص بن الربيع 
- حدثني فصدقني ووعدني فوفي لي
كان الموقف شديد الصعوبة على الزوجين، لدرجة أن "أبو العاص بن الربيع" لم يتحمل أن يرافق زوجته بنفسه الى "بَطْنِ يَأْجَجَ"، فأرسل أخوه "عمرو بن الربيع" ليصحب السيدة زينب الى "بَطْنِ يَأْجَجَ"  
وكان عمر السيدة "زينب" في ذلك الوقت 25 عامًا وكانت حاملًا

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن علمت قريش بخروج "زينب" فخرج نفر من قريش ليعترضوا طريقها ويمنعوها من الخروج من مكة، مع ان بقية بنات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما أردن الهجرة لم يعترضهن أحد، ولكن توقيت خروج السيدة زينب كان بعد بدر بشهر واحد تقريبًا، والنفوس في قريش كانت مشتعلة
كانت السيدة "زينب" في داخل هودج على بعير، والهودج هو المحمل الذي يوضع على ظهر الجمل لتركب فيه النساء، وحاول "عمرو بن الربيع" أن يدفع قريش عن بعير السيدة زينب، ولكنه لم يقدر عليهم، وكان من قريش رجل أسمه "هَبّار بن الأسود" وكان "هبّار" هذا من أشد قريش عداوة للإسلام، وكان أخويه، وابن أخيه قد قتلا في بدر، فأخذ "هَبّار" يضرب البعير الذي عليه السيدة زينب برمحه، حتى سقط الهودج الذي فيه السيدة زينب، وسقطت السيدة زينب على الأرض سقطة شديدة، وكانت –رضى الله عنها- حاملًا فسقط جنينها، وسالت منها الدماء 
تأثرت السيدة زينب بهذه السقطة صحيًا تأثرًا كبيرًا، وظلت تعاني بسببها سنوات طويلة، حتى يقال أنها ماتت بعد هذا الموقف بحوالى سبعة أعوام تأثرًا بهذه السقطة
عندما سقطت السيدة زينب، نثر "عمرو بن الربيع" كنانته، وقال 
- والله لا يدنو رجل منها إلا وضعت سمها في نحره
وكان "عمرو بن الربيع" معروفًا في قريش بمهارته في رمي السهام
ثم جاء "أبو سفيان بن حرب" سيد قريش، وتحدث الى "عمرو بن ربيع" وقال:
- إنك لم تصب فيما صنعت فلقد خرجت بزينب علانية على رؤوس الناس، وقد عرفت العرب جميعها أمر نكبتنا في "بدر" وما أصابنا على يدي أبيها محمد، فإذا خرجت بابنته علانية – كما فعلت – رمتنا القبائل بالجبن ووصفتنا بالهوان والذل، فارجع بها، واستبقها في بيت زوجها أياما حتى إذا تحدث الناس بأننا رددناها فسلها من بين أظهرنا سرا، وألحقها بأبيها، فما لنا بحبسها عنه حاجة
رضى "عمرو بن الربيع" بذلك، وعاد الى مكة، وظلت السيدة زينب في بيت "هند بنت عتبة" لأن زوجها "أبو العاص بن الربيع" كان من بنى أمية، وكانت "هند بنت عتبة" لا تكف على أن تقول لها: هذا بسبب أبيك !
بعد عدة أيام خرج "عمرو بن الربيع" ليلًا بالسيدة زينب حتى أوصلها الى "زيد بن حارثة" والصحابي الآخر حتى قدمت الى مكة، واستقبلها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخواتها: السيدة أم كلثوم وفاطمة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كان ذلك في السنة الثانية من الهجرة، ونحن الآن في السنة السادسة، وقلنا أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل "زيد بن حارثة" الى "العيص" لاعتراض عيرًا لقريش واستطاعت سرية "زيد بن حارثة" أن تستولى على القافلة بالكامل وأسروا بعض رجالها، بينما أفلت قائد العير، وهو "أبو العاص بن الربيع"
لم يعد "أبو العاص بن الربيع" الى مكة، وانما قام بتصرف عجيب: حيث توجه الى المدينة، وتسلل اليها ليلًا متخفيًا حتى وصل الى بيت زوجته السيدة "زينب" قبيل صلاة الفجر
كان الهدف المعلن –كما يقولون- من ذلك هو محاولة استرداد القافلة التى استولى عليها المسلمون، ولكن كان الهدف الحقيقي هو رغبته في الدخول في الإسلام وأن يري زوجته، وأن يري ابنته "أمامة" وقد مرت حوالى اربعة سنوات لم ير فيها زوجته وابنته

سرية "زيد بن حارثة" الى "العيص"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
طلع الصبح وخرج الناس لصلاة الفجر، وما ان دخل المسلمون في الصلاة حتى صاحت زينب بنت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأعلى صوتها وقالت:
- أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ 
انصرف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صلاته، ثم أقبل على الناس وقال:
- أَيُّهَا النَّاسُ ، هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ ؟ 
قالوا: نعم. قال: 
- أمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ مَا سَمِعْتُمْ، إِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ 
ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى زَيْنَبَ، فسألت السيدة "زينب" الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرد المسلمون العير الى "أبي العاص بن الربيع" فلم يرد عليها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن هذه العير ليست ملكًا له، ولكن ملكًا لأصحاب السرية الذين استولوا على العير، ثم قال لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يتركها
- أَيْ بُنَيَّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ، وَلا يَقْرَبَنَّكِ فَإِنَّكِ لا تَحِلِّينَ لَهُ وَلا يَحِلُّ لَكِ
ثم تحدث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى أصحاب السرية وقال لهم:
- إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا تَرُدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَهُ عَلَيْكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ 
فقَالُوا جميعًا: 
- يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ
وقام أصحاب السرية فردوها جميعًا، حتى كان أحدهم يرد الحبل والقربة المقطوعة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
واحْتُمِلَ "العاص بن ابي ربيعة" كل ذلك وعاد إِلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: 
- يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخَذْهُ ؟ 
قالوا:
- لا ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا .
قال لهم:
- فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنَ الإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخَوَّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَكْلَ أَمْوَالِكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخَذْهُ ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم ترك "العاص بن ابي ربيعة" مكة وهاجر الى المدينة ورد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "العاص بن ابي ربيعة" الى زينب بزواج جديد، و عاشا معًا سنة كاملة، ثم ماتت السيدة "زينب" بعد ذلك بعام واحد في السنة السابعة من الهجرة، وبكاها زوجها بكاءًا مرًا، حتي كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهون عليه
 وتصبح قصة الحب بين "العاص بن ابي ربيعة" والسيدة "زينب" من أروع قصص الحب في التاريخ

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************