Untitled Document

عدد المشاهدات : 3167

الحلقة التاسعة: تدبر اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
 تدبر القُرْآن العَظِيم

  الحلقة  التاسعة

     ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 تدبر ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ))

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 بداية سورة الفاتحة حمد وثناء على الله سبحانه تعالى

وبعد حمد الله تعالى، والثناء عليه بأسمائه الحسنى، وتمجيده وتعظيمه، والإقرار له بالوحدانية، والتبرؤ من الحول والقوة، نسأل الله تعالى أجل حاجتنا، وهي الهداية الى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيمَ، فنقول "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"
وهكذا السائل، يمدح مسئوله ثم يسأله حاجته 
ولذلك فسورة الفاتحة تعلمنا أدب الدعاء، وهو أن نبدأ الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه، ثم نقدم بعد ذلك حاجتنا
وهذا الدعاء في سورة الفاتحة، والذي يكرره المسلم في اليوم سبعة عشر مرة على الإقل، يدل على أن أهم دعاء في حياة المسلم، وأهم وأجل طلب يطلبه من الله –عز وجل- هو هذا الدعاء وهو "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 الْهِدَايَةِ: الدَّلَالَةُ عَلَى الطَّرِيقِ لِلْوُصُولِ إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ 

"اهْدِنَا": دُلَّنَا وأرشدنا ووفقنا
والصراط: الطريق 
وَالْمُسْتَقِيمُ: الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا تَعَارِيجَ 
في الهندسة يقولون: أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم
مثال: لو كنت في مجموعة تستقل سيارة وذاهبون الى مكان ما، وسلك السائق طريق ملتف غير الطريق المستقيم، فسيثور عليه الراكبون، ويقولون "أنت لففتنا" وهذا يدل على أن الطريق المستقيم هو الذي يناسب الفطرة، وهو الطريق المريح للناس، أما الطريق المعوج فهو لا يناسب الفطرة، وهو الطريق المتعب للناس، كما قال تعالى في سورة طه ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)) يعنى حياة فيها مشقة
اذن "الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه
وهناك قراءة "السراط" بالسين، وقراءة "الزراط" بالزاي، وقارءة بين الزاي والصاد، وكل هذه لهجات لبعض قبائل العرب، تسهيلًا لقراءة القرآن لهم، فالله –سبحانه وتعالى- من تألفه لقلوب العرب، واقامته الحجة عليهم، لم ينزل القرآن بلغتهم فقط، ولكن أنزله بلهجاتهم أيضًا، ولذلك قال تعالى ((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر))
اذن "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" يعنى دُلَّنَا وأرشدنا ووفقنا الى طريقك الواضح المستقيم الموصل الى جنابك، والموصل الى رضاك، والموصل الي جنتك
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وتحدث الكثير من المفسرون عن "الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" فقال البعض أنه "الإسلام" وقال البعض أنه "كتاب الله"، وقال البعض أنه ما كان عليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخيار صحابته، والمعنى واحد

عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَتَكُونُ فِتَنٌ. قُلْتُ: وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا ؟ قَالَ: كِتَـابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْــــــــلُ وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ . 
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي تَرَكَنَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 رَوَي أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تُعَوِّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، قَالَ: وَيْحَكَ، لَا تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ. فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ . 

 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 قد يقول قائل حين يقول الداعي "اهْدِنَا" فهل هذا يعنى أنه ليس على الهدي ؟ نقول أن معناه استدامة الهدي وزيادة الهداية

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ((وقوله تعالى ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ((
 

   ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) هو مُفَسِّرٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وهو ما يطلق عليه النُّحَاةِ "عَطْفَ بَيَانٍ" 

و"الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" هم: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وذلك لقول الله تعالى في سورة النساء ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا(( 
يقول ابْنِ عَبَّاسٍ : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِكَ، لقول الله تعالى في سورة النساء)) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ((
والمعنى واحد فالَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ بطاعته هم: الرسل والأنبياء وَالصِّدِّيقِينَ، وصحابة رسول الله، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، والشهداء، والتابعين، والأولياء، والعلماء العاملون 

    ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

ذكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه من حديث اسلام "عدي بن حاتم" أن "الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" هم اليهود و"الضَّالِّينَ" هم النصاري 
لأن اليهود عندهم علم بلا عمل، واستخفوا بدين الله، فغضب الله عليهم، والنصاري عنهم عمل بلا علم فضلوا
ولكن الآية وان كانت قد نزلت في اليهود والنصاري الا انها ليست خاصة بهم وحدهم، ولكن كل من كان عنده علم بلا عمل يغضب الله عليه، وكل من عنده عمل بلا علم يضل عن طريق الحق، سواء من الأمم السابقة، أو الإمة الإسلامية
ولكن الله تعالى ضرب مثلًا للفريق الأول باليهود، وضرب مثلًا للفريق الثاني بالنصاري
فلو كان هناك مسلم يعلم أن الكذب حرام ويكذب يغضب الله عليه، أو مسلم يعلم أن الصلاة فرض عليه في اليوم والليلة خمسة صلوات ثم يترك الصلاة متعمدًا يغضب الله عليه، ومسلمة تعلم أن الحجاب فرض ولا ترتديه يغضب الله عليها، وهكذا
هناك مسلم آخر يتقرب الى الله بالتمايل والتراقص  فيما يطلق عليه حلقات ذكر، فهذا من الضالين، لأن هذا عمل بغير علم، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفعل هذا ولا صحابته الكرام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 مسألة هامة: نعلم أن الصراط هو أحد مراحل وأحد أهوال يوم القيامة، وهو جسر ممدود على نار جهنم، وهو أحدّ من السيف وأدق من الشعر، وأسفل منه نار جهنم وهي سوداء مظلمة، وعلى حافتيه خطاطيف وكلاليب تخطف من أمِرت به فيقع في النار

وهذا الصراط يوصل الى الجنة، فلابد لكل الناس أن تمر به، فمن الناس من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطير، ومنهم من يمر زحفا، ومنهم من تخطفه الكلاليب فيقع في النار 
المهم بقدر ثباتك على الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ في الدنيا يكون ثباتك على صراط يوم القيامة، فاذا انحرفت عن الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ في الدنيا، تزل قدمك عن صراط يوم القيامة وتسقط في النار والعياذ بالله
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وأخيرًا "آمين" ليست من القرآن، ولكن يستحب لمن قرأ فاتحة الكتاب أن يقول "آمين"

ومعنى "أمين" : اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ أو رَبِّ افْعَلْ 
ومَنْ أَمَّنَ عَلَى دُعَاءٍ فَكَأَنَّمَا قَالَهُ 
ولذلك في سورةة "يونس" لما دعا موسى –عليه السلام- على فرعون وقال وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ 
قال تعالى ((قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا)) مع أن موسى هو الذي كان يدعو، لأن هارون –عليه السلام- كان يقول "آمين" فدل على أن مَنْ أَمَّنَ عَلَى دُعَاءٍ فَكَأَنَّمَا قَالَهُ