Untitled Document

عدد المشاهدات : 2453

الفصل الأول: فضل تدبر القُرْآن العَظِيم- تدبر القُرْآن العَظِيم
تدبر القرآن العظيم
الفصل الأولى
 فضل تدبر القرآن العظيم
   
أما بعد،،،
فان سبب نزول القرآن العظيم هو العمل به، ، ولا يمكن العمل به الا بفهمه، ولا يمكن فهمه الا بتدبره وتعلم تفسيره 
 

 ❇        

حث القرآن العظيم على التدبر
ولذلك يقول تعالى في سورة "ص" ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)) كأن الهدف من نزول القرآن هو تدبره ومن ثم العمل به أي العمل بأوامره واجتناب نواهيه 
ومعنى "تدبر الآيات" هو "التأمل في معاني الآيات" 
ولذلك قال بعدها "وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" يعنى أصحاب العقول

  ❇        

يقول تعالي في سورةالنساء ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا))

يقول تعالى في سورة "النساء" ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) 

وهذه الآيات فيها الحث على تدبر القرآن العظيم، والإنكار على من يترك تدبر القرآن العظيم
ولكن قوله تعالى "أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" ليس المقصود منها من يترك تدبرالقرآن، ولكن المقصود من لا يتأثر بالقرآن بعد تدبره

 ❇        

يقول تعالى في سورة الحشر ((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون))
وهذا التأثر بالقرآن العظيم وهذا الخشوع لا يتأتي الا بتدبر القرآن وفهم معانيه

 ❇        

يقول تعالى في سورة الحديد ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) 
كذلك خشوع القلب للقرآن لا يكون الا بتدبره وفهم معانيه

 ❇        

يقول تعالى {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} أي بتمهل، يقول ابن كثير: (حتى يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره)
وأنا أعجب من كل حلقات القرآن في المساجد بعد الفجر أو بعد صلاة العصر، وكل التركيز على تعلم قواعد التجويد، مع أن قواعد التجويد وضعت حتى تساعد في تدبر القرآن وفهم معانيه
يقول الإمام أبي حامد الغزالى سن ترتيل القراءة في الظاهر حتى يتمكن من التدبر بالباطن

 ❇        


تدبر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقرآن
انظر الى تدبر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقرآن العظيم، روي مسلم من حديث "حذيفة" أنه قال "صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، ثم النساء فقرأها، يقرأ مسترسلا –يعنى بدون سرعة- إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ"
تقول السيدة عائشة، قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يصلى من الليل ؟ ـ تقول فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، حتى أذن بلال بالصلاة
عن أبي ذر رضي الله عنه قال:( قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها، والآية [إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ]. 

 ❇        

تدبر الصحابة للقرآن
عن عثمان وابن مسعود وأبي: "كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلم الصحابة عشر آيات، فلا يجاوزها الى عشر أخري حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل"
يقول "على بن ابي طالب" لا خير في قراءة لا تدبر فيها

 ❇        

في غزوة "ذات الرقاع" في السنة السابعة من الهجرة، أثناء عودة جيش المسلمين، نزل الجيش في أحد المنازل للراحة والنوم، وعين الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلين للحراسة، وهما: عباد بن بشر من الأنصار، وعمار بن ياسر من المهاجرين، فقسما الليل بينهما، فكانت نوبة "عباد بن بشر" فقام "عباد بن بشر" يصلى بالليل، ونام الى جواره "عمار بن ياسر" فجاء أحد المشركين من "غطفان" ورماه بسهم فأصاب "عباد" في كتفه، فنزع "عباد بن بشر" السهم وأكمل صلاته، ثم رماه المشرك بسهم آخر فنزعه "عباد" وأكمل صلاته، ثم رماه بسهم ثالث فنزعه "عباد" وتوقف عن القراءة وركع وسجد وسلم ثم أيقظ "عمار بن ياسر" ففر الرجل المشرك عندما رأي "عمار" 
فلما وجد "عمار بن ياسر" السهام الثلاثة والدماء في كل مكان قال لعباد: أفلا أنبأتني عندما رميت؟ فقال له عباد: كنتُ في سورة أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها
وفي رواية ابن إسحاق، قال عباد: "وايم الله، لولا أن أضيِّع ثغرًا أمرني رسول الله بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها"
يعنى لولا خوفه من أن يموت فيضيع ما أمره به الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحراسة، لفضل الموت عن قطع قرائته
فهذا الخشوع الشديد في الصلاة، لا يكون الا بتدبر القرآن العظيم وفهم معانيه
أما السورة التى كان يقرؤها "عباد" فهي سورة "الكهف" فانظر كم مرة قرأت أنت سورة الكهف، وقارن بين قرائتك لها وقراءة "عباد بن بشر" وانفعاله بها وحبه لقرائتها
كان عمر "عباد بن بشر" حين حدث هذا الموقف واحد وأربعين سنة، و"عباد بن بشر" من الأنصار كما ذكرنا، وأحد الذين اشتركوا في بدر، وعاش بعد هذا الموقف، ومات شهيدًا بعد ذلك في معركة اليمامة سنة 11 هـ

 ❇        

يقول "القاسم بن محمد" ابن أخ السيدة عائشة، كنت اذا غدوت بدأت ببيت عائشة أسلم عليها، فغدوت يومًا فاذا هي تصلى الضحى وتقرأ ((فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ)) وترددها وتبكي فانتظرت حتى مللت، فذهبت الى السوق لحاجتى، ثم رجعت فاذا هي قائمة كما هي تردد هذه الآية وتبكي

 ❇        

تدبر السلف للقرآن وأقوالهم في ذلك
كذلك كان كثير من الصحابة والتابعين كانوا يقومون الليل كله بآية واحدة، فيكررها ويتدبرها
قام "ابو حنيفة" بآية واحدة يرددها وهي قوله تعالى ((بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ))
بل بعض السلف كان يقوم أربع أو خمس ليالي في آية واحدة، ويقول "لولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها الى غيرها"
يقول أحد العارفين : لى في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولى ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد
وذلك بحسب درجة التدبر

 ❇        

كان بعض السلف اذا قرأ القرآن يغشى عليه
وكان أحمد بن أبي الحواري - رضي الله عنه – "إذا قُرئَ عنده القرآن يصيح ويصعق ".
بل أن أحدهم فارق الحياة حال القراءة، وهو "زرارة بن أوفي" أحد التابعين، كان يؤمهم في صلاة الصبح، فلما قرأ "فاذا نقر في الناقور" سقط ميتًا  

 ❇        

يقول الحسن البصري - رحمه الله -: " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم, فكانوا يتدبرونها بالليل, وينفذونها بالنهار"

 ❇        

يقول "علي بن الحسين" آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها.
 

 ❇        

ان اقوال السف وقصصهم في تدبر القرآن كثيرة لا حصر لها، نكتفي بهذا القدر
والشاهد هو أن نهتم بتدبر القرآن العظيم، يقول أحد العلماء أن تدبر القرآن فريضة على الأمة
تدبر القرآن هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة، وهو طريق النجاة من عذاب الله يوم القيامة، وهو الطريق الى الجنة 
سنعمل في هذه الحلقات على تدبر القرآن العظيم
نسأل الله تعالى التوفيق