Untitled Document

عدد المشاهدات : 1854

الحلقة (29) من "تدبر القرآن العظيم" تدبر الآيتين (28) و(29) سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعً

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة التاسعة والعشرون
❇        
تدبر الآية (28) و(29) من سورة البقرة
❇        
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
❇        
 
كيف لفظ للإستفهام عن الحال، كما قول: كيف حالك ؟ أو كما تقول: كيف زيد ؟ فيقال: مسرور، حزين، مريض
ولكن كيف هنا: تعجب وَتَوْبِيخٌ، كما تقول: كيف تذهب الى هذا المكان ؟ أو: كيف تفعل هذا ؟ كيف تقول هذا الكلام ؟ 
يقول تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) يعنى كيف تنكرون وجود الله تعالى،وقد (كُنْتُمْ أَمْوَاتًا) يعنى مَعْدُومِينَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا (فَأَحْيَاكُمْ) أَيْ خَلَقَكُمْ (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يعنى يوم القيامة
فالآية ذكر فيها الله تعالى قصة الحياة كلها
❇        
وهنا ذكر الله تعالى للدلالة على وجوده وعلى قدرته، قضايا لا يجادل فيها أحد، فقال (كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ) فقضية الخلق من العدم قضية لا يستطيع أحد أن يجادل فيها، فلا أحد يستطيع أن يدعي انه خلق نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدعي انه خلق غيره
(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) كذلك لا أحد يستطيع أن يجادل في قضية الموت، وهناك عبارة شهيرة تقول "الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة" يعنى: الموت الحقيقة الوحيدة التي لا ينكرها او يختلف عليها الانسان
(كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ)
❇        
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وهذا فيها وعد ووعيد في نفس الوقت
ففيها وعد وتطمين لمن آمن
وفيها وعيد وتخويف لمن كفر وعصى
ولذلك أحيانًا يقول تعالى في القرآن (تَرْجِعًون) وأحيانًا يقول تعالى (تُرْجَعُونَ)
(تَرْجِعًون) فيها اختيار الرجوع، وذلك للمؤمن
و(تُرْجَعُونَ) فيها عنف الأخذ، وذلك للكافر
❇        
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)
كل شيء في الأرض مسخرٌ لخدمة الإنسان، سواء كان مؤمن أو كافر
فالحيوان مسخر لخدمة الإنسان، والنبات مسخر لخدمة الإنسان والحيوان، والجماد مسخر لخدمة النبات والحيوان والإنسان
اذن فالكل مسخر لخدمة الإنسان
حتى الحشرات مسخرة لخدمة الإنسان، حتى قال العلماء أن الحشرات لو اختفت من على وجه الإرض، لانتهت الحياة البشرية من على الأرض في خلال خمسون عامًا
حتى البعوضة التى تحدثنا عنها في حلقة سابقة وقلنا أنها تقتل من البشر أكثر من مليون كل عام، ضرورية لإحداث التوازن البيئي، ولو اختفت ستكون هناك مشكلة
❇        
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ)
كلمة "اسْتَوَى"يعنى بعدما خلق الأرض قصد الى تسوية السماء
"فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ" يعنى أتم خلقهم سَبْعَ سَمَوَاتٍ، قوية متينة، غير متناثرة
لأن كلمة (اسْتَوَى) و(سَوَّاهُنَّ) تدل على الكمال
كما قال تعالى:  في سورة "القصص" (ولما بلغ أشده واستوى) يعنى كمل، كما نقول أن الفاكهة استوت، يعنى كملت ويمكن أكلها 
❇        
لكن (ثُمَّ) تفيد الترتيب والتعقيب، يعنى خلق السماء كان بعد خلق الأرض
نقول أن الآية لا تقول أن خلق السماء كان بعد خلق الأرض، ولكن الآية تقول أن تسوية السماء سَبْعَ سَمَوَاتٍ، أي تمييز السماء وتصنيفها الى سبع سماوات هو الذي حدث بعد خلق الأرض
والحقيقة أنه لم تأت اشارة واضحة في القرآن الى خلق الأرض قبل السماء، أو خلق السماء قبل الأرض 
لأن الأرض خلقت في نفس وقت خلق السماء، لأن الكون كله كان نقطة واحدة، ثم حدث الإنفجار الكبير فتكونت الأرض والسماء في نفس الوقت، ولكن تميز السماء وتصنيفها الى سبعة سماوات هو الذي حدث بعد خلق الأرض، كما ذكر الله تعالى في هذه الآية
❇        
وجعل الله تعالى عدد السماوات سبع سماوات، أمر يستدعي الوقوف، لأن الله تعالى جعل عدد طبقات كل ذرة من ذرات الكون سبعًا، ثم خلق السماوات سبعًا، وأخبرنا بذلك، ليعطينا اشارة الى أن مصمم الكون وخالقه واحد
عدد طبقات كل ذرة من ذرات الكون سبعًا
❇        
ليس هذا فحسب بل من اللطائف العددية في القرآن: أن ذكر الله تعالى أن السماوات هي سبع سماوات تكرر في القرآن العظيم سبع مرات
1ـ (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 29] 
2ـ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) [الإسراء: 44].
3ـ (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [المؤمنون : 86] .
4ـ (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : 12] .
5ـ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق : 12] .
6ـ (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [الملك : 3] .
7ـ (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً) [نوح : 15] .
اذن هناك توافق بين عدد السموات السبع وبين عدد مرات ذكرها في القرآن
❇        
خلق الله تعالى للسماوات السبع، أمر لم ولن يستطع الإنسان أن يدركه 
لأن كل الكون الذي حولنا هو السماء الدنيا، وأقصى ما استطاع علماء الفلك أن يروه هو جزء صغير جدًا من السماء الدنيا، لا يزيد قطره عن 24 ألف مليون سنة ضوئية
وهذا الكون في حالة اتساع مستمر، وهذا الإتساع في بعض أجزائه بسرعة الضوء
ولذلك هناك استحالة أن يصل الإنسان الى حدود السماء الدنيا 
فاذا كان الإنسان لن يستطيع أن يصل الى حدود السماء الدنيا، فكيف يصل الى ادراك السبع سماوات
اذن خلق الله تعالى للسماوات السبع، أمر لم ولن يستطع الإنسان أن يدركه، ولكنه أمر اخبرنا الله تعالى به، فنحن نؤمن به، ولذلك قال الله تعالى بعدها (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) 
أقصى ما استطاع علماء الفلك أن يروه هو جزء صغير من السماء الدنيا
❇        
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) اخبار من الله تعالى بصفة من صفات الله تعالى، وهي صفة العلم، والله تعالى يخبر أن صفة العلم بالنسبة له، ليست كصفة العلم عند البشر، فيقول أن صفة العلم بالنسبة لله تعنى أنه تعالى محيط بكل ما في الأرض وما في السماوات احاطة كاملة، ومحيط تعالى بكل ذرة في الأرض وفي السماء