Untitled Document

عدد المشاهدات : 2481

الحَلَقَة (41) مِن "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (47) من سورة البقرة (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الحادية والأربعون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تدبر الآية (47) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لا يزال الله تعالى في حديثه الى بنى اسرائيل، فيقول تعالى في الآية (47) من سورة البقرة (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)
وفي الآية (40) قال تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)
وظاهر الأمر أن هناك تكرار، ولكن الحقيقة ليس هناك تكرار، لأن الآية الأولى جائت في معرض الحديث عن الإيمان بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والآيات السبعة التالية تحدثت عن الإيمان بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فكان المقصود بقوله تعالى في الآية الأولى، وهي الآية (40) (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بذكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفته في كتبكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا تتورطوا في الكفر به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأن جعلت في كتبكم مقدمة تحميكم من أن تتورطوا في الكفر بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولذلك جائت الآيات السبع التالية تتحدث عن الإيمان بالرسول  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

أما في هذه الآية: الآية 47 من سورة البقرة، فيقول تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) المقصود هنا النعم التى أنعم الله تعالى بها على بنى اسرائيل، وفضلهم بها على العالمين، وهي ان الله تعالى أنه تعالى اصطفي منهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وأنقذهم من عبودية فرعون وقومه، ثم مكن لهم في الأرض، وفجر لهم عيون الماء من الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوي، وظلل عليهم الغمام
وأعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على بنى اسرائيل هي نعمة الدين، وكل ما عداها من نعم تبع لها 
وهذه النعم حتى لو كانت لأجدادهم فهي قد وصلت اليهم، فلو لو ينقذهم الله تعالى –مثلًا- من عبودية فرعون وقومه، لكانوا حتى نزول القرآن لا يزالون عبيدًا عند المصريين
ونعمة الدين التى أنعم الله تعالى بها على أجدادهم، وصلت اليهم
اذن فالنعم التى أنعم الله تعالى بها على أجدادهم قد وصلت اليهم، وستصل أيضًا الى أبنائهم وأحفادهم
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وقوله تعالى (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) فيها ملاحظتين هامتين:
- المقصود بقوله تعالى "الْعَالَمِينَ" هو "الْعَالَمِينَ" في زمانهم فقط، وليس في كل الأزمنة
- أن الأفضلية لبنى اسرائيل حتى في زمانهم ليست أفضلية مكانة، وانما أفضلية نعم، لأن الله تعالى لا يحابي احد من خلقه على حساب أحد، حتى أفضلية الأمة المحمدية والتى ذكرها تعالى في قوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ليست أفضلية مطلقة وانما أفضلية مشروطة باتباع منهج الله تعالى، قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) 
اذن أفضلية "بنى اسرائيل" (عَلَى الْعَالَمِينَ) في زمانهم ليست أفضلية مكانة، لأن أفضلية المكانة مشروطة باتباع منهج الله تعالى، وهم لم يتبعوا منهج الله تعالى، كما سيأتي في الآيات التالية
وانما كانت أفضليتهم (عَلَى الْعَالَمِينَ) أفضلية نعم، وهي نعمة الدين –كما ذكرنا- ونعمة ارسال الرسل، وانزال الكتب، وانقاذهم من عبودية فرعون، والتمكين في الأرض، وغير ذلك من النعم التى ذكرناها 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

اذن عندما يقول اليهود أنهم شعب الله المختار، نقول أنتم فعلا شعب الله المختار، ولكن شعب الله المختار بمعنى أن الله تعالى اختاركم لتحملوا منهجه، وكنتم الأمة الوحيدة في زمانكم الذين اختارهم لهذه المهمة، ولكنكم فشلتم في هذه المهمة، ولم تتحملوا المنهج، فاستحققتم الغضب واللعن من الله تعالى 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 كذلك فان قوله تعالى  (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) تعطينا قاعدة هامة جدًا، وهي أن انعام الله على عبده، ليس معناها أنه تعالى راضِ عنه، وانما هذه النعم هي ابتلاء من الله تعالى، ليعلم هل سنشكر هذه النعمة أم سنكفر بها 

وضربالله تعالى مثلًا ببنى اسرائيل، بأن أنعم الله تعالى عليهم، وفضلهم (عَلَى الْعَالَمِينَ) في زمانهم بهذه النعم، ولكنهم لم يشركوا هذه النعم، فاستحقوا اللعن والغضب من الله تعالى 
ولذلك وضح الله تعالى هذه القضية الهامة في سورة الفجر فقال تعالى (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) ثم قال تعالى ( كَلَّا) يعنى لا هذا صحيح ولا هذا صحيح، لا النعمة دليل على رضا الله عنك، ولا الإبتلاء دليل على نقمة الله عليك
وانما النعمة ابتلاء من الله تعالى، ليري تعالى هل ستشكر هذه النعمة أم لا
وكذلك تضييق الرزق ابتلاء من الله تعالى، ليري هل ستصبر أم تجزع
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇