Untitled Document

عدد المشاهدات : 2056

الحَلَقَة (31) مِن "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات (31) و(32) و(33) من سورة البقرة : وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَا

   تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الحادية والثلاثون
❇        
تدبر الآيات (31) و(32) و(33) من سورة البقرة
❇        
 (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33)))
❇        
تحدثنا في اللقاء السابق عن قول الله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أي أن الله تعالى أخبرالملائكة أنه سيجعل في الأرض (خليفة) أي خلقًا يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فقال الملائكة على سبيل الإستفهام (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) يعنى اذا كان الهدف من خلقهم العبادة، فنحن نعبدك ونسبح بحمدك (وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي ونصلى لك، فقال لهم الله تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يعنى هناك حكمة في خلق هؤلاء على تلك الحالة أنتم لا تعلمونها
 

❇        
أراد الله تعالى بعد ذلك أن يدلل على كلامه، وهي قول الله تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فما الذي حدث ؟
قال تعالى (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) 
وكلمة "آدم" مشتقة من أديم الأرض، وهو وجه الأرض لأنه خلق منها
كأن اسم "آدم" ونحن اسمنا "بنى آدم" حتى نتذكر أننا خلقنا من هذه الأرض التى ندوس عليها بأقدامنا فلا نتكبر، وأننا سنعود اليها يومًا فلا نغفل
ومن اللطائف أن كنية آدم في الأرض أبو البشر، وكنيته في الجنة "أبو محمد"
فكأن آدم كنى بأفضل أبنائه وهو محمد –صلى الله عليه وسلم-
❇        
(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)
والأسماء التى علمها الله تعالى لآدم هي أسماء الأشياء التى في الأرض، مثل: شجرة، عصفور، سحابة، جبل وهكذا
وكلمة (كُلَّهَا) تدل على أنه تعالى علم آدم كل الأسماء الموجودة في ذلك الوقت
ليس هذا فحسب ولكن علمه منافعها، هذا يصلح لكذا وهذا يصلح لكذا
فالله تعالى لم يخلق آدم وتركه في الدنيا هكذا، ولكن علمه كيف يتعامل مع المحيط الذي حوله
وذلك كالطفل يحتاج من الأبوين التعليم أولًا، ثم يكتسب خبرات بنفسه، ولكن لابد من التعليم من الأبوين أولًا، فهم لن يتركوه مثلًا يحرق بالنار حتى يتعلم أنها تحرق، ولن يتركوه يسقط من مكان مرتفع ليعلم أن هذا سيؤذيه
 

❇        
والله تعالى علم آدم اما عن طريق الحديث اليه، كما تحدث تعالى الى موسى، أو عن طريق جبريل أو عن طريق الإلهام، يعنى يقذفها في نفسه
❇        
وتعليم الله تعالى الأسماء لآدم أمر يؤيده المنطق، لأن كل واحد فينا تعلم الكلام من أبويه، والأبوين تعلما من أبويهما، وهؤلاء تعلما من أبويهما وهكذا حتى أول انسان على وجه الأرض، فمن علم أول انسان سوى الله 
❇        
و منذ قرون وهناك بحوث عن أصل اللغات، وانتهي العلماء الى أن أصل اللغة واحد، أي لغة واحدة ونشأت منها اللغات الكثيرة الموجودة في العالم الآن، والتى تصل الى أكثر من 7000 لغة حسب احصائيات اليونسكو، وهذا بغض النظر عن اللهجات في اللغة الواحدة
ولكن كيف كانت لغة واحدة وتفرعت منها كل هذا الكم من اللغات ؟ نقول ليس هذا شيئًا غريبًا بدليل أن اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية كلها متفرعة من لغة واحدة وهي اللغة اللاتينية
اذن هي كانت لغة واحدة، وتفرعت منها لغتين، واللغتين الى أربعة، وهكذا حتى وصلنا الى هذا العدد الكبير جدًا من اللغات
وقرر كثير من علماء الغرب الغير مسلمين أن اللغة التى نشأت منها كل اللغات هي اللغة العربية
اذن الله تعالى علم آدم لغة واحدة، وهي اللغة العربية، وعلمها آدم لأبنائه، ونشأت من هذه اللغة الواحدة كل اللغات الموجودة في العالم كله
❇        
(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ) أي عرض على الملائكة الأشياء، كما نقول نحن "عرض الشيء للبيع" أي استحضر مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ 
 (فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يعنى أخبروني بأسماء هذه الأشياء ان كنتم صادقين في قولكم أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء
فكان جواب الملائكة  (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
يعنى نحن لا نعلم أسماء هذه الأشياء
لأن وضع اسم للشيء معناه الرمز لهذا الشيء بصوت يصدر، والملائكة لا تعرف هذا الأمر لأنها ليست في حاجة اليه
ثم قال تعالى (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)
هكذا بين الله تعالى للملائكة أن هذا المخلوق الجديد يفضل الملائكة بالعلم، وهو أمر ضروري للمهمة التى اختارها له كخليفة، وهي مهمة اعمار الأرض 
فلو كانت الملائكة هى التى ستسكن الأرض، لظلت الأرض لملايين السنين كما هي لا تتغير 
❇        
قول الملائكة (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
فهم بدؤا حديثهم بالثناء وختموه بالثناء 
والثناء مختصر لا تطويل فيه لأنهم في حضرة الملك 
والثناء يناسب الموقف
فهم قالوا أولًا (سُبْحَانَكَ) تنزيهًا لله تعالى أن يعلم الغيب أحد الا هو
ثم قالوا أخيرًا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) و "الْعَلِيمُ" مبالغة في العلم، و"الْحَكِيمُ" هو الذي يضع كل شيء في موضعه
يعنى أنت يارب عليم وحكيم حين اخترت "آدم" ليكون خليفة في الأرض وليس الملائكة أو أي مخلوق آخر
حتى لا يكون ده منهم اعتراض منهم لماذا علمت آدم ولم تعلمنا
ثم قولهم (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) فهم يقرون بأن علمهم قليل، وهذا العلم القليل هو من عند الله تعالى 
❇        
ولذلك فان من يسأل عن شيء لا يعلمه، ويقول: لا أعلم، أو الله أعلم فهو يقتدي بالملائكة
الرسول –صلى الله عليه وسلم- نفسه قال لا أعلم، روي في الصحيح عن ابن عمر  أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي البقاع شر ؟ قال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فسأل جبريل، فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، فجاء فقال: خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق . 
وأبو بكر حين سأل عن ميراث الجدة قال: ارجعي حتى أسأل الناس
و مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري 
❇        
وضع أسماء للأشياء، يعنى الرمز للأشياء بأصوات يصدرها الإنسان، وهذا سر الهي عظيم أودعه الله في هذا الكائن البشري، وقيمة كبري في حياة الإنسان على الأرض
ولو تصورنا أن الإنسان لم يوهب هذه القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات، لاحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين أن يستحضر كل شيء أمامه ليدل عليه، فاذا أراد أن يقول قطة مثلًا فلابد أن يأتي بقطة، واذا أراد أن يقول نخلة سيذهب الى نخلة، واذا أراد أن يقول جبل يذهب الى الجبل، وهي مشقة هائلة لا تتصور معها حياة
وقول الله تعالى (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ) الى آخر الآيات، تشير الى أن تعليم الأسماء أمر خاص بأدم فقط، ومعنى هذا أن الجنس البشري أو الأجناس البشرية التى قال علماء الحفريات أن كانت موجودة قبل خلق آدم، وهو انسان نيندرتال Neanderthal  لم يكن يعرف أسماء الأشياء
وهذا يفسر لنا اللغز الذي حير العلماء، وهو لماذا عاش هذا الإنسان حياة بدائية بالرغم من أنهم كانوا في نفس ذكاء الإنسان الحديث، بل كان أكثر منه ذكاءًا كما ذهب بعض العلماء ؟ وبالرغم من أنه عاش مليون ونصف مليون سنة ؟
فاذا كان الإنسان الحديث عمره على الأرض فقط ستون ألف سنة، وحقق كل هذا التقدم العلمي، فالمفروض أن يكون انسان نيندرتال قد حقق تقدمًا مثل أو أكثر من الأنسان الحديث لو قدر لهذا الإنسان الحديث الحياة مليون ونصف مليون عام
ولكن انسان نيندرتال Neanderthal   عاش حياة متخلفة، ولم يحقق أي حضارة، ولم يترك أي آثار، والسبب أن انسان نيندرتال لم يتعلم أسماء الأشياء، وبالتالى لم يكن عنده قدرة على نقل خبرته عبر الأجيال، فكان ذلك سببًا في تأخره، وظل في تخلفه لآلاف السنين حتى انقرض تمامًا
عاش انسان نيندرتال حياة متخلفة
*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

*********************************