Untitled Document

عدد المشاهدات : 5163

الفصل الرابع والعشرون بعد المائتين: فتح مكة- الجزء الخامس- دخول مكة

 أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الجزء الثامن عشر: فتح مكة
الفصل الرابع والعشرون بعد المائتين
*********************************
فتح مكة- الجزء الخامس
دخول مكة
*********************************

********************************
الإجراءات التى اتخذها الرسول في سبيل أن يصل بقريش الى الإستسلام

 نستكمل حديثناعن فتح مكة، وقلنا أن هدف الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان هو دخول مكة بلا قتال، أي أن تستسلم قريش، وكان هذا أمرًا صعبًا لأن قريش من أقوي قبائل الجزيرة، ولأن العربي يأنف الإستسلام، ولذلك لجأ الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سبيل تحقيق ذلك الى عدة اجراءات وهي:

- السرية الشديدة في خروج الجيش حتى يباغت قريش ولا تجد الوقت للإستعداد للقتال، أو لتجميع حلفائها
- أمره الجيش عندما اقترب من مكة بأن يوقد كل فرد نارًا وبذلك يلقي الرهبة في قلوب قريش
- اعلان الرسول على لسان "أبو سفيان" أن من يلزم بيته فهو آمن، وكان هذا أكبر تحفيز لقريش على ترك المقاومة، لأن المقاومة تشتد اذا كان الناس لا يعلمون مصيرهم
- قيام الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باستعراض قوة الجيش أمام "أبو سفيان" فانطلق "أبو سفيان" يحذر قريش من جيش المسلمين

خريطة فتح مكة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
خطة المعركة وتقسيم الجيش

 وكان الإجراء الأخير في سبيل الوصول الى أن تستسلم قريش، هو خطة المعركة نفسها

فقد قرر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا يتم تقسيم الجيش كما هي العادة في ذلك الوقت الى ميمنة وميسرة ومقدمة وقلب ثم الساقة في الخلف، وانما قرر دخول مكة بأربعة جيوش أو أربعة كتائب تدخل مكة من اربعة جهات في نفس الوقت، وذلك حتى يستفيد من التفوق العددي الكبير لجيش المسلمين, وكانت هذه الخطة على بساطتها ضربةٌ قاضيةٌ لجيش قريش، حيث عجزت عن التجمع، وضاعت منها أي فرصة للمقاومة
فجعل على رأس أول كتيبة "خالد بن الوليد" تدخل من أسفل مكة، والثاني "الزبير بن العوام" يدخل من أعلى مكة، والثالث"أبو عبيد بن الجراح" يدخل من جهة أخري من أعلى مكة ، والرابع "سعد بن عبادة" زعيم الخزرج يدخل من غرب مكة، بينما ترك الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهة الشرق لتجنب الإحتكاك بقبيلة "هوازن" القوية على بعد عشرون كيلو متر فقط من مكة
وجعل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رأس ثلاثة كتائب ثلاثة من أهل مكة، وذلك تأليفًا لأهل مكة، ولا يشعرون أنه غزو خارجي، وانما قادة الجيش من أهل مكة أنفسهم، وجعل على كتيبة واحدة واحد من الأنصار حتى ينفي عن الجيش صفة العنصرية

تقسيم الجيش الى أربعة كتائب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عزل "سعد بن عبادة" عن قيادة أحد الكتائب وتعيين ابنه مكانه
وسمع بعض الصحابة "سعد بن عبادة" وهو يقول:
- الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ
وكان الصحابة قد فهموا رغبة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دخول مكة بلا قتال، فذهب "عثمان بن عفان و"عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ" الى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونقلوا له ما قال "سعد بن عبادة" وقالوا له:
- يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَاللَّهِ لا نَأْمَنُ سَعْدًا أَنْ تَكُونَ مِنْهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ
ومعنى صولة: يفعل ما يشاء دون رادع، كما نقول: فلان له صولات وجولات
فأمر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعزل "سعد" عن قيادة هذه الكتيبة من الجيش، وجعل مكانه ابنه "قيس بن سعد بن عبادة" وبذلك ضمن ألا يثير حفيظة "سعد بن عبادة" ولا حفيظة الأنصار

قال "سعد بن عبادة" الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نجاح خطة الرسول ودخول مكة بلا مقاومة
ونجحت خطة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تحطيم مقاومة قريش، واستطاعت كل كتيبة من الجيش الدخول من المكان الذي حدده الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن تصل الى المنطقة التى حددها الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا أي مقاومة






استطاعت كل كتيبة أن تصل الى المنطقة التى حددها الرَسُولُ بلا أي مقاومة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مقاومة محدودة بقيادة "عكرمة بن ابي جهل"
ولكن باستثناء كتيبة "خالد بن الوليد" حيث تجمع بعض رجال قريش بقيادة "عكرمة بن ابي جهل" عند جبل اسمه "الخندمة" وهو أحد الجبال الوعرة في جنوب شرق الحرم، وتصدوا للقوات المتقدمة بالسهام، فأصدر "خالد بن الوليد" أوامره بالإنقضاض عليهم، وما هي الا لحظات حتى تشتت هذه القوي وفرت، وبذلك أكمل الجيش السيطرة على كامل مكة
وكانت حصيلة هذه المعركة الصغيرة هي اصابة اثنى عشر رجلًا من المشركين، وبذلك دخل المسلمون مكة دون قتل رجل واحد من قريش 

جبل الخندمة الآن

أصدر "خالد بن الوليد" أوامره بالإنقضاض على المهاجمين 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ودخل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة وهو على راحلته، ولم يدخلها ممتطياً صهوة جواده كما يفعل القادة الفاتحين، وكان خلفه "أسامة بن زيد" وكان عمره 15 عامًا، وقد استشهد أبوه "زيد بن حارثة" قبل ذلك التاريخ بشهرين اثنين، وحوله المهاجرون والأنصار، وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتلوا سورة الفتح، وأخذوا يطأطأ راسه وهو على راحلته تواضعًا لله تعالى حتى أن شعر لحيته يكاد يمس راحلته

دخل الرسول مكة وهو يتلو سورة الفتح
ثم استقبل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر الأسود، بعصاه حتى يعلم أمته ترك المزاحمة، وطاف بالبيت وأخذ قوسه وأخذ يدفع به الأصنام حول الكعبة، وهو يقول "جَاءَ الْحقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كانَ زَهُوقاً" وكان حول الكعبة 360 صنمًا بعدد أحياء العرب، فكان كل صنم يسقط ويتحطم

عصا الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثم جلس الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ناحية من المسجد، وأرسل بلالًا الى "عثمان بن طحة" وهو الذي يحمل مفتاح الكعبة، ففتح الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكعبة، وأمر بمحو الصور داخل الكعبة، وصلى داخل الكعبة ركعتين

باب الكعبة قديما

دخل الرسول الكعبة وصلى فيها ركعتين
ثم خرج من الكعبة، وقريش واقفة تنتظر مصيرها، فأسند يديه على جانبي الباب وخطب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس وقال:
- لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده
- يا معشر قريش، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خُلق من ترابـ، ثمّ تلا: ((يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)) 
- يا معشر قريش ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل بكم ؟ 
قالوا: 
- أخ كريم وابن أخ كريم رحيم
فقال لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- فاني أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء
 
يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ 
 
فخرجوا فكأنهم نشروا من القبور، وكان أهل مكة أفضل ما يطمحون اليه هو أن يسترقهم المسلمون، وكان من تواضعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن قال "أقول لكم كما قال أخي يوسف" يعنى أنا لا أفعل شيئًا لم يفعله أحد من قبلي، ولكنى متبع في ذلك أخي يوسف، وفي نفس الوقت يقول "أخي يوسف" فيذكر قريش أنه نبي، يقول جعفر الصادق –رحمه الله- "ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية" لأن "لا تثريب" يعنى ليس هناك حتى مجرد العتاب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يزال يحمل مفتاح الكعبة، فطلب "العباس بن عبد المطلب" من الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعطيه مفتاح الكعبة، فيكون له ولأبنائه من بعده ولبنى هاشم شرف "السدانة" يعنى شرف الإحتفاظ بمفتاح الكعبة، والعناية بشئونها من تنظيف وكسوة وغير ذلك، وكان العباس له شرف "السقاية" أي سقاية الحجيج، فأراد أن يجمع العباس بين "السقاية" و"السدانة"  
ولكن الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفض ذلك، فليس هناك في الإسلام ما نطلق عليه الآن "الواسطة" أو "المحسوبية" ودعا "عثمان بن طلحة" ورد اليه مفتاح الكعبة، ليس هذا فحسب بل قال له 
- خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلّا ظالم
وبسبب هذا التوجيه والتحذير النبوي الكريم، لم يجرؤ أي حاكم أو سلطان على أخذ مفتاح الكعبة من"بنى أبي طلحة" الى اليوم
فلما مات "عثمان" انتقلت "السدانة" منه الى أخيه "شيبة" ثم توارثها أبناءه الى اليوم
وأصبح العناية بالكعبة لها هيئة تشرف عليها، ولكن ظل المفتاح في يد "آل شيبة" ولا تفتح الكعبة الا بحضوره



ظل المفتاح في يد "آل شيبة" ولا تفتح الكعبة الا بحضوره

مفتاح الكعبة الآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وأتي الصفا الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فاخذ يدعو الله تعالى ويذكره

أتي الرَسُولُ الصفا فاخذ يدعو الله تعالى ويذكره
وحانت صلاة الظهر، فصعد بلال فوق الكعبة وأذن للصلاة، وصلى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمسلمين، ثم ارسل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مناديًا ينادي:
- من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلّا كسره
 

صعد بلال فوق الكعبة وأذن للصلاة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال "أسامة بن زيد" للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا تنزل دارك ؟
فقال الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
- وهل أبقي عَقِيل لنا دارًا 
و"عَقِيل" هو ابن عمه "أبو طالب" كان قد استولى على دار أبوه "أبو طالب" بعد هجرة الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهجرة أخوه "على بن ابي طالب" وموت أخوه "طالب" في "بدر" وأخوه "جعفر" في "مؤتة" وكان الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له حق في هذه الدار، لأنها كانت ملك جده "عبد المطلب" 
وكان كل من هاجر من المسلمين باع قريبه داره، فلم يأمر الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برد هذه البيوت تأليفًا لقلوب من أسلم منهم، ولأنهم هجروها في الله تعالى، فلا يرجعون فيما تركوه فى الله تعالى  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم ضربت خيمة صغيرة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في "الأبطح" وهو مكان بين مكة و"منى" فنزل فيها وكان معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوجتاه: أم سلمة وميمونة

ضربت خيمة الرسول بين مكة و"منى"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وظل الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مكة تسعة عشر يومًا، توجه بعد ذلك الى "حنين" ثم الطائف" ثم عاد الى المدينة
ما الذي حدث في هذه التسعة عشر يومًا
هذا سيكون حديثنا في الفصل القادمة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************